لم تكن التصريحات التي أطلقها رئيس أركان الجيش العراقي بابكر زيباري منذ أيام حول عجز الجيش عن تحمّل مسؤولية حماية العراق خلال العشر سنوات المقبلة بجديدة، حيث كانت هناك بوادر منذ فترة تدفع بهذا الاتجاه، وذلك بغرض الإبقاء على الاحتلال لفترة أطول. تصريحات زيباري أكّدها أيضاً وزير الدفاع عبد القادر جاسم العبيدي وغيره من قيادات الوزارة، لكن الغريب في هذه المسألة موقفان.موقف الاحتلال الذي صمت إزاء هذه التصريحات كأنه لم يسمع بها قط، ومضت إدارة أوباما تؤكد أنها ملتزمة بالانسحاب في موعده، وكأن زيباري والعبيدي لم يقولا شيئاً. الموقف الثاني كان لنوري المالكي رئيس الوزراء المنتهية ولايته والقائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية حيث غرّد خارج السرب وأكّد الانجازات الأمنية الكبيرة وجاهزية القوات الأمنية لخلافة الاحتلال في الحفاظ على الأمن، من خلال قوله "أصبح لدينا جيش يمتلك العدّة والعدد والتدريب والقدرة على حماية أمن العراق وسيادته"، وهو تصريح يأتي على النقيض تماماً من تصريحات القادة المباشرين والمشرفين على العمليات الميدانية. كانت تصريحات زيباري والعبيدي، وبكل أسف، أقرب إلى الحقيقة، وليس لأن زيباري كردياً ويرغب في بقاء الاحتلال على اعتبار أنه يحمي المشروع الكردي ويوفّر له الغطاء للنموّ، كما ذهبت بعض الآراء، ولكن لأن هذه هي الحقيقة، حيث إن الجيش وبقية الأجهزة الأمنية العراقية لم تتدرب بالشكل الكافي ولم يتم تسليحها بالقدر المطلوب، كما أنها مازالت تعاني من سرطان المليشياتية والطائفية، وهو ما أقرّ به المالكي بنفسه بعد تصريحات زيباري. ولا ندري ما الذي كان يقصده المالكي من قدرة الأجهزة الأمنية على تولّي ملف الأمن، هل كان يقصد أمنه هو وأمن حكومته المنتهية الولاية ونظامه الذي أسّسه، أم أمن عموم الشعب العراقي الذي تنزف دماؤه وكلّ يوم يمرّ تزداد فيه قوائم القتلى والجرحى والمشردين والأيتام والأرامل؟. لا شك في أن العراقيين يتوقون لرحيل الاحتلال، على عكس بعض ساسة العراق الجديد، ولكن هل قام الاحتلال بإعداد الجيش العراقي وتدريبه وتزويده بالعتاد اللازم ليتولى خلافته في الملف الأمني؟. الإجابة بالطبع ستكون بالنفي، فالاحتلال يتحدث الآن عن الانسحاب بعد أن حلّ جيش العراق الوطني واستبدل به جيش طائفي وعرقي غير وطني، عماده المليشيات وحزبا الهوى والهوية، وهي نكبة في حدّ ذاتها، وما ترويج إدارة أوباما للانسحاب ونزع خنجر الاحتلال، بالشكل الذي من المتوقع أن يتسبب في نزيف عراقي داخلي يترجم بعودة سطوة الميليشيات والصراع الطائفي والعرقي، إلا محاولة لإجبار العراق على الطلب من واشنطن أن تبقي قواتها إذا لم تنسحب أو إعادة جانب كبير ممّا سيتم سحبه، وهو ما اتضح من تصريحات زيباري والعبيدي، حينها سيعود الاحتلال إما تحت بند الدعم والإسناد، أو تحت مظلة القبعات الزرق، وبذلك ينطبق عليه قوات دولية بطلب عراقي وليست قوات احتلال، فهل سيكون هذا "تغيير" أوباما إزاء العراق؟.