إطلعتُ, مثل غيري من المهتمّين بالشأن العراقي, على ما يُسمى بالمقترحات التي قدّمها التحالف"الكردستاني"العميل الى شركائه من حكام بغداد القابعين في حجور المنطقة الخضراء. ومَن يقرأ تلك المقترحات يجد ببساطة أنها لا تصدر الاّ عن أناس مُصابين باكثر من عقدة نقص ومجموعة متشابكة من الأمراض النفسية الأخرى. يفتقرون الى النظرة الموضوعية في التعاطي مع التطورات والمستجدات التي طرأت وتطرأ على العالم المحيط بهم. يتعاملون مع الأمور التي تخصّ العراق والعراقيين, رغم إدعائهم بانهم شركاء في الوطن, من منظور عنصري شوفيني بغيض ما زال حبيس ماضٍ هُم أول صانعيه وآخر والمستفيدين منه. وبحسب ما ورد على لسان, سليط اللسان محمود عثمان الغني جدا عن التعريف, فان هذه المقترحات, التي هي شروط تعجيزية لا يقبلها حتى ميّت ضمير وفاقد شرف ورجولة كنوري المالكي, سوف تحلّ معضلة تشكيل الحكومة الجديدة في العراق الجديد, وتساهم في إنجاح العملية السياسية. لكن تلك الشروط, وهي بحدود العشرين, تبيّن بوضوح أن الأحزاب الكردية, وتحديدا حزبي العميلين مسعود وجلال, ما زالت تمارس دورها التخريبي التآمري كقوة معارضة, والمثل الشعبي يقول"لا الكحبة توب ولا الماي يروب"رغم تواجدهما الدائم في بغداد وحصولهما على أكثر من منصب ووظيفة كبيرة في عراقهم الفيدرالي الجديد. من البديهي في العمل السياسي والممارسة الديمقراطية, والعراق الجديد بعيد كل البعد عنهما, أنه يحقّ لأي طرف أن يقدّم مقترحات ومبادرات وحلول بل وحتى شروط. ولكن ليس دون مقابل. فلماذا يحقّ للأكراد, هل لأنهم أكراد فقط؟ أن يحصلوا على ما يريدون ويشترطون كما يحلوا لهم ويأمرون وينهون دون أن يعطوا بالمقابل شيئا ما لغيرهم؟ فعلى سببيل المثال, يُطالب الأكراد"بتسليح وتجهيز وتمويل ما يُسمى للنتكة بحرس الاقليم - البيشمركة الكردية - وإعتبارها ضمن منضومة الدفاع الوطني ..ألخ". لكن بربّّكم هل سمعتم أن البيشمركة"الصناديد" أطلقوا في يوم ما رصاصة واحدة, ولو في الهواء الطلق, دفاعا عن حدود الاقليم التي تدكّها يوميا المدفعية الايرانية والتركية مسببة تهجير وتشريد المئات من العوائل الكردية؟ وهل سمعتم أن واحدا من عناصر البيشمركة "البواسل" قُتل أو مات, وهذه واحدة من أمنياتي, دفاعا عن تراب الوطن المزعوم. أم أن بناقهم وأحقادهم ومؤامراتهم كلّها مصوّبة نحو صدور العراقيين؟ ومع هذا, بل وأكثر من هذا, يريدنا المتصهين مسعود البرزاني أن نسلّحهم ونجهّزهم ونموّلهم من ميزانية الدولة حتى يصبح سفك دمنا حلالا عليهم وفي أول لحظة خصام أو إختلاف أو زعل. إن المتعارف عليه في الدنيا هو أن الخلافات, سواء كانت بين أفراد أو كتل وأحزاب سياسية أو حتى بين دول, تدور عادة حول ثلاث أو أربع نقاط جوهرية ويُترك الباقي الى المستقبل والى تطوّر الأحداث لاحقا. لكن الأحزاب الكردية العميلة, التي تؤمن إيمانا أعمى بنظرية"كلّ شيء لنا أو لا شيء" قدّمت حوالي عشرين مطلبا"إقتراحا"جميعها مهمّة وملحّة بالنسبة لهم ومحدّدة بسقف زمني. وكل واحد منها تعجيزي ومُبالغ فيه الى حدّ الهوس والهراء واللامعقول. فهم مثلا يُطالبون بان تُعتبر الحكومة"مستقيلة تلقائيا إذا إنسحب منها الأكراد". وهذا يعني أنهم لا يسمحون للحكومة بالبحث عن حلفاء آخرين, كما يحصل في جميع دول العالم. ثم أنهم لا يقولون شيئا فيما إذا إنسحبت من الحكومة كتلة أخرى غبرهم. هل تبقى الحكومة في مكانها أو لا؟ لا يشك إبن أنثى, حتى وإن كان مغفلا وبليدا وعميلا أصيلا, بان حزبي مسعود البرزاني وجلال الطلباني, اللذان يعترفان بالعراق وطنا لهما فقط من أجل مصالحمها العنصرية الضيقة جدا, يحاولان وضع مختلف العراقيل, كما دأبوا منذ عقود, امام أية حكومة مركزية في بغداد مستغلّين, كعادتهم المزمنة, الظروف الاستثنائية الشاذة التي يمرّ بها العراق منذ إحتلاله وحتى هذه اللحظة. لأن إستقرار العراق وتعافيه من جراحه وآلامه ووقوفه على قدميه من جديد ليس من مصلحتهما أبدا حتى وإن حلفوا بعكس ذلك برأس الامام العباس أبو راس الحار. ومن نافلة القول إن العراق, منذ ثمانية عقود, أي منذ تأسيس حزب عائلة البرزاني, وهو ينزف دما من جهة الشمال. وقد ذهبت أدراج الرياح جميع محاولات الحكومات العراقية المركزية مع حزبي مسعود وجلال. وكانت معظم هذه المحاولات والمبادرات والحلول والمشاريع, فيما يخص"القضية الكردية"على مستوى عالٍ من المسؤولية والأهميّة والانصاف, خصوصا في ظل النظام الوطني السابق حيث كان الأكراد, وخلافا لبقية العراقيين, يتمتّعون بحقوق مضاعفة دون أن تكون لديهم, أزاء الوطن والشعب والدولة, واجبات تستحقّ الذكر. واليوم, عندما يتقدّم ما يُسمى بالتحالف الكردستاني بعشرين مطلبا تعجيزيا, زاعمين أنها تساهم في حلّ معضلة العراق الجديد, فانهم يؤكّدون للمرّة ألألف وبشكل لا يقبل الشك أو النفي أنهم سائرون على نفس النهج التآمري الذي رسمه لهم أسيادهم وأرباب نعمتهم الأمريكان والصهاينة منذ عقود, والهادف الى إضعاف العراق وتهميش بل إلغاء دوره الأقليمي والدولي وتفكيك ما أمكن أواصر الأخوة والتآلف والمحبة بين أبنائه وتحويلهم الى غرباء ولاجئين داخل وطنهم, وهو ما حاصل اليوم فعلا في ظل حكّامه الجُدد, حتى يتسنى لمسعود البرزاني وعائلته, ومن خلفهم كل عدو حاقد وأجنبي طامع, التمدّد شرقا وغربا وجنوبا على جسد عراق جريح مقطّع الأوصال . mkhalaf@alice.it