شعار البعث : أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ماذا يعني وما هي الرسالة الخالدة؟ قد يكون الشطر الأول من شعار حزب واضحا لا يحتاج إلى شرح كبير، لكن رسالة الأمة وطليعتها الثورية المؤمنة بالله وكتبه ورسله كثير من العرب يسألون ماذا يعني بها البعث، ولذلك قررت أن اكتب في هذا، بمعنى الرسالة الخالدة، الأمة العربية ومسؤوليتها الربانية باختيارها أن تكون حاملة رسالات السماء للعالمين، وايمانها بحقها بالوحدة والتحرر والحياة الكريمة وبتحمل دورها الرسالي الإنساني العظيم في الحياة البشرية، وأن تكون أمة المثل والقيم ونموذج في فعلها وعلاقاتها مع كل الامم كي تكون بحق أمة الخير والهدى، والداعية لقيم السماء الرفيعة، القائمة على المحبة والسلام والفضيلة والتسامح والحوار بالحسنى، فامة عربية واحدة هي دعوة وتأكيد لوحدة الأمة التي يجاهد الشعب العربي كله لأجل تحقيقها والبعثيون في مقدمته إحدى الطلائع الثورية المؤمنة بذلك الهدف العظيم الوحدة العربية، أما الشطر الثاني فهو ذات رسالة خالدة هذا ما لم يتضح للكثير من ابناء العروبة بكل أديانهم واخوانهم ممن يعيشوا مواطنين شركاء للعرب في الوطن العربي من القوميات والأقليات الاخرى، كالاكراد والبلوش والتركمان والارمن والأفارقة من كل بلدان افريقيا غير العربية، وغيرهم ممن جاءوا للوطن العربي واندمجوا مع العرب، وصاروا جزءا من النسيج القومي، مع احتفاظهم بانتماءاتهم وثقافاتهم القومية، واحترام العرب لخصوصياتهم الثقافية والقومية ضمن وحدة الشعب والوطن. فالبعث العربي يناهض العنصرية والتعصب العرقي واستغلال أمة لأمة ويعتبرها أعمالا عدوانية ضد البشرية، ومناهضة للانسانية التي هي واحدة من خصوصيات الأمة العربية التي اختارها الله لتكون حاضن كل رسالات السماء التي هي بدورها تناهض العنصرية والتعصب العرقي والاستغلال والعدوان، والاسلام يمثل الصورة الكاملة لرسالات السماء جميعا. فقد جاء مصدقا لما قبله ومهيمنا عليه وفق نصوص القرآن الكريم، فهو الكتاب الخاتم الذي نزله الله عز وجل لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل والانبياء، ليبشر العالمين بالتوحيد وعبادة الله وحده، ويدعوهم للفضيلة والخير ومكارم الأخلاق، ويعلمهم شرائع السماء والقيم السامية في العلاقات بين البشر افرادا وشعوبا، وينذرهم من غضب الله ، ويحذرهم من البغي والفحشاء والمنكر والعدوان، وينهاهم عن كل معصية ورذيلة. هذه الرسالات التي كلف الله الأمة العربية بحملها وجعل الأمة حاضنها جميعا وأصطفى منها الأنباء والرسل والمصلحين هي رسالة الأمة الخالدة، ومن خلال فهم واع مؤمن بالله وكتبه ورسله، كان مؤسس البعث أحمد ميشيل عفلق وبالتالي حزب البعث العربي الاشتراكي أعتبر الاسلام رسالة الأمة الخالدة، وأكد على عموم العرب والبعثيين بالأخص أن يفهموا الاسلام وتفاصيله وان كانوا ليسوا مسلمين، بل اعتبر البعثي الذي لم يفهم الاسلام كثورة روحية واجتماعية لا يمكن أن يفهم عروبته، وهذه ليست دعوة لأن يكون كل بعثي مسلم ولا أن يكون كل عربي مسلم، ولكن الاساس أن يفهم الاسلام بقيمه واحكامه، كون الاسلام يمثل روح العروبة وحصنها الحصين، وهو السبب الرئيسي لعدم اعلان القائد المؤسس اعتناقه الاسلام الذي كان مبكرا منذ ادراكه حقيقة الاسلام وترابط العروبة والاسلام، خشية أن يفهم البعثيين العرب من غير المسلمين أن البعث حزب ديني اسلامي، وهذا هو السبب العميق لتبني البعث العلمانية في عمله ونظامه السياسي، ولكنه ينهل فكريا وعقائديا وتشريعا من منهل رسالات السماء الذي يمثل الاسلام اتمها واكملها. عند قيام الثورة العراقية عام 1941 والتي عرفت بثورة رشيد عالي الكيلاني، والتي صادفت مع تشكيل أول خلايا البعث العربي التنظيمية باسم جمعية الاحياء العربي، وفي حينها صدر بلاغ لكل البعثيين المنظمين بتنظيمه في ذلك الزمن وكانوا لايتجاوزون العشرات بالتطوع لنصرة العراق وثورته، وأصدرت قيادة الحزب في حينه دعوة لكل الشباب العربي للانخراط في منظمة نصرة العراق ودعا أئمة المساجد ومدراء المدارس لدعوة الشباب العربي في القطر السوري لحث ودعوتهم للجهاد، وجعل دعاء المتطوعين في منظمة نصرة العراق (اللهم أنت الذي أردت أن يكون العرب أمة قوية هادية تحمل الى العالم رسالتك، نريد اليوم أن تعود اليهم وحدتهم وقوتهم ليؤدوا هذه الرسالة من جديد. اللهم هب لي قوة الايمان، وصفاء الفكر، وصلابة الإرادة لأكون جنديا نافعا في الجهاد الذي يقوم به العراق من أجل وحدة العرب) في سبيل البعث جـ3/1976/(التراث عزز صمود الأمة وأعطى للثورة العربية مستةاها العالمي). مفردات هذا الدعاء الذي وضعته قيادة الحزب منذ الفترة التبشيرية أو التأسيسية توضح معنى الرسالة الخالدة التي يعنيها الحزب في شعاره، أنها الدين ورسالة الاسلام وما الجهاد الا احدى مفردات التشريع الاسلامي العظيم. وفي معنى الرسالة أشار القائد المؤسس لذلك بقوله: (الرسالة العربية: ايمان قبل كل شيء، ولا يعيبها هذا أو ينقص من قدرها، فالحقيقة العميقة الراهنة، هي أن الايمان يسبق المعرفة الواضحة .. أما الرسالة الخالدة، فالقصد منها أن هذه الأمة لا تعترف بواقعها السيئ، وموقفها المنفعل، ولا تتنازل عن مرتبتها بين الأمم، بل تصر على أنها لا تزال هي هي في جوهرها، تلك الأمة التي بلغت في أزمان متعددة مختلفة من التاريخ درجة تبليغ رسالتها، فهي اذن بصلتها ببعضها وبماضيها لا تزال واحدة، ولا تزال فيها الكفاءة لاسترجاع تلك المرتبة التي فقدتها مؤقتا)، في سبيل البعث/ ط دار الطليعة/ بيروت 1974(الرسالة العربية الخالدة). ان المعنى واضح صريح فيما يعنيه القائد المؤسس في رسالة الأمة والتي قامت بتبليغها وهو يعني الاسلام العظيم. وفي دستور الحزب الذي صدر عن المؤتمر التأسيسي عام 1947، فقد نص (الأمة العربية ذات رسالة خالدة، تظهر بأشكال متجددة متكاملة، في مراحل التاريخ، وترمي الى تجديد القيم الانسانية، وحفز التقدم البشري، وتنمية الانسجام والتعاون بين الأمم)،دستور الحزب. وهذا يوضح المعنى الكامل لرسالة الأمة العربية الخالدة، انها رسالات السماء التي تظهر على مراحل من الزمن، ويريد الله بها اصلاح البشر وتجديد القيم بعد أن حل في تلك الفترات انحراف عن القيم العظيمة التي علمها الله للانسان، فازل الناس الشيطان والمفسدين والطامعين والكافرين، فيبعث الله فيهم الرسل وينول الكتب والأيات لاصلاح البشرية، فيكون منطلق ومهد تلك الرسالات ارض العرب، ورسل وانبياء الله من أمة العرب، وجندها والمبلغين والدعات هم العرب. هذا التميز في الأمة العربية كونها أمة رسالة، وتلك العلاقة بينها وبين الدين ،هي التي طوعت لها في الماضي وسائل النصر والنجاح، وأنها هي سبيلها لتحقيق البعث الجديدلتواصل مسيرتها الانسانية القديمة والسابقة، فيقول (طلب العرب السماء فملكوا الارض، فلما اقتصروا على طلب الأرض، اضاعوها والسماء معا، لا يسيطر العرب على حياتهم حتى يؤمنوا بالخلود، ولا تعود اليهم ملكية أرضهم حتى يؤمنوا بالجنة من جديد)، في حديثه لمجلة آفاق عربية/ العراق /عام 1976، وهنا الامر أكثر وضوحا، فالقائد المؤسس أحمد يوسف عفلق رحمه الله يؤكد: ان العرب أمة رسالة هي الدين، فعندما يطلبوا السماء يعني جزاء الله ورضاه والتزام الايمان والعبودية الحقة له (يطلبوا السماء) فان ذلك يمكنهم ويدعمهم في أن يملكوا الارض، ولكن عندما يضعف ايمانهم ويتخلوا عن واجبهم الرسالي الرباني يضيعوا الأرض والسماء معا، وأن الوازع الديني الايماني هو الأكثر قدرة على تفجير طاقاتهم والجهاد هو سبيلهم لذلك، فهم حققوا اعجازات لا سابقة لها ووصلوا الى مشارف الصين واواسط اوربا وافريقيا للجهاد في سبيل الله الذي يضمن لهم الوجود، حيث يبلغنا القرآن (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)، وهذا الذي يفسر الرسالة الخالدة بوضوح انها الدين وهو عند الله الاسلام. والبعث العربي نأى بنفسه عن الاحزاب السياسية الموجودة في الساحة كما نأى عن كونه حزبا من بين الاحزاب الاشتراكية التي ظهرت على الساحة العربية متأثرة بالفكر الشيوعي الذي تحكم بالفكر التقدمي الاشتراكي الى حد الاضطهاد والتبعية في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين حيث طغت الماركسية اللينينية على الفكري الاشتراكي واعتبرت هي المرجعية الوحيدة له، ووضحت منذ مرحلة التكوين الاولى أنه حزب قومي ايماني اشتراكي تقدمي انساني يناهض العنصرية والفاشية والاستعمار والبغي ولكنة ليس حزبا دينيا ولا حزبا شيوعيا، أنه حزي عربي اشتراكي يستلهم فكره ومبادئه وبرنامجه النضالي من ارث العرب العظيم الدين واعلاه الاسلام، فيقول الرفيق القائد المؤسس (لم ينشأ الحزب ليضيف حزبا سياسيا الى بقية الاحزاب العربية، ولا حتى ليضيف حزبا اشتراكيا الى بقية الاحزاب الاشتراكية العربية وغير العربية، انما استهوته نظرة كلية الى الحياة والى التاريخ، والى مصير الانسانية، لم يخترعها .. وانما جاءت غيضا من فيض تراثنا العظيم) في سبيل البعث ج3/(التراث عزز صمود الامة وأعطى للثورة العربية مستواها العالمي) نيسان 1976. وفي مقال اخر يربط رسالة الأمة الخالدة بالتراث الروحي لها(الدين) فيقول: (ان الحضارة العربية الجديدة، ستكون مختلفة عن الحضارات التي عرفتها الانسانية .. وستكون لها قيم جديدة .. وهذا ما نسميه: الرسالة العربية. أي أنها حصيلة الرسالة الخالدة في تاريخهم، والمعاناة في عصرهم الراهن) وهذا يوضح القصد وهو ان قيم الحضارة العربية ستكون حصيلة المنبع الفكري الذي تستند له وتستمد فلسفتها منه وهو الاسلام، فهي متميزة القيم أنها تعتمد قيم وأخلاق التشريع الرباني المقدس والداعي للخير والسمو والرقي بالفعل الانساني، فيقول( فقضيتنا، اذن صعبة الى حد أنه لا ينجح فيها الا المستوى الذي هو بين الأرض والسماء .. أو المستوى الذي تكون فيه الأرض والسماء ممتزجتين)، فعلاقة الرسالة بالاسلاك بل وعموم الدين علاقة عضوية.. لان مشروع النهضة المناسب لهذه الأمة، لابد أن يكون امتزاج الآلهي بالبشري، والنقاء السماوي بالارض، في الممارسة والتطبيق، بهذا يشرح القائد المؤسس معنى الرسالة الخالدة لأمة العرب وطليعتها وضميرها البعث العربي الاشتراكي. ان ثقة عميقة تملأ نفوسنا بأننا أخلصنا كل الاخلاص، طوال عمرنا لأمتنا ولمصلحتها، ولتاريخها ولعقيدتها ولمستقبلها، وإننا كنا دوما حيث العروبة الصحيحة والاسلام الصحيح.