( بالتأكيد ستشهد الايام المقبلة تقدما ملموسا على الصعيد السياسي العراقي للخروج من عنق الزجاجة التي يمر بها البلد ) . هكذا بشر زعيم القائمة العراقية أياد علاوي الشعب العراقي مؤخرا بعد أنتهاء اللقاء الذي جمعه بالحكيم , حيث أكد الاخير على وجود ( خرق دستوري بتجاوز المدد الدستورية والقانونية دون الوصول الى حل حاسم ) بشأن تشكيل الحكومة , وكأن مجلسه الاسلامي الاعلى في المعارضة وليس في الحكومة , وأن الذي حصل هو لاول مرة متناسيا بأن الخروقات التي مورست على مدى عمر دستورهم العتيد جعلته كالغربال , وقد أطلقت رصاصة الرحمة عليه وأنتقل الى عالم الاموات غير مأسوف عليه , بعد أن ولد كسيحا في رحم الاحتلال ملغوما بالاف الالغام التي مافتأت تنفجر بين الحين والاخر , فتلقي علينا بمشاهد مأساوية من الدمار والخراب , أو صورا مقززة من الصراعات السياسية على المناصب والجاه والسلطان من أجل الثراء ونهب المال العام وبناء القصور وأمتلاك الشركات في خارج العراق , وسط تصريحات جوفاء تنطلق على السنة الكبار والصغار في القوائم البرلمانية وكل يدلي بدلوه في الحدث , حتى بات من السهل جدا أن نقرأ التناقضات الفاضحة مابين تصريحات أعضاء القائمة الواحدة والحزب الواحد , لانهم ببساطة أصحاب مصالح شخصية متناقضة ولا وجود لشيء أسمه الهم الوطني في الضمائر , لذلك أنعدمت سلطة القرار الواحد فيما بينهم , حتى راحوا يتكدسون أمام الكاميرات على شكل مجاميع عندما يتحدث أحدهم , كي يظهروا هم أيضا أرضاءا لعقدة ( الانا ) التي يعانيها الجميع , ولسان حالهم يقول لماذا يظهر هو ولانظهر نحن !! لقد أمتد عنق الزجاجة الذي يتحدثون عنه والذي حشرتهم فيه المصالح الدولية والاقليمية , التي يعملون وكلاء لها في العراق , حتى بات أطول من عنق بعير , فبعد أن أطلقوا البشرى حتى ماقبل الانتخابات بانها ستكون المنقذ من الظلال , وأنهم سيضعون العراق على الطريق الصحيح الخالي من المحاصصة والطائفية ونهب المال العام , والقصاص من المفسدين والقتلة وسيادة القانون والنهوض بالوطن والمواطن , نجدهم قد تراشقوا الاتهامات بالتزوير والتزوير المضاد حتى أثناء الاقتراع , ثم أستعانوا على بعضهم البعض بوسائل مختلفة مثل أعادة الفرز اليدوي والتوسل بالقوى الدولية لتصحيح النتائج ثم الهرع الى المحكمة الاتحادية لتفسير نصوص دستورية هم من سطرها في الدستور , لينتهي الامر برفض مغادرة المنصب , ومع ذلك لازالوا يزفون نفس البشرى بأن الايام القادمة هي الحل , والتي أمتدت أسابيع وأشهر ولامن مخرج لهذا التازم الذي يصورونه على أنه مازق وطني , وهو في الحقيقة ليس كذلك أطلاقا , بل هو مأزق لاأخلاقي نتيجة ولادة غير شرعية من عملية سياسية لاأخلاقية , تجري محاولات محمومة للتستر عليها من خلال الصاق أسم الوطن بما لاعلاقة له به . أن المشهد السياسي الحالي والممتد للفترة من أعلان نتائج الانتخابات وحتى اليوم , بما فيه من تناقضات صارخة وأنتقالات مفاجئة وغير مفاجئة هدفها أنتاج معسكرات وتكتلات لاغراض السيطرة على السلطة والتحكم بمفاصلها الحيوية خاصة مراكز الردع فيها , أنما يؤشر الى الحالة المستقبلية التي سوف يواججها العراق , حتى لو تم الاتفاق بين هذا الطرف أو ذاك على تشكيل الحكومة العتيدة , لان الذي يجري بين الكتل في الحقيقة لايمكن أن يرقى الى مايسمى بالعرف السياسي ( مباحثات سياسية من أجل تشكيل حكومة ) , بل هو عبارة عن مؤامرات سياسية بين أعداء لازالت حالة العداء مستحكمة بينهم وكل يضمر الشر للاخر , كما أن كمية الخداع والمراوغة التي فيها , تنبأ بما لايقبل الشك بأن مستقبل الوطن لازال مهددا أن لم يكن معدوما , وهذه الصورة بعيدة كل البعد عن المنطق الذي يحكم العلاقات السياسية بين كل التيارات السياسية في دول العالم , التي تتنادى لتشكيل حكومة وطنية بعد أنتخابات يفترض فيها أن تكون أنتخابات وطنية أيضا , مما يؤكد حقيقة الصراع الدولي والاقليمي في معضلة تشكيل الحكومة العراقية , والتي ستكون ولادتها بأحدى الطريقتين أما توافق المصالح الدولية والاقليمية , أو بنجاح طرف على حساب طرف أخر أعتمادا على القوة الفعلية التي يملكها على الارض سواء كانت أستخبارية أو سياسية أو عسكرية , ولا وجود للعامل الوطني في التشكيل لان العراق لازال بعيدا عن مفهوم الدولة ولايمتلك السيادة الفعلية على كيانه المادي والمعنوي. أن الانتقالات المفاجئة لائتلاف المالكي الى شاطيء قائمة علاوي اللذان تبادلا الشتائم مرارا والاتهامات بالعمالة لاطراف خارجية تكرارا , وتصريحاتهم بأنهم توصلوا الى نتائج باهرة , ثم الحديث بعد ذلك بالوصول الى طريق مسدود , عززه عودة علاوي الى الحكيم مرة أخرى للتباحث في تشكيل الحكومة وخروجهم مستبشرين , بينما تشير معلومات أخرى الى عودة الغزل بين أئتلاف المالكي وتيار الصدر بمباركة ( خامنئي والحائري ) مرة أخرى , وتراجع تيار الصدرعن الفيتو الذي أعلنه على تسلم حزب الدعوة لمنصب الوزراء , وأقتصار ذلك على شخص المالكي وحده دون حزبه , نقول أن كل هذا الحراك والمد والجزر المتبادل بين الكل , ليس في الحقيقة الا وسيلة من وسائل الخداع والضغط في سبيل أبتزاز الاخرين والحصول منهم على أقصى مايمكن من المناصب , وقد أعلن ذلك صراحة أحد أقطاب العملية السياسية طارق الهاشمي عندما قال بأن دولة القانون ( تستخدم مفاوضاتها مع العراقية للضغط على الائتلاف الوطني ) , وهو يعلم جيدا سبب ذلك الا وهو أعتمادهم مرة أخرى نظام الصفقة في توزيع المناصب , حتى بتنا نسمع مصطلحات تجارية يتم تداولها في القاموس السياسي العراقي , جائت على لسانه حين يدعو أئتلاف المالكي ب( الرد العاجل على العرض المغري للعراقية ) , الذي هو الافضل من بين كل العروض التي قدمت لها من بقية الكتل , وكأنه يناقش عرضا تجاريا ستبيع فيه العراقية أحدى الرئاستين ( رئاسة الجمهورية أو البرلمان ) وثلاث وزارات ووزارة الامن الوطني , ووزارات خدمية وأمانة مجلس الوزراء , والابقاء على جميع موظفي الدرجات الخاصة من وكلاء وزارات ومديرين عامين الذين عينهم المالكي , مقابل شراء منصب رئيس الوزراء ودعم ترشيح علاوي لهذا المنصب , حسب المعلومات الواردة من لجان التفاوض بين الطرفين , تقابلها صفقة المالكي للصدر بزيادة حصته من الوزارات بينها وزارة سيادية ومناصب وكلاء وسفراء والعفو عن معتقلي التيار . كما أن بكائيات الحكيم على خرق الدستور وخطبه المعصومة التي تدعو الى الفضيلة , أنما يحاول من خلالها أستدرار عطف الاخرين وأبتزاز غيرهم , كي يحصل على مناصب حكومية في خضم ماراثون تشكيل الحكومة واللهاث وراء مغرياتها المادية والمعنوية وطرح المناصب في المزاد , بعد أن بات أكثر الخاسرين وتم تهميشه ولم يعد له وجود حتى داخل أئتلافه سوى رمزيا , وأصبح الزعيم الفعلي هو تيار الصدر الذي حصل على 39 مقعدا , والذي لايعترف حتى بمرجعية الحكيم الدينيه ولايقلد من يقلده , كما أن المالكي المهوس بمنصب رئيس الوزراء الذي يدافع بضراوة عنه كي يتمم برنامجه السياسي بأربعة سنوات أخرى كما يقول , راح يستغل كل مناسبة في سبيل لقاء قيادي القوائم الاخرى ومساومتهم وتقديم الوعود بالمناصب والجاه والسلطان لهم في حالة أنشقاقهم عن قوائمهم والالتحاق به , كما حصل مؤخرا في بيروت عندما كان السبب المعلن لزيارته هو تقديم التعزية بوفاة العلامة محمد حسين فضل الله , بينما كان الهدف الاخر من الزيارة هو محاولة شراء الاخرين . أن دماء الشهداء التي سالت على أرض العراق منذ الاف السنين وحتى اليوم , والجهود التي بذلت من أجله والتي كانت السبب في رفع رايته وخلود وجوده وعزة مجده , لن تستصرخ من يحاولون تشكيل دولة عراقية كاذبة , يبيعون مناصبها الحكومية فيما بينهم بطريقة الصفقة , ويحرقون الخيمة الوطنية الجامعة في كل ممارساتهم اليومية , وأن الذي سوف يتصدى لهذا الاستحقاق هم وحدهم قوى المقاومة الوطنية . د. مثنى عبد الله - باحث سياسي عراقي