ما إن وصل السفير الإيراني الجديد إلى بغداد، حتى عقد مؤتمره الصحافي الأول والذي كان بمثابة ما يمكن أن نطلق عليه البيان رقم واحد، حيث جاء مؤتمر السفير الإيراني الجديد محمّلاً بعبارات الوعيد والتهديد، ولمن؟ للساسة العراقيين الذين يتّهمون إيران بالتدخل السلبي في العراق. وقبل أن نستعرض ما جاء في بيان السفير الإيراني الجديد، لا بأس في إلقاء بعض الضوء على سيرته، فذلك سوف يساعد كثيراً في فهم الدور الإيراني الجديد في عراق ما بعد الانسحاب الأميركي. تشير المصادر العراقية والإيرانية إلى أن السفير الإيراني الجديد حسن دنائي، هو من مواليد بغداد عام 1962، وكان نائباً لقائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني، عندما كان يتولى قيادتها علي شمخاني، والسفير الجديد، تعرض للترحيل من قِبَل النظام العراقي السابق إبّان الحرب العراقية-الإيرانية بسبب أصوله الإيرانية، ليعمل بعد ذلك مع المعارضة العراقية وتحديداً مع فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية -هكذا كان اسمه- والسفير الجديد يتقن اللغتين العربية والكردية، ويرتبط بعلاقات قوية مع عدد من الساسة العراقيين، وله موقف مناهض للأكراد العراقيين بسبب دعواتهم الانفصالية، كما تشير تلك المصادر. السفير الإيراني الجديد أثار ضجّة منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى بغداد؛ حيث استقبله الرئيس العراقي جلال الطالباني، متمنياً له أن "يكون خير خلف لخير سلف" وهو التصريح الذي أزعج العديد من الساسة العراقيين، من أصحاب المواقف المناهضة لإيران، الذين رفضوا تلك التصريحات التي قال عنها البعض إنها تفتقر إلى الدبلوماسية في استقبال سفير جديد. ولم يكد يمضي الأسبوع الأول لتسلّم السفير الإيراني الجديد مهامه في بغداد حتى أصدر بيانه شديد اللهجة ضد الساسة العراقيين الرافضين للدور السلبي الذي تمارسه إيران في العراق، متوعداً هؤلاء بالملاحقة القانونية، وهو الأمر الذي يعرف جيداً ساسة العراق ممّن لهم تماسّ مباشر مع أجندات إيران، ماذا يعني. الغريب أن إيران منذ اليوم الأول لاحتلال العراق، تسمع بشكل يكاد يكون يومياً، من يتحدث عن تدخلها السلبي في العراق وشؤون العراق، ولم نسمع يوماً من الأيام أن إيران معنية كثيراً بالردّ على هؤلاء، بل إن كثيراً من ساسة العراق كانوا يتحدثون بصورة علنية عن الدور السلبي لإيران في العراق خلال لقاءاتهم مسؤولين إيرانيين، وهنا أضرب مثلاً بنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، ومع ذلك لم نسمع أنّ سفير إيران أو حتى حكومة طهران منزعجة من تصريحات كهذه، فلماذا السفير دنائي يهدد ويتوعد مناوئي سياسة بلاده بالملاحقات القضائية وهو الذي لم يمض على وجوده في بغداد سوى أسبوع واحد فقط؟. لقد كانت لغة السفير الإيراني الجديد في بغداد تفتقر لأيّ نوع من الدبلوماسية، فقد كان يتحدث بعصبية، وراح يشير بيديه بطريقة مسرحية، يبدو أنه قد تدرّب عليها طويلاً في دوائر المخابرات الإيرانية، ناهيك عن أن السفير الجديد طرح مرّة أخرى مسألة التعويضات التي تطالب بها إيران عن حرب الـ8 سنوات مع العراق، ناسياً أنه يمثّل دبلوماسية بلاده في العراق ومن ثَمَّ فعليه أن يختار عباراته بدقّة وهو يتحدث أمام الصحافيين. ذلك كلّه لم يكن موجوداً في مؤتمر السفير الإيراني الجديد، بل كان عبارة عن تحذيرات وتلويحات بالمحاكم ومطالبات بتعويضات مليارية على العراق، فهل يُعقل أن يكون السفير الإيراني الجديد لا يفقه في أصول الدبلوماسية؟ تدرك إيران جيداً أن أصول اللعبة في العراق بدأت تتغير، وأن اللغة الهادئة في الحوار مع حلفائهم في بغداد لم تعد نافعة، وبالتالي كان لا بدّ لطهران الاستعانة بجنرال تخرَّج في أقبية الحرس الثوري ومن تحت طاولات الإشراف على العملاء في بغداد ليقوم بـ "المهمّة الدبلوماسية" الأصعب ربما في صراع إيران مع الولايات المتحدة الأميركية. السفير الجديد أغضب الجميع، حتى حلفاء طهران من الشيعة، الذين وصفوا تصريحات دنائي بأنها كانت غير لائقة دبلوماسياً، وتحدّث وكأنه في أحد "بازارات طهران" كما وصفه عزت الشابندر القيادي في ائتلاف نوري المالكي رئيس الوزراء المنتهية ولايته. سياسة إيران في العراق اليوم باتت مفضوحة، وبات الجميع يتحدث عن الدور الإيراني السلبي، حتى جاءت نتائج الاستطلاع الأخير الذي نشره مركز الشرق في العراق لتؤكد أن العراقيين يعرفون أكثر من غيرهم من يعطّل تشكيل الحكومة، فالأغلبية أشارت لإيران. البيان الإيراني الجديد في العراق يعبّر عن تفاقم ليس في أزمة النظام الداخلية مع العالم بسبب الملف النووي، وإنما أيضاً بسبب خروج بعض حلفاء طهران في بغداد عن الخطّ المرسوم لهم، ومن هنا جاءت تهديدات دنائي لتقول لهم وبصوت عالٍ ومسموع: "نحن هنا".