من أهم الاستنتاجات التي يمكن للمرء التوّصل إليها ، وهي قابلة للأخذ والرد ، تقول بأن الانقسام الكبير اليوم ، كما هو حاصل ، إنما يكمن بين العراق كوطن أو : مجموعة أوطان ) من جهة وبين العراقيين شعبا ( أو : كومة شعوب ) من جهات أخرى .. إن العراق لم تسحقه قرارات النظام السياسي أو الحزبي كما يروج لها أذناب المحتل ، بل تسحقه اليوم أجندات أجهزة إقليمية ودولية من خلال استخدام أوراق لم يكن يعرفها العراقيون يوما فالنعرات الاجتماعية ، والنزعات الطائفية ، والعرقية والشوفينية ، والانفصالية هذه جميعا اجتمعت كي تجهز على ماكان العراق قبل الاحتلال من دور مؤثر على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية وما يملكه من قوة يحسب لها مليون حساب هذه جميعا خلقت منها ركاما من الكراهية والحقد الأصفر لهذه الجهات التي جاءت مع الدبابات الأمريكية ، لقد علمتنا كل التجارب المتحضرة والإنسانية.. لماذا كّل هذه الحرب الباردة اليوم من اجل التقاطع على ارض ( عراقية ) هنا في شمال الوطن وهناك في البصرة أو هناك في....؟ لا يمكن القول ـ مثلا ـ إقليم كيبك غير كندي ، فكل أقاليم كندا هي كندية ، وهكذا بالنسبة لكل التجارب الفيدرالية في العالم ، فالحكومة الفيدرالية بيدها صنع القرارات السياسية قاطبة ، وحكومات الأقاليم بيدها صنع القرارات الإدارية ، أما حكومات المدن ، فهي خدمية أساسا ولا علاقة لها بالسياسة إلا لما تريده الحكومة الفيدرالية . اعتقد أن كل عراقي له الحق أن يستوطن ويعمل في أي ارض من وطنه ، لآن العراق لم يكن يوما عبر تاريخه الأزلي منقسم إلى مقاطعات أو شكل منعزل فكيف يكون إذن دولة اتحادية أو ما تسمى فيدرالية .؟.لان الفيدرالية تأتي من اتفاق ولايات لتكون دولة اتحادية كما هي الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا إلا إن العراق لم يكن هكذا لأنه عراق موحد وسيبقى هكذا وهذا قدره ، وليس كما يحدث في شمال الوطن الذين ظنوا هؤلاء الشوفينيين من عصابات لا أصل لها ولا جذور واهمة على العمل في سياسة تفتيت العراق (خسؤ وخاب ظنهم..)، إذ نشرذم أنفسنا هنا ونحن نتسمّى بعراقيين ! إن العراقيين اليوم جميعا بحاجة إلى الوعي بما هو حاصل في تجارب أخرى في العالم ، قبل أن يتنازعوا وتفشل ريحهم جميعا ، فتأكلهم أحلام الفرس .. ولكنني أسأل: هل كان العراقيون يدركون ما الذي تضمنّه دستور المحتل الجديد من بنود خطيرة ومتهرئة عندما بصموا عليه في العام 2005 .. وعندما اعترضنا علىيه ، قامت الدنيا ولم تقعد ! السؤال الآن : هل يتملكنا وعي قائل : إننا كعراقيين ، هل سنكون يوما أو لا نكون ؟ من المهم أن يدرك كل العراقيين ، إن كل العالم يعلم أن مفاتيح العراق كلها بيد الكبار الجدد مع وجود المحتل وماكنته الحربية والإعلامية ولكن بشكل مؤقت. فهل يعقل أن يصبح الشعب العراقي هو الجاني مع إن هو مجني عليه ؟ إذن ماهو المطلوب......؟ إن العراقيين يجب أن ينسجموا، ويتفاهموا ، ويتفاعلوا ويتلاقوا وطنيا ، ومبدئيا لا مصلحيا .. وعليهم التحرك نحو المستقبل بلا أية انقسامات ، ويعيدوا التفكير ثانية في مسيرتهم السياسية على ضوء مشروع وطني كان قد بدأ به الشهيد صدام حسين منذ 1968، ويتفقّوا على قواسم مشتركة ، لا يمكنها أن تتحقق أبدا إلا وهم على أرضية واحدة صلبة كما كانوا .. وعلى كل العراقيين بكل أطيافهم أن يعيدوا التفكير بالرحلة التي بدأت على أسس خاطئة منذ أن داست أول قدم أمريكي غازي لأرض العراق المقدس .. ويصححوا خطواتهم على نحو وطني من خلال النظر إلى ابعد مدى.. وعلى كل الأطراف العراقية أن تعلن عن أهدافها الحقيقية ما دامت هناك ثمة شراكة وطنية ومصير واحد .. فان كان تحقيقها يمر من خلال أجندة ومناورات سياسية فإنها ستموت ، وان كانت موحّدة في مشروع حضاري عراقي مقاوم .. فسيعيد العراق دوره التاريخي مع توالي الأيام ، وسيجد الجميع فرصتهم المتساوية.. المنسجمة والمواكبة مع روح العصر ، أو سيحصل ماكان يسمى الكارثة وهو تفتيت العراق لزمن طويل حتى يستعيد روحه من جديد بعد عشرات السنين ، كما جرى على امتداد التاريخ .فهل سنكون بمستوى التحدي الذي يحصل والقادم.....؟