لقد أيقن حكام العراق الجديد أن نهايتهم السياسية, بعد سلسلة طويلة ومركّبة من الفشل والأفلاس وسوء الادارة والحكم, قد أقتربت سواءا على يد أسيادهم المباشرين, كأمريكا وجارة السوء إيران, أم على يد مجلس الأمن الدولي باعتبار أن العراق, رغم مرور سبع سنوات على "تحريره"المزعوم ما زال خاضعا للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. إضافة الى ذلك أن الشعب العراقي, بعد أن فقدَ كلَّ ثقة بهم, أهملهم كليّا وتركهم في عزلة تامّة. كما أن سياسة وزير الخارجية"العراقي"الكردي هوشيار زيباري"صريع الغواني"فشلت هي الأخرى فشلا ذريعا في الخروج ولو سنتيمترا واحدا من نفق البند السابع الذي فُرض ظلما وعدوانا وإنتقاما على العراق وشعبه. واليوم يزعق وينهق ويعوي ويولول ساسة المنطقة الخضراء رافضين تدخّلات"الخارج" في تشكيل الحكومة الجديدة معتبرين ذلك تدخّلا "سافرا"في شؤون العراق الداخلية وتجاوزا على سيادته. يا سبحان الله! غير أن هؤلاء الحثالات يتناسون, لأن نكران الجميل هو أهم ميزاتهم, أن وجودهم في دهاليز المنطقة الخضراء ومناصبهم ورواتبهم وقصورهم التي ينعمون ويترفّهون بها هي أصلا من فضائل ومكارم "الخارج"عليهم سواءا كان أمريكيا أم إيرانيا أم صهيونيا. ولولا سطوة وسلطة وهيمنة هذا "الخارج" لما بقيَ قردٌ واحد من قردة العملية السياسية في موقعه الحالي ومنصبه العالي. والمثير للضحك أيضا هو أن"قادة"العراق الجديد, المُصابون بعمى الألوان السياسي, لا يعتبرون قوات الاحتلال الأمريكي التي يعيشون معها لحظة بلحظة وكلابها المغرمة بشمّ رائحتهم الكريهة صباح مساء تدخّلا خارجيا, بل أنهم أخوة أعزاء وأصدقاء أوفياء. وحتى تدخلات سفير جارة السوء إيران الفضّة والعصابات والميليشيات المجرمة التابعة له لا تعتبر تدخّلا في شؤون العراق الداخلية. لأن هؤلاء من ذوى القربى. والأقربون أولى بالمعروف ! لكن يبدو أن الحقيقة الغائبة, وهي ليست الوحيدة طبعا, عن أذهان وأدمغة ساسة بغداد المحتلّة هو أن لا علاقة لهم بالمرّة بما يُسمى بشؤون العراق الداخلية. لأن وجودهم في السلطة اللاسلطة هو مجرد وجود ديكوري دعائي تمّ تصميمه وتنفيذه بعناية فائقة من قبل أمريكا وإيران والكيان الصهيوني, شأنه شأن البوسترات والاعلانات الضخمة التي تزيّن مداخل وأعالي المحال التجارية الكبرى. وكأي عمل دعائي مكلّف تقف خلفه أهداف ومصالح وغايات. فهو بالتالي مدفوع الثمن على شكل مناصب ومكاسب ووظائف مهمّة وإمتيازات لا تُعد ولا تُحصى وحياة باذخة مترفة. وجميعها بطبيعة الحال من أموال الشعب العراقي المسلوبة. ثمّ كيف يكون لمجلس الأمن الدولي دورا إيجابيا محايدا في مراجعة"أوضاع وظروف العراق" في الوقت الذي كان وما زال هذا المجلس الغير موقّر شريكا أساسيا في جريمة إحتلال وغزو العراق وتدميره وقتل وتشريد مئات الالاف من أبناء شعبه؟ بل أن المجلس الأممي هذا لم يتوقّف عند حدّ الشراكة في الجريمة بل تحوّل بكامل أعضائه الى أداة طيّعة بيد قوات الاحتلال الأمريكي وشرّع وصادق وتبنّى كل ما تنج وخرج من رحم هذا الاحتلال من قذارات وتشوّهات بما فيها"العملية السياسية"البائسة وأبطالها الفاقدي الارادة والقرار والنزاهة والشرف. لقد جنّد ساسة العراق الجديد, خصوصا قبل غزو العراق, كل طاقاتهم وأحقادهم وما ملكت أيديهم من معلومات زائفة ومفبركة ومشوّهة ووضعوها في خدمة أسيادهم الغزاة. ومن أجل أن تصنع منهم أمريكا وبريطانيا"شيئا ما"يستحقّ الاهتمام والنظر باعوا ضمائرهم وشرفهم والقلّة القليلة التي كانت لديهم من المروؤة والشرف دون أن يخطرعلى بالهم موضوع التدخّل في الشؤون الداخلية للعراق. وكانت أطنان الأحقاد والضغائن ورغبة الانتفام لديهم ولدى أسيادهم الأمريكان والمجوس الايرانيين والصهاينة, وخلفها المصالح والأطماع التاريخية, تُبرّر وتبيح لهم غزو وتدمير وتفكيك العراق وقتل وسجن وتشريد شعبه. وما زال الكثير منهم مستمرا في نفس المهمّة والدور الاجرامي الذي لم يعرف دورا سواه, بعد أن إرتبط مع "الخارج" القريب والبعيد بحلف شيطاني مدمّر غايته نهب وسلب ثروات العراق وخيراته وإفراغه من أبنائه الشرفاء وإلحاقه وضمّه كمحميّة أو ولاية تابعة للخارج الذي يشتكون ظاهريا ويتذمّرون اليوم من تدخّلاته. mkhalaf@alice.it