يقف السودان اليوم ،على عتبة مرحلة حاسمة من تاريخه المعاصر، بإجراء الاستفتاء في أواخرهذا الشهر، والذي يتزامن مع حملة ظالمة، داخلية وخارجية، لغرض إثارة الفتنة بين أبنائه، تحت شعارات مختلفة.وتأتي تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية الأخيرة، بان السودان لغم موقوت، وان انفصال الجنوب، أمر لامناص منه،في إطار هذا السياق من التآمر الدولي الجلي، على ما تبقى من الحد الادنى، لعناصر تماسك الجسد القطري العربي، بالسعي لقصقصة أوصاله،وإعاقة آحاده،وتحطيم أطرافه، عن الحركة والحياة. وإذا كان الاحتلال الأمريكي للعراق، هو اكبر كارثة، لحقت بالأمة العربية، في التاريخ المعاصر، بعد نكبة فلسطين، وإنشاء الكيان الصهيوني،وتشريد أهلها من أرضهم، فأن هول الصدمة التي تعرض لها المواطن العربي،نتيجة لذلك، يجب ان لا تصرف أنظارنا أبدا، عما يلوح في سماء العرب، من سحب وغيوم شؤم، تنذر بكوارث اخرى، تحل على ارض العرب،في قريب القادم من الأيام. ولا جرم ان ما يجري الآن، على الساحة السودانية، من زعزعة للاستقرار، بإثارة الفتنة الطائفية والقبلية،بين أبناء الشعب السوداني، تحت ستار الحراك ضد الفساد،وجرائم الإبادة، والتطلع الى الإصلاح والديمقراطية، وغيرها من المزاعم، ما هو الا بداية الطريق، لتصعيد الصراع الداخلي، والتمرد على وحدة السودان، بهدف تقسيمه،في ضوء مؤامرة الاستفتاء على مستقبل الجنوب، بذريعة مزاعم تقرير المصير، لسكان الجنوب . ان إثارة نوازع التمرد والتحريض، على الفوضى والعصيان، بتبريرات واهية،وفي هذا التوقيت بالذات، وما يلقاه هذا التوجه المشبوه، من دعم قوى خارجية، ذات مصلحة مباشرة بإنهاك الحال العربي، وتحجيم مقومات الصمود العربي التوحيدي، الذي هو نقيض مخطط التجزئة، والضعف والإحباط الراهن، هو حالة مرفوضة، ويتطلب ان يتصدى لها جميع العرب، أنظمة ومؤسسات شعبية، وقوى وأحزاب سياسية، وتيارات ثقافية، وفكرية،ومواطنين،بهدف تفويت الفرصة،على مخطط التجزئة، الناشط بشكل مسعور هذه الأيام، والحفاظ على وحدة القطر السوداني،بكل الوسائل المتيسرة. ولاشك ان السكوت على ما يجري من مؤامرات، على الوطن العربي،باستفراد أقطاره،الواحد تلو الآخر،لإنهاكها وتمزيقها، ولاسيما بعد الغزو الأمريكي للعراق في العام2003،واحتلاله، تحت شعارات كاذبة، عرف الجميع زيفها وبطلانها، وإنهاكه في أتون ما سموه الفوضى الخلاقة، بعد حل أجهزة الدولة، إمعانا في إنهاكه، إنما يعني التواطؤ المباشر، مع أصحاب الغرض من أعداء الأمة، الإقليميين و الدوليين منهم،للعبث بمصيرها، والمس بأمنها، وطعنها في الصميم. وإذا كان الحال العربي اليوم، على درجة من الضعف والغثيان، فان ذلك لا يبرر،تحت أي مسوغ، غض طرفنا، عما يدور في ساحتنا، بل وعلى أبواب سياج دارنا العربية، من خطر داهم، لا يبقي للجميع شيئا ولا يذر. ذلك ان الطامة الكبرى، التي تتهدد الكل على حد سواء،في إزاء هذا السكوت المطبق، ستأتي على الجميع أنظمة وشعبا، دون تمييز، وعندها سيكون دفع فاتورة الثمن، باهظا بكل المقاييس،ولكن لات ساعة مندم .ولاشك ان للجميع عبرة بليغة، فيما يجري الآن، على الساحة العراقية، والفلسطينية، واليمن، والبحرين، والصومال،بل وما حدث للسعودية قبل عدة أشهر، وما يحصل في الجزائر، وانتهاء بمشكلة الصحراء الغربية. وإذا ما تمادى العرب، في تجاهل ما يجري على ساحتهم اليوم، من نذر سوء،ولم يهبوا متمنطقين، بعتاد نفس السلاح، الذي يحملونه على أكتافهم، لمواجهة الخطر المحدق بهم، فلا شك انه، ستتجاوز عليهم،في أي لحظة، حتى بنات آوى،من أعدائهم، وعندها فلن تكون مجرد وحدة السودان في خطر، بل ان وحدة الأقطار العربية تباعا،ستكون هي الاخرى،في طريقها الى خطر القصقصة، وتقطيع الأوصال،والتعويق، وهو أمر، ولاشك خطير، ومرعب،ويجب ان يتحمل العرب جميعا، رعية وأولي أمر،مسؤوليته التاريخية،أمام الله،وان يضعوا كل إمكاناتهم، في معركة المصير،لمواجهة هذا الخطر الداهم.وان لا يستسلموا الى واقع حال (أكلنا يوم أكل الثور الأبيض) أبدا. فلا يزال الاحتياطي المضموم، في طاقات الأمة الكامنة، كافيا لردع أي عدوان على حرماتها. وإذا كانت وحدة وسلامة الأقطار العربية الراهنة، حتى مع كونها حالة غير مثالية للطموح العربي، في الوحدة الشاملة، لكنها تمثل في المنظور من راهن الحال،الحد الادنى من الوجود العربي، المطلوب الحفاظ عليه، من مزيد من التشرذم والتتشظية. وبالتالي فان الدفاع عن وحدة وسلامة أي قطر عربي ،أمانة تاريخية، ومسؤولية أخلاقية،في ذمة الجميع...وان أي إشكالات أو إخفاقات، ترتبت على مسيرة أي قطر،مهما كانت سلبياتها شاخصة ،يجب ان ينظر إليها، على انه أمر يمكن تداركه،بالحوار الوطني،المخلص البناء ومناقشته، ووضع الحلول اللازمة له،بين أبناء ذلك القطر، وربما بالتشاور مع أشقائه،في الإطار الثنائي، او الجمعي، من خلال مؤسسة الجامعة العربيةعلى ركة حالها، إذا تطلب الأمر ذلك، ومن دون السماح بتدخل أجنبي، لان هذا الشأن يهم الأمة بأجمعها.. وبالتالي، فحيثما وجدت نتوءات ضارة لتلك الإرهاصات، في أي مفصل من مفاصل حركة المسيرة القطرية،وهي طبيعية في كل مسيرة.. فأنها تبقى، على كل سلبياتها ومرارتها، أهون بكثير، من بديل التآمر،على وحدة وسلامة ارض ذلك القطر،الذي هو التشطير والشرذمة البغيضة، التي ستطيح عندئذ، بتطلعات الأمة في التوحد والنهوض،وتلقي بهم مرة اخرى، في متاهات الإحباط .وعندها يكون العرب، قد ظلموا أنفسهم،وخسروا فرصة التاريخ،حيث لا مكان فيه لأمة متقاعسة،عن الأخذ بأسباب ذلك النهوض. فلينتصر الجميع لوحدة السودان، وليكن الإصرار العربي،جازما،على التمسك بوحدة ارض السودان، حقيقة أزلية ،وانه لن يحين أبدا موعد لتقسيمها،مهما كانت المزاعم والتحديات.