يحكى أنَّ كلباً ملّ العيش في بلاده أوروبّا , حيث يقال أن درجة الرعاية للكلاب هناك في المجتمعات الأوروبيّة والغربيّة بشكل عام تأتي بالدرجة الثانية بعد الرعاية الخاصّة التي يحضا بها الأطفال في تلك المجتمعات! ثم تأتي المرأة في الدرجة الثالثة , أي بعد الكلب مباشرةً , وفق التسلسل الاجتماعي الأحظى بالرعاية , ويأتي الرجل بالترتيب الرابع , ورعاية الكلاب في البلدان الغربيّة معروفة , ولكي لا نطيل , فيكفينا اختزالها على عجالة نستلّها بما قرأنا من عجائب سابقاً , أيّام ما كنّا نسمع فيها خرخشة الفلس والخمسة فلوس والخمسه وعشرين فلساً والدرهم والميّه والربع دينار ؛ من إنّ أحد الكلاب ورث الملايين من الدولارات من صاحبه بعد موته بعد أن أوصى لكلبه بكلّ ما يملك من ثروات, لذا فلا غرابة أن يكون كلبنا , كغيره من أقرانه المترفين من كلاب أوروبّا , قد ملّ الرعاية الفائقة التي يلقاها من قبل الحيوانات الناطقة "البشر" وملّ النعيم الذي تسبغها عليه هذه الرعاية وملّ فيها الفرفشة والترف والدفأ والطعام الجاهز الخ من اهتمامات لم يحض بمثل عشرها العرب من قبل الغرب , فقرّر هذا الكلب السفر للبلدان العربيّة نظراً للسمعة المعروفة التي تخصّصها مجتمعاتها البشريّة للحيوانات , وللكلاب على وجه الخصوص! فلطالما قد سمع هذا الكلب عن تلك النوعيّة من الرعاية وهو لا زال طفلاً يحبو في دار رعاية الطفولة! وسمعها من جدّته الكلبة "بنت الكلب" مثلما سمع بحكايات السندباد تردّدها كلّ ليلة يغمض عينيه بين ذراعاها الحنونتان تحكي له قصص ألف كلب وكلب في بلاد "إكعد ولك وانجبّ" !... لملم كلبنا هذا ما يستطيع من أمتعة وعدّة أعدّها للاغتراب على أمل أن يصادف وهو في طريقه ويعثر على مهرّب "أخو خيته" يستطيع العبور به إلى برّ الأمان ! , ثمّ رحل , وهرول وسار وسار , طسّه اتشيله وطسّة اتحطّه , ومهرّب يشمره ويقذفه على مهرّب , عبر خلالها بحار وأنهار وأنوار وسبّح بحمده الجبّار واجتاز دول وممالك كثيرة , إلى أنّ حطّ على حدودنا العربيّة الغالية ... وبينما وهو يجتاز "الأرض الحرام" التي عادةّ ما تفصل دولة عن دولة أخرى جارةً لها , صادف أن لمح كلباً يعرج ويتقفّز بقدم واحدة قادماً بالاتّجاه المعاكس من اتّجاهه يتلفّت يمنةً يسرة بحذر لئلاّ يُقبض عليه ! اعتقد كلبنا أنّه قد سبق له وأن لمح هذا الكلب الأعرج من قبل! , ربّما شاهده عبر فلم مصوّر عنوانه بالفنلنديّة "جنّة الأزبال" يروي مشاهد عراقيّة في كنف التحرير والحرّيّة والتخلّص من أسلحة الدمار الخاص وأسلحة الدمار الشامل وأسلحة الدمار الكاتم والحياة السعيدة التي يعيشوها العراقيّون وكلابهم في ضلّ بابا نؤيل , حيث يصوّر الفلم مجموعة كلاب مستنفرة تبحث في زبالة الله الواسعة عن عصعوص أو "لكمة القاضي" يسدّ بها رمقه الجاف منذ عهد أوتوحيكال , فسأله كلبنا "مدري بيا جيفة شايفك" ؟ .. فردّ عليه كلب العراق الجديد المسرع : مو وكتهه هسّه أجاوبك لأن مشغول وأريد أشوفلي ديرة بيهه زبالة دسمة وبعت العندي والماعندي من عظام وقواطي فارغة حتّينه أطفر ؛ زين إنت ليش جاي علينه ؟ شنو اللي جابك ! .. بهذا الجواب كمّل ردّه كلب الشرق الأوسط الكبير على صاحبنا الكلب الأوروبّي , فأجابه الكلب الأوروبّي : يا أخي : ملّيت من نفسي .. يا أخي إجيت يمكم كلت بلكي أكدر أحس بنفسي آني جلب ...؟ ! وكذا البعض .. كلّما زهق أحدهم من حياته الديمقراطيّة الرغيدة التي وضعته في أحضانها الصدف وزرعته على صدارتها أيادي الجهل وأيادي كلّ مفاجآت زماننا المقلوب , سرعان ما يلجأ إلى دول الجوار بين آونةٍ وأخرى كي يرى نفسه ويحسّ بأيّامه الخوالي ! .. أيّام الحضانة وحكايات جدّتي !.. أيّام ما كان "زاهداً" فلا قميص حرير "ماركة ديلاكمواه" ولا "قاط" ولا "رباط" ولا حذاء إيطالي سوى حذاء أبو النعلجة .. و ممكن نعال أبو الإصبع , ولا حزام ولا ملابس داخليّة "جاكي" , ممكن لباس داخلي نوع "يمسهّرني" مصنوع من لافتة من لافتات الأقمشة التي تزيّن المناسبات , يعني لباس عله المودة من مدرسة الحروفيّات أو "البعد الواحد"! فتجد حرف الميم بخط الرقعة خاشش عله طـ..! وحرف الألف طالع جزء منّه جوّة "التجّة" ! , ذلك إن أحسنّا الظن وقلنا أنّه كان يرتدي لباس!.. ولا ولا .. ولا حول ولا قوّة الا بالله .. باعوا للعراق وفكّكوه ؛ فكّة فكّة وقطعة قطعة ...