ماذا يريد الحزب من الكفاح الشعبي المسلح ومن العمل الفدائي؟ هل يريد أن يسد نقصا كان فيه؟ أو أن يجاري حركات ومنظمات أخرى؟ كيف قصر حزب الثورة العربية، الحزب الذي سبق في وعيه ونظرته الثورية وفي نضاله كل الحركات العربية واستوعب طبيعة المرحلة القومية؟ كيف قصر عن فهم هذه الناحية الخطيرة؟ الاستنتاج المنطقي هو أن الحزب إذن ليس فيه نقص من ناحية واحدة، من ناحية معينة هي ناحية الكفاح المسلح، وإنما الحزب مقصر منذ زمن في كل نواحيه، وهذا ما حجب عنه رؤية الحاجة الأساسية إلى الكفاح المسلح وأهمية معركة فلسطين في الثورة العربية، وأنشغل بأمور ثانوية بالنسبة إلى المعركة. فالحزب عندما يبادر إلى تشكيل الجبهة والعمل في ارض المعركة إنما يريد لا سد نقص معين فيه وإنما الشفاء من أمراضه كلها. يريد أن يتجدد كليا، يريد أن يولد ولادة جديدة سليمة، ولادة فكرية، ولادة عملية، ولادة نضالية. هذه نظرة يجب أن تكون واضحة لأن الجبهة بالنسبة إلى الحزب ليست جزءا من عمله، ليست الجزء العسكري، ولا الجزء القتالي، ولا الجزء الفلسطيني ونما هي الحزب بإرادته في الانبعاث من جديد، في إرادة التصحيح الشامل والعميق في أوضاعه، المطلوب إذن هو التحرر من كل العوائق المصطنعة التي دخلت على الحزب، كل التزييف، كل الجمود، من خلال عمل نضالي ثوري إلى ابعد حدود الثورية فيه كل الحرارة القادرة على أن تذيب هذا الجمود المزمن. ولكن لنكن صريحين وواضحي النظرة ونعرف بأن العملية هذه تتطلب وقتا، وتتطلب ممارسة وتتطلب جهودا فكرية وتنظيمية وانغماسا في النضال حتى نصل إلى النفسية الجديدة، الانتقال الشكلي من هنا إلى الجبهة هذا لا يغير النفوس ولا يغير العقول، ولا يحقق المعجزات. يجب أن تتوفر شروط الولادة الجديدة شروط التبدل العميق وإلا نكون كمن يخدع نفسه، كمن يحتال على نفسه وعلى الشعب. إذا حملنا معنا كل العقلية القديمة والأمراض القديمة إلى الجبهة فلن يخرج الشيء الجديد المرجو وبالطبع لسنا يائسين من الحزب ولا يجوز أن نيأس ولم يعدم الحزب كل إمكانية ولم يفقد كل جوهر، فيه إمكانيات وفيه نفوس خيرة وفيه استعدادات نضالية. والتاريخ والأدلة كثيرة على حيوية الحزب وقدرته على التجدد. أن ظهور وتفجر قوى نضالية في أقطار ومناطق مختلفة بين الحين والآخر في تونس مثلا، وغيرها أيضا أدلة على أصالة الحزب. هذا لا يجوز أن نبالغ فيه أيضا. هذا فقط يسمح لنا بأن نحاول المحاولة الحاسمة محاولة تجديد الحزب من خلال معركة فلسطين والكفاح الشعبي المسلح. أي أن في الحزب عناصر نضالية وللحزب فكره الثوري وفيه الاستمرار بين ماضيه السليم وبين المستقبل المرجو له، استمرار يتجسد في قلة مناضليه وهؤلاء يعقد عليهم الأمل بأن يكونوا الأساس لانبعاث الحزب من جديد. إن الحزب اعم واشمل من العمل القتالي بلا شك. حزب الثورة العربية له مهام متعددة واسعة تتناول جميع النواحي الحياتية العربية في السياسة والثقافة والاقتصاد والتربية والاجتماع والحرب والقتال وكل شيء... ما هو دليل حيوية حزب من الأحزاب الثورية؟ إقبال الشباب عليه أول دليل، وإقبال الجماهير الشعبية الكادحة عليه هو الدليل الثاني:ولولا تبني الحزب لشعارات المعركة لما كان بين الحزب والجماهير الكادحة من صلة غير صلة تبادل المنافع. طبعا جماهير العمال والفلاحين لا تجد في الأقطار العربية التي وجد فيها الحزب وانتشرت أفكاره غير حزب البعث ملجأ لها لتحقيق مطالبها لترفع عن نفسها الغبن والاستغلال، ولكن الجماهير العربية الكادحة تطمح إلى حياة جديدة لا يقف طموحها عند تخفيف الظلم أو تحقيق بعض المكاسب، ولم تعد الصيغة القديمة تلبي هذا الطموح. والذي يستطيع الآن أن ينفذ إلى قلوب الجماهير وأعماقها هو نداء معركة التحرير.