الأرقام والإحصائيات عن أعداد العراقيين المصابين بالسرطانات والأورام الخبيثة أو المهددين بالإصابة بها من محافظات ومناطق عديدة هي أرقام كبيرة وهائلة ناهيك عن أعداد الأطفال الذين يولودون بتشوهات خلقية مميتة ومعيقة ؛ تشير نتائج الدراسات الإحصائية والمسحية المتوفرة والتي تجرى بامكانيات محدودة خارج نطاق امكانيات السلطة وبمساعدة مراكز خيرية خارج العراق عن زيادة في اعداد المصابين تفوق المتوقع بأضعاف عما كانت عليه قبل حربي الخليج الاولى والثانية كذلك مقارنة بواقعها في الدول المجاورة . العلاقة بين زيادة هذه الإصابات وبين مستويات التلوث الإشعاعي والسمي البيئي في هذه الدراسات تعطي دلائل وثيقة الصلة باستخدام اليورانيوم المنضب في الأسلحة التي استخدمت في هذه المناطق مع أن الحاجة لإجراء الدراسات الواسعة والموثقة والمسوح البيئية ومعدلات الإشعاع والتلوث السمي والتي لا تسمح الظروف القائمة لإجرائها , تبقى مطلوبة ومهمة كأهمية تصريح قيادات الجيوش المشاركة في الحروب عن كمية ونوعية ومناطق وتواريخ استخدامها لهذه الأسلحة والتي لازالت تحتفظ هذه القيادات عن التصريح بها . لست طبيبا اختصاصيا او متخصصا بعلم الأورام ولكن كوني طبيب عراقي أكاديمي أجد من صميم مهماتي اليوم أن أتابع واقع وحقيقة كارثة هذه الأورام وطبيعتها واحصائياتها واحتياجات ومستلزمات تشخيصها وعلاجها ومتابعتها ولكوني على إدراك كامل بواقع الخدمات الصحية والطبية المتردي والمؤلم في العراق بسبب انهيار البنية التحتية فيه في ظل الظروف العراق الراهنة والنقص الكبير في التجهيزات والامكانيات والكفاءات المتوفرة في المؤسسات الطبية العراقية الحالية وما مخصص لها ماليا فإني لا ارى أملاً بالأفق القريب في ان تكون وزارة الصحة او الحكومة العراقية مؤهلة او قادرة للنهوض بهذا العبء . إن حجم المعاناة التي تحيق بالعوائل المتضررة بسبب إلإصابات بهذه الأورام والتشوهات , كبيرة وقاسية كما أن وضع العراق الأمني والصحي والبيئي مضطرب وحجم الكلف المالية التي تؤمن التشخيص والعلاج ناهيك عن التنقل وعدم توفر الأدوية الباهضة الثمن ووسائل العلاج بالأشعة العميقة ومتابعة هذه الحالات لسنوات لتأمين الشفاء وتفادي المضاعفات يتطلب إمكانيات كبيرة خارج إمكانيات العراق المتاحة حاليا وظروفه الصعبة وغير المستقرة , كما أنها خارج إمكانيات الأفراد والمنظمات الإنسانية لذا أجد من واجبي ومن شعور مصحوب بالأمل والتفاؤل لفت الأنظار وكشف الأخطار أمام كل من له القدرة على الإسهام والمبادرة للعمل على تخفيف معاناة شعبنا العراقي مذكرا أن خطورة السرطانات والأورام والتشوهات التي تهدد حياة العراقيين وفقا للدراسات والإحصائيات المنشورة لاتقل أهمية وخطورة من تلك التي تسببها الهجرة القسرية لهم داخل وخارج العراق بالنتائج والتكاليف . وحيث ان حجم الكارثة لم يعد ضمن امكانيات الأفراد والجماعات فإن الجهود الفردية الطبية والإنسانية لم تعد تفي بحل متطلبات الكارثة وأن العراقيين اليوم بحاجة إلى دعم وإسناد عربي وإقليمي ودولي سريع يتولى مهمة القيام بالجهود التالية : 1. احتواء مشكلة ضحايا هذه الاورام والتشوهات القاتلة بتوفير صيغ إنسانية وموارد مالية في مراكز متخصصة في المنطقة العربية والإقليمية لتولي تشخيص وعلاج ومتابعة ضحايا هذه الإصابات والاستفادة من امكانيات هذه المراكز لإجراء الدراسات السريرية والمختبرية لتقصي أسبابها ومسبباتها وإيجاد وسائل الوقاية منها والتنبيه عن مخاطرها المستقبلية. 2. تتولى هيئات وجمعيات إنسانية وطبية وحكومات دوليةعربية وإقليمية والجامعة العربية والمنظمات الدولية مهمة طرح خطورة هذه الظاهرة على مستقبل الشعب العراقي وشعوب المنطقة من خلال القنوات الدولية وتحديدا قيام الأمم المتحدة وهيئاتها الطبية ومنظمة الصحة الدولية والصليب الأحمر الدولي لتبني وتمويل برامج استقصائية ووقائية وعلاجية ولوضع يفي بمستلزمات إجراء البحوث والإحصائيات والدراسات التحليلة بموضوعة المكافحة والمعالجة والوقاية واجراء مسوح الكشف عن التلوث البيئي والإشعاعي في المناطق المتضررة واستحصال المعلومات الموثقة من الدول التي استخدمت هذه الأسلحة ومناطق وحجم وتواريخ استخدامها للإستفادة منها لأغراض تخفيف كلفة المسوح والكشوف . 3. إن خبراء وباحثين ناشطين في مجال طب الأورام والسرطانات في العالم يعملون على مطالبة الامم المتحدة بتبني مشروع يهتم بمعالجة هذه الأمراض التي تشكل كارثة إنسانية كبيره في الشعوب الفقيرة والعراق اليوم هو أولى بالرعاية من غيره حيث ان هذه الكارثة في العراق ناتجة من جراء حروب اتخذت من غطاء الأمم المتحدة مبررا لشنها وأباحت دول الإحتلال استخدام أسلحة مشعة ثبتت خطورتها البحوث والدراسات من معاهد علمية رصينة بما لا يقبل الشك كما أن مراكز علمية أخرى أشارت إلى أن كارثة الأورام والتشوهات في الفلوجة وحدها قد فاقت كارثة هيروشيما في القرن المنصرم. 4. من المؤكد أن الإسهام الفردي وتسخير راس المال الخاص ومشاركة أوجه الخير والتبرع ومراكز الزكاة والمنظمات الإجتماعية المدنية والإنسانية ومنظمات العون والإغاثة والنقابات والإتحادات المهنية العربية والإنسانية والدولية لهم باع طويلة وخبرة جيدة في إيجاد صيغة للمشاركة بهذا الجهد الإنساني الكبير. 5. بالأمس كنت في زيارة لمرضى عراقيين في أحد مراكز السرطان المتخصصة خارج العراق ناهيك عن أعداد كبيرة يرقدون في مستشفيات خاصة عديدة تجاوزت كلف علاج كثير منهم طاقة الأثرياء فما بالك بعشرات الآلاف من المرضى المعذبين الذين لايمتلكون ما يسد رمق عيشهم داخل العراق ؟. وأعداد كبيرة أخرى تدرك سريان آكلتها (أورامها) في أحشائها تنتظر الموت المحتم غير قادرة على علاج آفتها . لقد تحمل العراقيون أعباء حروب غادرة ومخططات إبادة ظالمة وتميزوا بصبر مضن وصمود بارع أمام أكبر حروب الكون ظلما وقهرا ؟ وبعد أن انكشفت أبعاد هذا المخطط الرهيب وبدأت الشعوب الحية تحاكم وتطالب مروجي هذه الحروب من قادتها بكل صلابة ومسؤولية ؛ ألا يستحق العراقيون وقفة نبيلة ومشرفة من شعوب الأمة وحكوماتها وأثريائها والمقتدرين من أبنائها تخفف من آلامهم ومصائبهم وتسهم في التخفيف من كوارثهم ومعاناتهم ؟. 6. على القنوات الفضائية الإعلامية والمواقع والصحف ووسائل الإعلام المنظور والمقروء ان تقوم بدورها للكشف عن مخاطر هذه الظاهرة والإسهام بدورها البناء في التنبيه والمناشدة لتحقيق جهد فاعل يخفف من آلالام العراقيين وكوارثهم من خلال البرامج المكثفة واللقاءات الميدانية مع العوائل المنكوبة والمرضى المتضررين . 7. لقد وقف العراقيون مع الأمة كلها في أزماتها ونكباتها وفي أحرج المواقف تشهد على ذلك مقابر شهداءه المنتشرة على طول الأرض العربية؛ فهل من رادٍ لأفضاله ؟ اللهم إني بلغت فاشهد .