دقّ الموبايل ... لم انتظر طويلاً مع إني أتحفظ على الرد عندما تظهر رقم غريب على الشاشة .. قال : الو ، فقلت : يا هلا ، ألف هلا والله . قال :( اشلون عرفتي صوتي وهو غائب عن إذنيك أربع سنوات ) فقلت : صوت المقاوم أجمل صوت يستقبله أذني ، أميزه بين مليون صوت وصوت .. قال : أنتي أصيلة ، فقلت : وأنت شهم ، غيور ، وبطل وتاج فوق الرأس ... كانت معتقلاً فتم إطلاق سراحه ، عرفته مقاوماً بطلاً (لعب بالعلوج طوبة) منذ الأيام الأولى لبدء مقاومتنا الأسطورية لقوات الاحتلال ، كنت وإنا صحفية انتظره ليزودني بعمليات المقاومة ضد القوات الأميركية.. كان يختفي أيام وأسابيع عن أنظاري وينقطع اتصاله بي ثم يظهر فجأة وبيده مجموعة من الأقراص تتضمن فعاليات (فترة الاختفاء ) : تفجير همر في بغداد ، تفجير ناقلة جنود في الموصل ، اشتباك في بيجي ، قصف قاعدة أميركية بالصواريخ في تكريت .. التقيه بضع دقائق لأسمع منه عشرات الإخبار التي تبهج القلب والروح.. لم يكن علاء وسيماً بالشكل لكني كنت أراه أجمل رجل في الأرض ..كان قصيراً في قامته لكني كنت أراه شامخاً في قامته ، شامخاً في أخلاقه ورجولته .. أربع سنوات قضاه علاء في المعتقل ، وانتقل من معتقل إلى آخر ، ألقت القوات العراقية القبض عليه وبحوزته أنواع مختلفة من الأسلحة (قذائف اربي ، جي ، بي كي سي ، مسدسات ، قنابل تي إن تي). اعتقل بعد أن دوخّ الامريكان وقوات الأمن العراقية .. وابتهجت هذه القوات باعتقاله وعدته صيداً ثميناً.. كانت والداته تنقل سلامه لي (( سلمللي على أختي يايمة وكولليها بس اطلع ويصير خير)). وكانت تسألني أمه المسكينة ماذا يقصد بعبارة (بس اطلع ويصير خير) ، وكانت تسألني وتستحلفني بالله أن كان ابنه قد أساء التصرف معي أو إن كان علاقتنا علاقة حب أو غرام لان علاء متزوج وله ثلاثة أطفال وزوجة جميلة تحبه وتنتظر إطلاق سراحه على أحرّ من الجمر .. كنت أقول لها : اطمئني خالة ، ابنك رجل ، وعلاقتنا أسمى علاقة انه علاقة (المقاومة وحب الوطن) ، وهدفنا اسمي هدف (تحرير الوطن). أطلق سراح علاء قبل عشرين يوماً ، فداهمته قوات الأمن العراقية واعتقلته مجدداً وهو جالس في البيت لأنها كانت خائفة منه وتدرك أن علاء وأمثاله لا يتخلون عن المقاومة حتى وان اعتقلوا عشرات السنيين فإما أن يطلق سراحهم حتى يعود إلى ساحة المقاومة ويرفعوا السلاح مجدداً في وجه المحتل وإذنابه.. أطلق سراح علاء مجدداً بعد اعتقالٍ ثانٍ وعاد إلى العمل اليومي الذي لا يستطيع أن يتخلى عنه لان جسده تشبعّ بالمقاومة ولأنه أدمن المقاومة فلن يشفى منها بالاعتقال ، وستبقى روحه تتلهف للمقاومة لنيل إحدى الحسنيين أما التحرير أو الشهادة .. ليس علاء وحده تشبعّ وأدمن مقاومة هذا المحتل .. وهذه العصابات المجرمة التي تعيث فساداً وخراباً وموتاً في بغداد الحبيبة .. هناك صلاح ، وخالد ، وسيف ، وبكر ، وحيدر ، وقتيبة ، وناصر ، ومهند ، وصدام ، وعمر ، وعبد الله ، ومحمد وغيرهم .. كلهم كانوا مقاومين ، اعتقلوا بعد أن دوخوّ قوات الاحتلال والقوات التي تساندهم وتدافع عنهم.. ذهب علاء وآخر عبارة قاله : (يصير خير ) ، هذه العبارة ليست مبهمة لكن ليس بمقدور أي شخص أن يفسرها ويفكّ شفرتها إلا الذين عشقوا المقاومة ووهبوا حياتهم وأموالهم وأنفسهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم وبناتهم ليحرروا هذا البلد ويزيحوا من صدره سموم الاحتلال ورائحته العفنة التي تزكم الأنوف .. واهم كل من ظنّ ويظن أن المقاومة في العراق انتهت أو ستنتهي باعتقال مقاوم أو اثنين أو ثلاثة من المقاومين .. وواهم كل من يظن أن المقاومة العراقية ستنتهي وسينظم المقاومون إلى العملية السياسية العقيمة التي لم تجلب للعراق سوا الخراب والدمار والسقوط .. تحية إلى المقاومة العراقية وقبلة على جبين كل مقاوم عراقي أدمن المقاومة حتى الاستشهاد أو التحرير ورحم الله من استشهد وهو يقاوم ورحم الله من دعا إلى المقاومة واستمر يقاوم حتى التحرير .. كلشان البياتي كاتبة وصحفية عراقية Golshanalbayaty2005@yahoo.com