في إحدى سنوات الغزو الأميركي للعراق ، وتحديداً في السنة التي كان العراقي البرِئ فيها يقتل على الهوية والاسم والعقيدة وبدم بارد وبوحشية لم نسمع ونرى ونقرأ عن مثلها في كل تاريخ الحروب والغزوات .. يقتل من قبل المليشيات التي يقودها الأحزاب السياسية الموالية لإيران من جهة ومن قبل القوات الأميركية من جهة أخرى وكانت أعداد الشهداء العراقيين تتصاعد بشكل مخيف ومرعب.كان عدد الأيتام الأطفال في تزايد مخيف وكان مظهر الأرامل وهنّ يتوسلنّ ويشحذن لقمة العيش لاطفالهنّ الذين فقدوا المعيل بشكل فجائي .. كانت أعداد الأمهات اللواتي تمرضنّ وأصبنا بالضغط والسكر والجلطات الدماغية جراء فقدان الأبناء ويتم الأحفاد في تزايد مستمر.. سنحت لي الفرصة لألتقي بشخصية عراقية كان مسؤولاً في المخابرات العراقية الوطنية وأصبّ جمّ غضبي وانفعالي عليه ، فبادرته بالسؤال : لما لم تتخلصوا من هؤلاء السفلة والأوغاد الذين تسببوا في احتلال العراق وجاءوا على ظهور الدبابات الأميركية وسمحتم لهم بأنّ يدخلوا العراق ويقتلوا الأبرياء من العراقيين ويجلبوا لنا كل هذه الكوارث والفواجع .. لما لم تصفّوا المعارضة العراقية وتغتالهم في عز النهار وانتم تعلمون إنهم قتلى ولصوص هربوا من العراق بحجة " الدكتاتورية وصاروا معارضين سياسين" . وقلت له وأنا غاضبة " تتحملون أنتم المخابرات العراقية كل ماحدث للعراق ودم كل عراقي سفك دمه "برقابكم " إلى يوم الدين ".وقلت له لن ألوم صدام حسين على شي إلا على إبقاء هؤلاء على قيد الحياة .. قال لي هذا المسؤول المخابراتي : هل نحن إرهابين لكي نقتل من اختلف معنا في الرؤية والمنهج ، ومع ذلك ، لقد كنا نفكر أن نصّفي بعض الخطرين على الوطن وكنا نطرح الموضوع على الرئيس الشهيد صدام حسين والأستاذ طارق عزيز لكنهما كانا يرفضان بل كانا يوبخنا توبيخاً شديداً .. وكان الرئيس الشهيد يرفض أسلوب الاغتيال والقتل مع أي معارض عراقي وحتى المتآمرين منهم والخطرين والمتوحشين. قلت له : ليتكم فعلتموها وخلصتم هذا الشعب البرئ من سفالة ونذالة هؤلاء .. انظر عدد قتلى العراقيين على أيدي المليشيات وفرق الموت يفوق كثيراً عن عدد قتلى العراقيين الذي تقتلهم القوات الأميركية .. انظر أساليب وطرق القتل التي تتبعها الميلشيات وفرق الموت الموالية لإيران وتابع أساليب قتل العراقيين على أيدي القوات الأميركية وقارن ثم احكم بنفسك أي نوعٍ من البشر جاء ليحكم العراق وانظر عاقبة الصفح عن هؤلاء .. قالها مرة أخرى : نحن لسنا ارهابين ، جهاز المخابرات لم يكن قادرا أن يناقش هذا الموضوع مع الرئيس صدام حسين أو مع نائبه الأستاذ طارق عزيز ، فكرة الاغتيال والقتل كان مرفوضاً حتى مع المعارضة . حتى أنا ارفض فكرة الاغتيال والقتل ويرفضها كل عراقي ، لكن ما حصل للعراق وللعراقيين جعلنا نتمنى لو أن هذا حدث .. كل من كان يفكر مجرد تفكير أن يستعين بالقوات الأميركية لاحتلال العراق بحجة التخلص من نظام الحكم ،هذا الشخص خطر ووجوده على الأرض تهديد ليس على شخص واحد وإنما على الشعب برمته والتخلصّ منهُ يعدٌ امراً انسانياً. انظروا ماذا فعلت بنا المعارضة العراقية التي استعانت بالقوات الأميركية أو أن أمريكا استغلت نذالة هؤلاء وعمالتهم ووحشيتهم لتحقيق مأربها باحتلال العراق . ومع أن ما تسمى بالمعارضة العراقية كانت تستغل أية فرصة مواتية لها لاغتيال شخصيات وطنية في الحكومة العراقية الشرعية وكانت لا تفوتُ فرصة لتنفيذ مخططات و مؤامرات إيران ضد الحكومة الوطنية كما حدث مع الأستاذ طارق عزيز الذي تعرض إلى محاولة اغتيال في الأول من نيسان سنة 1980 ومحاولات أخرى واستهداف الرئيس صدام حسين ومحاولة اغتياله التي لم تنجح ولا واحدة منها بمشيئة الله. مانريد قوله إن سنوات الغزو الأميركي للعراق اثبت وبالدليل القاطع أن هؤلاء الذين كانوا يتباكون من دكتاتورية صدام حسين ونظامه الوطني وأدعو أن ضميرهم الوطني والحرص على الشعب وتخليصه من الظلم ماهي إلا أكذوبة ساذجة كان الهدف من ورائها الاستحواذ على ثروات البلاد باستلام السلطة والهيمنة على مقاليد الأمور في البلاد وجعله لقمة سائغة إمام أعداء العراق :أمريكا ،إيران :إسرائيل. والسنوات اثبت أن هؤلاء بعيدون عن الوطنية والإنسانية .. فارغون من القيم والأخلاق والضمير .. هؤلاء ليسوا ساسة جاءوا ليحكموا البلاد بعدالة وقانون وسياسة وإنما لسرقة ثروات ومقدرات البلاد بأي شكل وبأية وسيلة بما فيها قتل مليون عراقي أو الملايين من العراقيين. والسنوات اثبت إن صدام حسين وطارق عزيز وسبعاوي إبراهيم وطه ياسين رمضان وكل أركان النظام العراقي الوطني كانوا في قمة الوطنية وكانوا في قمة الإنسانية والأخلاق والقيم يملكون ضميراً وطنياً نقياً خالصاً وقلباً إنسانياً صادقاً.. أصحاب الضمير والوطنية والإنسانية والأخلاق والنزاهة والحرص على الشعب يدفعون ثمن وطنيتهم وأخلاقهم السياسي والإنساني ويتعرضون إلى أبشع أساليب التصفية السياسية .. نحن شعب طارق عزيز نعلم أن شخصاً وإنساناً مثل طارق عزيز "لا يستاهل مجرد اعتقال أو حجز في غرفة " كما أن الرئيس صدام حسين لا "يستاهل" الاغتيال والإعدام ، وندرك أن قيادتنا الوطنية كلها لا"يستاهلون" مايحدث لها ، وندرك جيداً لو أن العراق كان يحكمه حكومة عراقية وطنية غير زمرة المالكي والطالباني والحكيم والجعفري ، لو أن أحزاب وطنية أخرى مشهود لها بالوطنية غير حزب الدعوة المجرم وحزب الفضيلة والمجلس الأعلى تسلمت السلطة في العراق بشكل ديمقراطي وليس بجلب الاحتلال والاستعانة به... وندرك لو أن أمريكا كانت ديمقراطية وحريصة على تصدير الديمقراطية إلينا ، وندرك لو إن صدام حسين وطارق عزيز وأركان نظامهما تخليا عن العراق وسلموه إلى أمريكا وإيران .. لما كانا اعتقلا واغتيلا ، ولما قتل مليون عراقي وتهجرّ مليون آخر . أتساءل : إذا كن ندرك ونميز الوطني عن غير الوطني من قادتنا ورموزنا .وإذا كانت الأمور قد تكشفت إمامنا وصارت أوضح من شعاع الشمس ..إذا كان قتل مليون ونصف مليون عراقي وتهجير مثله واعتقال مثله ليس دليلاً كافياً لنرفض هؤلاء .. وإذا كانت كل الأدلة التي نملكها والتي تثبت لصوصية هؤلاء وفسادهم وانتهازيتهم لا تقودنا إلى تبني موقف وطني حقيقي وصحيح بعد هذه السنوات الطويلة من القتل وسفك الدماء ونهب الثروات. إلا تقود هذه إلى الانقلاب والى الاعتراض والاحتجاج والاستنكار والى المقاومة السلمية والمسلحة . متى نعتصم نحن العراقيين ونرفض أن يتولى آمرنا مجرمون قتلة لصوص وسراقّ. إلا يدعونا هذا لنتدخل ونقذ حياة قائد وطني ودبلوماسي رائع مثل طارق عزيز " كل الشعوب تتمنى لو أن طارق كان ابناً وقائداً لها".آلا يجعلنا هذا أن ندعم المقاومة الوطنية ونحضنها ونباركها وننخرط في صفوفها ونرفع السلاح معها لرفع الحيف والجور والاحتلال عن بلادنا ؟؟.متى نعتصم نحن العراقيين؟متى نخرج إلى الشارع ونصرخ في وجوه هؤلاء القتلة : اتركوا العراق؟متى نحتج ونعترض على اغتيال رموزنا؟متى يغادرنا هذا الصمت المخزي ؟الم نتأكد من وطنية طارق عزيز ورفاقه ومن لصوصية وعمالة المالكي وزمرته لإيران ؟ يمر زمان ويأتي زمان .. سندرك عاجلاً أم اجلاً أن المقاومة كانت وسيلتنا الوحيدة والفريدة لتحرير وطننا وفك رقابنا من نير الاستعباد والذل والاحتلال. كلشان البياتيكاتبة وصحفية عراقيةGolshanalbayaty2005@yahoo.com