يبدو أن البعض راح يراهن على أستغفالنا , أو يحاول محو الذاكرة العراقية التي لازالت فيها الحوادث طرية , كي يخلط الاوراق تمهيدا للدخول الى مزاد المناصب الحكومية , والتحالفات الفاشلة التي راج سوقها في العراق هذه الايام , مرتدين جلابيب الزهد والتواضع الذي يلوح من وراءه حقيقة أخرى مختلفة تماما عما يدعون ويعملون , لذلك لاغرابة أن نسمع اليوم اصوات تلهج بالوطنية وتدعو لسيادة قيم الفضيلة والشرف , ولازالت في أعناقهم حرمة دماء بريئة أهدرت وثروات عامة نهبت , وأعراض محصنة أنتهكت , ووطن كانت خريطته الجغرافية والسياسية والاجتماعية موحدة فمرقت . أنه تعطش لاأخلاقي الى ولوج كل مسارات الانتهازية التي أبتدأت لديهم منذ أن باعوا الوطن والمواطن , وسطروا التقارير الملوثة بالزيف والعار كي يعطوا الذريعة الكاذبة لدول ضالة كي تغزوا بلادهم , وتهدم صروح بنيت من قبل الاف الاجيال , في سبيل أن يتربعوا على عرش السلطة التي مسكوا بتلابيبها منذ سبع سنوات , ومازال يقطر من جوانبها دماء الابرياء , ويستغيث من جورها ملايين العراقيين . وأذا كان المشهد مضحكا حقا ونحن نرى أقطاب العملية السياسية قد تبادلوا المواقع , وأنتقل البعض منهم من أقصى اليمين الى أقصى اليسار , وطلق البعض حلفاء الامس محليين أو أقليمين أو دوليين ليرتمي في أحضان أعداء الامس , أو يهدد أحدهم بكشف كل أسرار العملية السياسية , ويعيب الدور الايراني فيها كما فعل مستشار الامن القومي موفق الربيعي , منزها نفسه عن كل فعل , فأن المضحك أكثر هو أن يتخفى السيد مقتدى الصدر تحت غبار معركة تشكيل الحكومة العتيدة , متخذا منها سترا له يغطي به أفعال ( جيشه) التي ندى لها الجبين , والتي خلفت مشاهد مروعة فاقت مافعله هولاكو , ليخرج علينا الان بمواقف وكلمات معسولة يزايد بها على الوطنيين في وطنيتهم , ويضع خطوطه الحمر على هذا وذاك من أبناء العراق كيفما يشاء , وكأن العراق ملك له يديره من قم أو من طهران , ومتوهما بأن وجوده في سورية أو أستقباله من قبل القادة الاتراك قد صنع منه قائدا مبجلا , أو أن مصافحته أياد علاوي ولقائه به قد أسبغ عليه هالة البراءة من الدم العراقي الطهور . لقد أختط السيد مقتدى الصدر طريقا سياسيا مزدوجا له من البداية , فترك حيرة كبرى في تحديد موقفه من الغزو والاحتلال والعملية السياسية . فمن جهة يضع كل طاقاته ضد الوجود الامريكي ويدعو أتباعه الى المقاومة المسلحة , ثم يظهر أتباعه وهم يبيعون أسلحتهم الى المحتل مقابل بضع دولارات في صفقة تمت بينهم وبين الامريكان بعد محاصرتهم في النجف وبغداد ومناطق أخرى . ثم يدعم المقاومة المسلحة في الفلوجة ويمدهم بالرجال ويدعو للتحالف مع من يسميهم ( أحبائه السنة ) في مقاومتهم للمحتل , ليعود فينقلب على كل ذلك فتتوجه فوهات ( هاونات ) جيشه التي نصبت في مشاتل حي الحرية لتدك بيوت الناس الامنين في أحياء العدل والجامعة والغزالية والخضراء , وتقتحم عناصرة أحياء العامرية والجهاد والفضل والاعظمية وغيرها , فتقتل من تقتل وتغييب من تشاء وتبتز الناس على اساس طائفي بحت . ومن جهة أخرى يدخل في نزاع مسلح مع قوات الحكومة وحلفائه المجلس الاعلى وقوات بدر , وفي ذروة المعركة يدعو مقاتليه الى رفع المظاهر المسلحة والانسحاب من الشوارع والعودة الى منازلهم , ثم يخرج ليعلن أعتزاله وأنصرافه الى الدرس والتحصيل الفقهي ويعترف بعدم مقدرته على أخراج قوات الاحتلال , ليعود بعدها مهددا بفتح معركة طويلة حتى التحرير . أن المواقف المتناقضة التي أتخذها السيد مقتدى الصدر , أنما تؤشر الى خلل واضح في الاهداف والتوجهات وعجز تام عن فهم الواقع بصورة علمية , وقد تعطلت بسبب هذا القصور في الفهم طاقات كبيرة لشريحة أجتماعية واسعة أتخذوا من السيد مقتدى رمزا لهم , لكنه عجز عن قيادتهم وفق أهداف واضحة المعالم . وقد راهن الكثيرون على وصول هذه القيادة الى مرحلة البلوغ وترك المراهقة السياسية , لكن يبدو أن القوى الاقليمية التي يستند عليها في حركته السياسية لازالت لاتريد له ذلك , لذلك جائت تصريحاتهم على لسانه عندما أدعى بأن لديه فيتو على المحتل وعلى جماهير حزب البعث العربي لاشتراكي , فأذا كان يدعي بأنه قائد سياسي جماهيري فكيف يساوي بين المحتل وبين البعثيين الذين دفعوا من دمائهم الكثير حتى هذه اللحظة , وكيف له أن يتحدث بأسم العراقيين جميعا فيهمش هذا ويمنع ذاك من ممارسة دوره الوطني ؟ وهو الذي يشكوا ظلما قد وقع عليه وعلى أنصاره من قبل ظالم هو من رفع مقداره ووضعه على عرش السلطة بتصويته له ؟ أن الفيتو الذي يضعه السيد الصدر على حزب البعث وجماهيره ليس هو من يقرره , بل الشعب هو الذي يقرره , ولانعتقد بأن الشعب العراقي قد أوكل الى السيد الصدر القيام بهذا الدور , لان الاربعين مقعد التي حصل عليها تياره لايمكن القياس عليها في ظل الظروف غير الطبيعية التي يمر بها العراق الان , ولايمكن أن تمثل جميع أراء الشعب العراقي . وأذا كان لازال يعاني من عقد الماضي ويحاول أسقاطها على الاخرين فحري به ان يعلم جيدا بان من يقيم عندهم الان هم الذين تلطخت أيديهم بدماء والده الذي دعمته القيادة الشرعية العراقية , كي يتبوأ المرجعية العليا في النجف ليقين القيادة بأنه عربي الاصل , وأن المرجعية يجب أن تعود عربية بعد أن حاول الايرانيون السيطرة عليها وتسخيرها لخدمة منهجهم السياسي , ولانه قد تعاون مع القيادة السياسية في ذلك الوقت في هذا المجال فقد تم أغتياله من قبلهم لقطع الطريق على وصول أي عنصر عربي الى هذا المركز الديني . أن من المؤسف حقا أن يسقط السيد مقتدى الصدر في اللعبة الايرانية فيراهنون عليه ويضعون على لسانه أقوالهم , بعد أن خبى وهج حليفهم الستراتيجي السابق ( المجلس الاعلى ) وهو مايؤكده السيد جواد الخوئي , نجل أكبر مرجع في تاريخ الشيعة وهو أبو القاسم الخوئي حين يقول أن ( الدعم الذي تقدمه المؤسسات الايرانية للاحزاب الشيعية العراقية يتوقف على الظروف والوقت وطبيعة ماهو مطلوب من كل حزب , واذا سألتني من هو الاكثر قربا في الظروف الحالية لايران , فسأقول وبلا تردد هو التيار الصدري , لكونه يشغل قوة سياسية مرحلية قد تستفيد منها أيران ) كما أن القيادي في المجلس الاسلامي الاعلى رضا جواد تقي يقول أن ( من نستطيع تسميته بالفتى المدلل لدى أيران اليوم هو التيار الصدري ) , وعلى هذا الاساس جرت دعوة السيد مقتدى الصدر الى تركيا سابقا والى سوريا لاحقا لكونه يمثل الدور الايراني الجديد في العراق , وكذلك جرت دعوة السيد أياد علاوي كونه يمثل الرغبة الامريكية والغربية في العراق , فكان لقائهم المشترك في دمشق هو محاولة لفك شفرة الخلاف بين ايران وأمريكا من خلال التقريب بينهم , ودعم أحدهم للاخر في تشكيل حكومة يتم التوافق عليها بين القوتين الدولية والاقليمية تمهيدا لحلحلة ملفات أخرى بين الطرفين . أن من يدعي تصديه لتحرير الوطن , ورأب الصدع الذي أصاب نسيجه الاجتماعي , وطموحه في تحقيق حياة حرة كريمة لابنائه , عليه أن يتخلى عن أحقاده الماضية وأن لاينصب نفسه حاكما ظالما يقبل هذا ويمنع ذاك , لان القبول والرفض ليس بيد من هب ودب , بل أن الشعب هو الحكم العادل , وعليه قبل كل شيء أن ينقد نفسه ويستنكر أفعاله قبل أن يضع الحد على الاخرين , فالوطن ليس ملكا لاحد بل هو ملك الجميع .