غالبا ما يسلط الضوء في المجتمعات المتخلفة على إخفاء السلبيات وتمويه الحقائق واختراع وفبركة الأكاذيب وتسويقها للمواطنين بصفة ايجابيات أو عهود ووعود مرتقبة لمعالجتها. وهنا يبرز دور المعارضة السياسية لفضح هذه الألاعيب وتنبيه المواطنين إلى خطورتها، والتشدد في مراقبة إداء الدولة دون الإلتفات إلى قافلة المبوقين والمصفقين الذين يتغذون كالطفيليات على دماء شعوبهم. فهؤلاء يرتكبون جريمة بشعة بحق وطنهم وشعبهم، وذاكرة الشعوب لا تنسى من يستغفل الجمهور ويدمر مصالح أمته ويخدم اجندة الأعداء. ويتضاعف حجم المسئولية الوطنية عندما يقع الوطن فريسة في فخ الإحتلال الأجنبي. وسائل الإعلام الوطني هي الرديف القوي للجهاد المسلح والمقاومة الوطنية التي أقرتها تعاليم السماء والأرض والشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة والقانون الدولي. والأعلام الوطني هو صوت الضمير الذي يرتقى الى ذرى سامقة ليجهر بصوت مفحم وبلاغة معبرة تمحو كل شك متبق في الحق بالسيادة الوطنية والتحرر من الأغلال، بل هو الجناح الذي تحلق به المقاومة فوق جماهيرها ومن غيرها تختفي ملامح المقاومة وتدخل في غياهب المجهول. ولهذا السبب وغيره غالبا ما تستهدف عناصر الإعلام الوطني من قبل قوى الإحتلال وطابور العملاء الذين تربوا في أحضانه العفنة وتسلموا زمام السلطة بسبب عمالتهم. بالرغم من ضخامة الماكنة الإعلامية الإحتلالية ومصادرها المالية الهائلة وتراكم المعلومات وتوفر الخبرات وسعة وقوة وسائل نشر وإيصال المعلومة وجوق المطبلين الداعمين لها وتفننهم في أخفاء الحقائق والتلاعب بعقول الجماهير. فأن هذه المارد المخيف يرتجف كالجرذ أمام الإعلام الوطني الفقير في وسائله مصادره وتمويله ومحدوديته، إضافة إلى المؤمرات المستمرة التي تستهدف رجاله من قبل أشباه الرجال أينما حطوا رحالهم. ومن المثير إن رجال الإعلام الوطني لا يرتزقون من أعمالهم بل على العكس فهم أحيانا يجودون بالمتيسر مما بحوزتهم لخدمة الإعلام الوطني ومسيرة الجهاد علاوة على مجانية نتاجهم الفكري ومشاعيته. إستهداف الكتاب الوطنيين ماركة مميزة مسجلة بإسم حكومة الإحتلال ومن المؤسف إن بعض الأنظمة السياسية تضحي بمبادئها الإنسانية وتتنازل عن مثلها في سبيل مصالحها، والبعض الآخر يطوي صفحة الإرهابيين بخفة لكنه يكشف ببراعة ورقة الوطنيين امام أعدائهم في طلسم غريب يصعب فك رموزه, اللهم إلا إذا كان في عرف تلك الأنظمة بأن الوطنيين عناصر إرهابية وهكذا يجب التعامل معهم! عندئذ سنرمي كل ما في جعبتنا من أفكار وآمال في مزابل التأريخ طالما تسير الامور على هذا المنوال. لا أحد يجهل بأن حكومة الأحتلال والميليشيات المتعطشة للدماء أرتكبتا جرائما يعجز عنها أعتى المجرمين بحق جنود الكلمة، جرائم مخزية اخترقت حاجز العقل والتعقل بسرعة قياسية وليس من الحري اغفالها أو السكوت عنها. فلا يوجد دولة في العالم قدمت فاتورة من شهداء الكلمة مثل العراق وهذه الكلام موثق داخل العراق وخارجه. فالقائمة قاربت الثلثمائة وماتزال مفتوحة لضم اعداد أخرى طالما ان الإحتلال يرغب بأسكات صوت الضمير الوطني. وخدمهم في حكومة الإحتلال يشدون قبضتهم على رقاب الحق لخنقه. وطالما ان الدول التي تستضيف بعض الكفاءات الوطنية مستعدة لإهدائهم بكل سخاء وحفاوة إلى حبل المشنقة. مالذي ينتظره البعض من القوى الوطنية عندما تحتل قوى أجنبية بلدهم وتنصب عصابة من عملائها ليحكموا ويتحكموا بمقدراته السياسية والإقتصادية والأجتماعية والثقافية؟ هل السكوت هو الكفيل بمعالجة العلة؟ وهل السكوت حلً يوما ما مصيبة عصفت بقوم ما؟ أم النضال الوطني والكفاح المسلح هو الوسيلة الوحيدة؟ وكيف يمكن طي صفحة الفتن الطائفية والعنصرية وسطور الأحقاد والخراب التي سطرها المحتل واعوانه؟ وكيف نوقف جريان الدماء البريئة النازفة ونلملم جراحنا؟ بالسكوت أم بالعمل؟ كيف يكون المواطن قوي الارادة ومتفتح المدارك واعيا لمصير أمته وملتزما بمسئوليته الوطنية ووفيا لمبادئه وهو غير مقتنع بالنظام الحاكم؟ ولديه الثقة التامة بأنه غير مؤهل أصلا لإدارة زريبة حيوانات وليس دولة؟ نظام تتنازعه قوى الشر ويختفي بين اطلاله اللصوص والعملاء. كيف له أن يكبت منازع الشر ويطفيء شهواته ويسجن غرائزه في وطن كل شيء فيه مستباح؟ كيف يؤدي واجباته تجاه سلطة لا يحترمها بقرارة نفسه ولا يؤمن بها ولا يأتمن لها ويتقي شرها قبل خيرها؟ كيف يثق بحكومة تسلك نفس طريق الرعاع وأساليب قطاع الطرق وبوقاحة وصلافة بالزي الرسمي؟ كيف يحترم مسئولياته الوطنية والوظيفية والاخلاقية تجاه حكومة هي أول من يتنصل من مسئولياتها وتقلص حقوق شعبها وتضخم حقوقها؟ كيف يمسك بجلباب حكومة ضالة ويسير ورائها في متاهات لا تعرف هي نفسها كيفية الخروج منها بسلامة؟ كيف يوازن عقله بين ما يسمعه من مدائح وما يشهده من مذابح؟ كيف يحفظ نفسه من الإنزلاق في الخطايا وهو يرى معظم المسئولين يتخذون من الوطن ساحة للتزلج. أليس رفض الظلم والمجاهرة بذلك حق من حقوقنا في ظل الديمقرطية المزعومة؟ لماذا نتحفظ على إستنكارنا ورفضنا للظلم ونحفظه في قلوبنا وذلك أضعف الإيمان؟ طالما إننا نستطيع أن نشحذ لساننا ليكون سيفا قاطعا للحق! اليست هذه تعاليم السماء وأقرتها قوانين الأرض؟ عندما يدسر الغريب في أفواهنا خرقة بالية لنسكت فتلك مصيبة ولكن أن يدسرها أشقائنا فتلك كارثة. أن يمزق وطنا اشلاءا ونطالب بالسكوت والقبول بذلك كقدر حتمي فتلك خطيئة بكل المقاييس لأنها ببساطة تعني تقمصنا لشخصية شيطان أخرس فمن يقبل بذلك؟ أننا مقيدون في وطننا فلماذا نقيد ونحن خارجه؟ أصحاب الضمائر الحية الذين هجروا وطنهم في الحقيقية لم يهجروه طوعا وإنما "مجبرا أخاك لا بطلا" فالموت يتربصهم في كل زاوية. وقوائم الإغتيال فاتحة ذراعيها للترحيب بالمرشحين الجدد ونافذة المفعول حتى ينجلي ظلام الإحتلال ويبزغ فجر الحرية والإستقلال من جديد. علي السوداني واحد من هؤلاء الذين لم يخضعوا لمغريات الإدارة الأمريكية، ولا إلى وسائل الترغيب والترهيب الذي تمارسه حكومة الإحتلال، وفضل أن ينضم إلى قائمة الضمائر الحية رغم علمه بأن النسخة الثانية منها لدى طرف الضمائر الميتة تحمل أسما مختلفا ومعنى مناقضا. لكن هذا هو درب الحقيقة ومن سار على الدرب ما ضلً حتى وإن لم يصل! وفعلا كان علي السوداني واحد من المرشحين في قوائم الموت,. هذا يعني لكل فطين إن العودة إلى حضن الوطن هي العودة إلى أحضان الموت أو الضياع في غياهب السجون الخاصة وكلاهما يصبان في نفس المصير. العودة إلى الوطن بالنسبة لعلي السوداني ليست مخاطرة لأن النتيجة معروفة سلفا. والأنكى منه إن عودته القسرية قد تخلق منافسة حادة بين ميليشيات الحكومة وعصاباتها الرسمية فيمن سيكون له فضل السبق لقطف ثمرة عقل وطني يانع؟ وبإنتظار القدوم الميمون للسوداني لأرض السواد فأن الوقت كافي لأبي لهب ورهطه لحد مناجلهم وتحضير اليافطات السوداء في مداخل مدينة المدافن. ما الذي يتوقعه حفيد آلإمام الحسين الحقيقي(جلالة الملك عبد الله بن الحسين) من أحفاد العلقمي عندما يرسل لهم مشروعا للإستشهاد ينتظرونه بفارغ الصبر؟ ومن سيتحمل وزر ما يحدث؟ وماذا تقول تعاليم السماء؟ ومن ستكون الفئة الباغية؟ أهي التي تقتل أم التي ترسل البشر إلى الموت المحقق؟ وهل هذا البلد العظيم الذي واكب العراق في قوته وضعفه وفي غناه وفقره وفي حروبه وسلمه وفي نجاحه وإخفاقه، وهو الأقرب والأعرف فيما يجري فيه، يعجز عن ضيافة مواطن عراقي تهمته الوحيدة تتلخص بعبارة وجيزة وهي حبه المتفاني لوطنه وعشقه المحموم لشعبه، فهل هذه التهمة جريمة في العرف الدولي؟ علي السوداني رجل حالم فقط! لا يختلف عن شخصية أميل زولا في كتابه(الحالم)! لكنه يحلم بأمر آخر فهو يحلم بإستقلال وطنه وعودة السيادة له. ولم يتجاوز حلمه حدود عقله وقلمه، فقد إستعاض عن البندقية بالقلم فهل هناك حظر في إستخدامه؟ وهل دخل القلم خانة الإرهاب أم اصبح سلاحا فتاكا من أسلحة التدمير الشامل في زمن تتلاطم فيه المفردات وتتصارع فيه القيم والمفاهيم. علي السوداني غادر بوابة واقع مؤلم وهو ليس بهارب! لنسميها فترة إستراحة مناضل، فهل هناك ضير في ذلك! لقد شعر بحاجة ماسة لينعش ذاكرته المبعثرة كلحيته الكثة بفياغرا الخيال عسى أن تداعب احلامه الطوباوية مثل كامبالينا في (مدينة الشمس) أو الفارابي ومدينتة الفاضلة. ظن السوداني وهو في ذروة السكرة واللذة بإن بلاده المشمسة لحد الحرق والإحتراق هي مدينة الشمس المفعمة بأجواء الأخاء الجماهيري، تغطيها مساحة خضراء من الوحدة الوطنية، ومروج من التعايش السلمي ومراعي من التوافق الإجتماعي وسياج سميك من الأمان يكفل الإستقرار والحد الأدنى من الرفاه الإقتصادي. إنه حلم لا أكثر! والأحلام غير خاضة لنظرية القياس والتقييم ولا خاضعة لسلطة القضاء والحساب. هي أضغاث أحلام كسيحة غير قادرة على معالجة الآثار المدمرة التي خلقها واقع التأزيم السياسي والإحتراب الطائفي والتشتيت العنصري والتعصب المذهبي والقبلي ولا الإخفاقات المتلاحقة في مختلف قطاعات الحياة. فهل يدفع السوداني فاتورة احلامه الباهظة هذه؟ وهل سيتحمل مسئولية أحلامه القاتمة لوحده؟ أم إن عائلته مشمولة ايضا بدفع جزء من فاتورتها ؟ مناشدة لجلالة الملك عبد الله بن الحسين حفيد الإمام الحسين(ع) بأن علي السوداني أمانة في رقبة جلالتكم وأنتم أهل لهذه الأمانة وكفء لها. في خضم الأحداث المتسارعة، نذكر جلالتكم بحكمة جدكم الإمام علي(رض) الرائعة" لا تستحِ من القليل، فإن الحرمان أقل منه" وأنتم أدرى بمضامينها. بإنتظار مكرمة جلالتكم ! فنحن في أمس الحاجة لكم في صراعنا المرير ضد قوى الشر والظلام ومنكم نستمد العزم والمواصلة في مسيرتنا الشاقة. علي الكاش - كاتب ومفكر عراقي