فرسان البعث أقسموا أن ضلوعهم ستبقى الجسر الذي ستعبر عليه الأمة نحو التحرير ، وإذا أقسم الفارس فصدقوه ، فقَسَمُ الفارس دين عليه ولن يستريح حتى يفي به. أكثر من كان يُراهَن عليهم بتجديد حيوية حركة التحرر العربية وإغنائها غيروا اتجاهاتهم وبدَّلوه ، لكن البعثيين ما غيَّروا وما بدَّلوا تبديلا. بل ظلوا كـ«أهل بدر» الذين لم ينزلوا عن الجبل ليجمعوا الغنائم والأسلاب. وإذا كان بعض البعثيين قد فقد الصبر ولم يصمد ، فهذا لن يغيِّر حقيقة أن من آمن بالبعث سيظل فارساً يدافع عن الأمة العربية من دون منازع. بالأمس القريب ، بعد أن اجتاح جنكيزخان الأميركي أرض العراق ، تنازل صدام حسين عن غنائم السلطة وصعد إلى خندق الثورة ليحمي ظهر الأمة من التفاف طوابير الطامعين بخيرات العراق ونقل ثرواته إلى صناديقهم الخاصة. وبالأمس القريب وقف شامخاً أمام حبل المشنقة ، ليفقأ في عيون الجبناء حصرم ، ممن توهموا أنه سيضعف ، ليشعرهم أن حبل المشنقة يجب أن يلتفَّ ، وسيلتفُّ قريب ، على أعناق الضعفاء؛ أما الفرسان فلن يخافوا منها. أما اليوم ، فتذكرنا مواقف طارق عزيز ورفاقه بمواقف صدام حسين ، سيِّد فرسان البعث ، وإن كان الفارق أنه لم تتجرأ قيادة الاحتلال الأميركي وعملائه على محاكمتهم بالعلن بعد أن لقنتهم شجاعة صدام حسين وفروسيته درساً لن ينسوا منه أنه قد كشف عن شجاعته النادرة وعن ضعفهم وهزالهم. أما أن البعثيين لم ينزلوا عن الجبل في «موقعة بدر» ، فلأن قياداتهم رفضوا كل إغراءات المحتل وإنذارته تارة بالوعد وتارة أخرى بالوعيد. وخُيِّروا بين الوعد بالعودة إلى السلطة وبين الوعيد بالمشنقة ، فاختاروا المشنقة على أن يبيعوا العراق بعشرين من الفضة. كما كانت مواقف القيادات ، كذلك كانت مواقف البعثيين من شتى المراتب والمستويات السياسية والعلمية والفكرية والعسكرية ، بحيث رفضوا إغراءات المحتل بمواقع ومناصب ورواتب ، فدفعوا من رزقهم ودمهم وحياتهم ، مع عائلاتهم ، الثمن الباهظ؛ وظلوا على جبل المبادئ ولم ينزلوا عنه لجمع غنيمة من هنا أو سلب من هناك. وليس هذا فحسب بل حملوا البندقية أيضاً فأرغموا المحتل على الاعتراف بالهزيمة. هذا هو البعث دائم ، وهؤلاء هم البعثيون ، جبل من الصبر والشجاعة ، يدفعون الثمن الباهظ مهراً لحرية أمتهم ، وهم ينتظرون إنزال القصاص بكل من نكَّل بهم وبشعبهم. وهم كما فعل سيد فرسان البعث والأمة العربية ، اعتلوا منصة الإعدام ، وهم مطمئنون إلى أنه سيأتي اليوم الذي ستأخذ فيه العدالة مجراها. سيأتي اليوم الذي سيلفُّون فيه الحبل على أعناق الخونة الذين باعوا أمتهم وشعبهم. واليوم الذي يلفون فيه الحبل على أعناق المسؤولين عن احتلال العراق وخاصة منهم الذين أجازوا استخدام الجريمة المنظمة بحق العراق والعراقيين. وعلى الرغم من أن لوائح الاتهام كانت معروفة منذ اليوم الأول للاحتلال بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية ، وقبل الاحتلال لكل من خان وطنه من عملاء الاحتلال ، لم يطل الوقت كثير ، فقد جاءت ما أصبحت تُعرَف بـ«وثائق ويكليكس» لتشكل اعتراف المجرم بجريمته ، وبقي عليه أن يمثل الجريمة قبل إصدار الحكم النهائي عليه. وإذا كان المجرم قد اعترف بجريمته ، فهل نجد من العرب ، أنظمة رسمية وحركات حزبية وشخصيات معنوية ، من يتجرَّأ على الدعوة لتشكيل محاكم أينما كان لتحاكم المسؤولين عن أكبر جرائم التاريخ هولاً وفظاعة في العراق؟