حالفني الحظ للاستماع إلى حلقة من برنامج شاهد وشواهد الذي تبثه قناة الرافدين الفضائية ويقدمه الإعلامي العراقي رافع الفلاحي ... وكان ضيف الحلقة في جزئها الرابع الدكتور فاضل الجنابي آخر رئيس لهيئة الطاقة الذرية العراقية ايام الحكم الوطني الشرعي في العراق. والدكتور الجنابي لمن لا يعرف كان قد عاصر البرنامج النووي العراقي منذ مراحله الأولية واستمر جندياً متفانياً في عمله مخلصاً في تادية واجباته مؤمناً بحق وطنه وأمته في إمتلاك ناصية العلم. لقد تحدث الدكتور العزيز عن كيفية البدء في بناء المفاعلات العراقية تموز واحد وأثنين وثلاثين تموز بكثير من الحب والألفة وكأنه يتحدث عن أبنائه، وسرد تاريخ قتال العراق للحصول على التكنولوجيا التي كانت محتكرة من قبل دول محددة بكثير من القناعة والدفاع عن الحق الإنساني المشروع للأمة في أمتلاك أسرار المعرفة، وقدّم صورة مشرقة لمفهوم نقل التكنولوجيا وتوطينها يتضمن رؤية القيادة العراقية حينها للشمولية والتكامل والذي يؤكد على تدريب كوادر العراقية وتأهيلها ومنحها القدرة على التصميم والتنفيذ والتشغيل لمشاريع المستقبل دون الحاجة للخبرات الأجنبية. لقد كان الدكتور فاضل حريصاً على التأكيد للمشاهد والمستمع على النظرة القومية الشاملة في التخطيط القيادي لتلك المشاريع العلمية العملاقة وكيف أنها كانت مفتوحة لكل العرب والعراقيين دون النظر لأي إنتماء عرقي أو ديني او مذهبي، كما كان حريصاً على التركيز على الإصرار الصهيوني بالمقابل لتدمير هذا المشروع القومي الرائد منذ مراحله الأولى وبشتى الطرق من تهديد الشركات وتفجير المعدات ومروراً بإغتيال الكفاءات وإنتهاءً بقصف المفاعل حينما لم يعد في قوس الصبر من منزع وحين أفشلت القيادة العراقية وعلماء العراق والعرب كل محاولاتهم الأخرى لتعطيل المشروع وإجهاضه. لقد وضعت يا سيدي الدكتور فاضل أصبعك على الجرح حين قلت أن النهضة العلمية العراقية كانت نهضة شمولية في كل المجالات، فليس معقولاً أن يتقدم الطب وحده دون الرياضة والفنون، أو أن يبدع الشعراء دون بروز العلماء والمهندسين، وعراق مابعد الإحتلال مثال على ذلك! فقد ساد التخلف كل المجالات ومازلنا نتعكز على ما افرزته فترة ماقبل المحتل من علماء واطباء وفنانين وشعراء ورياضيين، ولم يبرز من "رجال" المرحلة الحالية هذه سوى الكذابين والفاسدين والسارقين. ليتني استمعت للبرنامج بكل حلقاته- ولا أدري إن كان البرنامج معاداً أم لا ولكني وجدتني مضطراً أن أحيي العراقي الأصيل الدكتور فاضل في غربته والذي بقي محافظاً على نقاوته وصفاء معدنه رغم معاناته- وأن احيي من خلاله كل الشرفاء من علماء العراق وكوادره الفنية التي أعطت الكثير الكثير وضربت مثلاً رائعاً في التفاني ونكران الذات وحب الوطن...كما وجدت نفسي أتحّرق لتسطير مشاعر العز التي تجتاح العراقي وهو يتذكر تلك الأيام الخوالد أيام القرار الوطني المستقل والشجاع...