قرأت مقالا للكاتب عبد الباري عطوان؛ وهو للتذكير ليس المقال الأول الذي يهوي في سحيقه هذا الكاتب الأكثر صيتا من قناعة، فأرجعت البصر مرات وكرات ليعود إلي البصر وهو حسير! تعجبت بل تأوهت لما وصل إليها هذا الشخص، الذي أذكر أنه كان يوما قامة شاهقة في مخيلتي أيام كنت فتى يافعا أدرس في الصف المدرسي، وأتوق إلى المطالعة وقراءة المجلات .. ولعل أهم سقوط بدأ به عبد الباري مشوار الإنحدار، هو فرقعاته في مسرحية الدفاع عن بن لادن من لندن، والهجوم على النظام المصري ـ ولو كان يستحق ـ فإن الأيام أثبتت أن عطوان ليس الشخص المؤهل لمثل تلك المواقف، اللهم إلا إن كانت مناورة إعلامية تضع صاحبها في دائرة الضوء، على قرار "قناة الجزيرة" وأخواتها وخالاتها!! .. وحتى لا تأخذ تقلبات مناخ عطوان الحيز الأكبر من موضوع ردنا، فقد كان مقال عطوان ـ محل الخفة والهزال ـ بعنوان: (أفول عربي .. وصعود تركي إيراني) .. هكذا تتجلى قيمة الرجال!! .. أيها العطوان : الصعود عربي .. والأفول لبني أخوالك .. قد لا يكون عطوان الوحيد الذي سلك طريق الانحراف هذا! كما يمكن الجزم أن كثيرا من أبناء الأمة العربية ستستدرجهم أساليب مثل هذا من الكتاب إلى نفس الفهم والتوقع المتناهي في الاستلاب والضعف .. إن الحديث عن واقع، أمتنا العربية أيها الكاتب لا يمكن تقييمه بموضوعية إلا إذا استحضرنا بشيء من الثقة في النفس تاريخ تكالب (الجيران) عليها، ولا يمكن لمن ينكر شواهد التاريخ أن يُحتكم إلى رأيه في الحاضر والمستقبل. وكأبسط دليل على تواصل الصعود العربي منذ النشأة وحتى التحرير إن شاء الله، أن قضيتنا المركزية لا يمكن لعثماني ولا فارسي حاقد المزايدة علينا فيها، فمن يستشهد في سوح المعارك طيلة معركة المصير الواحد هم العرب نساء ورجالا وشيوخا، ومن يدفع ثمن مآمرات الشرق والغرب منذ استيلاب حقنا الأبدي في فلسطين هم العرب! .. ومن استهدفت كل قلاعه العصية وتجري محاولات خاسئة لاجتثاث فكره وكبريائه هم العرب! .. ولربما سيكتشف القارئ ـ يوما ـ أن تطاول عطوان وأمثاله من المتسكعين الإعلاميين وطوابير المستعمر والمشاريع الأممية الهزيلة، إنما هو جزء من حملات التشويه والمساس بثواب العرب .. العرب اليوم يواجهون كل قوى الشر والعدوان، ممثلة في الغزو الصهيوني الأمريكي والتوسع الفارسي والأطماع من دول الجوار، وعطوان يدرك أكثر من غيره أن لتركيا هدفا واضحا من تحركها الأخير، وهو أنها تراقب منذ أكثر من خمسين عاما وفي أوج علاقاتها مع الكيان الصهيوني، الذي اغتصب أرضنا وتركيا تشاهد، ولقد أحست الساعة بتكبيل العرب، وتأزيم أوضاعهم، لتتحرك في الوقت الذي تراه مناسبا؛ فتعلن عداء مؤقتا لدويلة "اسرائيل"، شريكتها في الشرق الأوسط الكبير، وحليفتها في الحلف التركي المشهور، ولا يخفى على أحد أن حملات تركيا في داخلها وفي الغرب وعن طريق أبواقها المرتزقة في وطننا العربي، كانت تنم عن محاولة اجتثاث الدور العربي، لا على أرض العرب بل في معركة احتلال الصدارة في ما عرف ب"بالشرق الأوسط" .. أما عن "إيران" الفارسية؛ فالأمر أوضح والحقيقة أدهى يا عطوان .. إن تزمير نجاد ومن وراءه الملالي الفارسيين إنما هو خدمة للكيان الصهيوني الذي يرتاح لنعيق الفرس هذا، أكثر من ارتياحه لبكاء العرب وأناتهم رغم ولعه الشديد بالإضرار بهم، لأنه قد لا يكون أكثر شقفا بذلك من حكماء الفرس .. لا يمكن لمن قرأ مقال عطوان إلا أن يحس بتزلفه الشديد، وهو الذي ملأ الفيسبوك بمن سماهم المعجبين المطالبين بتخصيص برنامج إعلامي له في قناة الجزيرة، ليكون أقرب إلى مصدر شوقه وحنينه إيران وتركي .. عطوان الذي كان قوميا في دعاياته، ثم انحدر إلى حزب الله في فراته وكراته الإعلامية، فقاعديا في دفاعه المسرحي عن بن لادن، لتنتهي رحلته السفحية إلى أن استقر به القرار في بؤرة الصفوية الفارسية والمقبرة الأثرية للرجل العثماني الشيخ الذي بدأ يستعيد صباه بعد الصبر على أذى بني صهيون ردحا من الزمن، وتردى في المافيا والبارونية، ليخرج ـ التركي ـ منافحا عن فلسطين ومناصر للقضايا العربية أكثر من العرب أنفسهم!! .. وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة .. ومن يحتل الجزر العربية ويتمالؤ مع المحتل في العراق، ويدعم تقسيم العرب وتناحرهم حتى في فلسطين السليبة؛ لا يمكن أن يكون ناصحا أمين .. طبعا نحن هنا لا ندافع عن أي موقف رسمي عربي، مثلما دافع عطوان عن مواقف رسمية لا عربية، ولكننا لا نرى في قول عظيم خرج من كاتب مثله، أكثر من شطحة رحالة إعلام وسياسة ينبغي الرد عليها. وعود على بدء أقول لك يا عطوان، والجزيرة، وقم تبع .. إن الصمود عربي .. والأفول لني أخوالك .. سيدي ولد محمد فال ـ موريتانيا