لم يكن الغزو الامريكي للعراق عام 2003 حدا فاصل ومرحلة انتقالية للشعب العراقي فحسب بل هو نكبة حقيقية وفق كل الموازين لدول المنطقة جميعها والعربية منها خصوصا , نتجت عن تواجد الادارة الامريكية بكل ثقلها كدولة عظمى لها مشاريعها الاستعمارية مباشرة , ورغم ان وجود النفوذ الامريكي في المنطقة لم يكن جديدا حتى قبل عام 1990 ولكنه هذه المرة اخذ شكلا مباشرا اخر من حيث التدخل غير المحدود والمعلن في صناعة القرار الاقليمي والاهم تغييب القرار الوطني والقومي العراقي الذي كان عاملا مهم في حفظ التوازنات الاقليمية وعامل ردع للقوى الاقليمية الطامعة في التوسع على حساب الدول العربية التي اصبحت اكثر ضعفا بعد غياب دور العراق الطبيعي . لم يقف الامر عند هذا الحد ولكن مجموعة التناقضات الكبيرة التي خلفها الاحتلال هي الاكثر خطورة لا على القطر فحسب بل على عموم المنطقة , فبينما كان المواطن العراقي يعيش عنفوان نتائج ثورة تموز المباركة الشاملة التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي في الصعد الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والمواطن ويجني ثمار المشروع الحضاري الوطني والقومي العملاق , عمل الاحتلال على تشويه كل ذلك التطور من خلال اكاذيب ثبت زيفها , وبدلا من ان يواصل النهوض بالقطر , "وهذا مستحيل طبعا " لانه يخالف اهداف العدوان او الحفاظ على الانجازات القائمة في اقل تقدير ليمنح نفسه وعملائه قبولا لدى الشارع العراقي اثبت من خلال ممارساته وما تبع الغزو من افرازات على الصعيدين القطري والاقليمي انه جاء لغير ما اعلن , وانتهج سياسة اقبح من فعل الاحتلال نفسه , واذا كان المواطن العراقي يدرك ما تخلفه الحروب من ويلات ودمار فانه الان ادرك ان الادارة الامريكية قد نقلت الى العراق كل صراعاتها الدولية والاقليمية دفعة واحدة , وجعلت منه مسرحا دمويا لها واوجدت من يحارب بالنيابة عنها ووسعت قاعدت عملائها الذين ينفذون برنامجها العدواني كجزء من بعثرتها وتشتيتها للجهد الوطني العراقي . ان اخطر الصراعات التي أوجدها الاحتلال في القطر نتيجة العدوان هو الصراع القومي وبنفس الحدة الصراع الطائفي ثم عمقت هذه الصراعات بايجاد رؤوس لجماعات هزيلة ومنقادة الى عدة جهات في الخارج تقدم لها الدعم , فاصبح الاختلاف داخل القومية الواحدة نفسها او داخل الطائفة الواحدة واخذ هذا الصراع طابع تسقيط الاخر في البداية خصوصا في الجانب الفكري وهي فقيرة بكل المعايير, فضمنت ادارة الاحتلال ان هذه النماذج لا تحسن بالمطلق التعامل مع اي حالة وطنية متطورة , ولهذا ولاصرارها على الاخطاء فان هذه الرؤوس قد عجزت عن تقبل الطاقات والخبرات الوطنية المتوفرة والتعايش معها بينما دفعها ماضيها غير المشرف الى محاولة الاثراء الفاحش غير المشروع فكانت سببا لانتشار الفساد الاداري والمالي الذي نهش في جسم الدولة العراقية وتدمير ما لم تخربه الة العدوان ورجع بعجلة التطور العراقي مئات السنين الى الخلف فخلق فجوة عميقة بين المواطن والحكومة من جهة وبين داخل العراق وخارجه لا يمكن تجاوزها في المنظور القريب من جهة ثانية , ومع افتقار هذه الجماعات الى شعور الانتماء للوطن والى الخبرات السياسية القيادية , ولكونها قادمة من بيئات متخلفة , تحول الصراع بسرعة مذهلة الى صراع مليشيات وقتل على الهوية وتحت هذا العنوان تمت تصفية او تهجير مئات الالاف من العلماء والمثقفين والسياسيين الوطنيين فاصبحت الساحة الداخلية خالية من قيادة سياسية مخلصة الا من الكوادر التي انخرطت في الفصائل الجهادية وهي مشغولة في التعبئة لهدفها الاكبر في التصدي للمحتل من خلال اتجاهين يتحدد الاول في التعبئة وتوفير روافد الاستمرار للاتجاه الثاني القتالي بما يديم شبابه بشريا ولوجستيا . لقد عملت سلطات الاحتلال على ايجاد دستور مشوه ومبتور يحمي الشرذمة التي اوجدتها ويبعد اي جهد وطني من امكانية التوحد والقوة ويعيد القطر الى وضعه الطبيعي , وتحت عنوان الديمقراطية اجرت سلسلة من الممارسات التي اسموها انتخابات تارة تشريعية واخرى نيابية دفعت بكوادرها التي اعدها مسبقا الى كراسي السلطة حتى وصلت الان حد النزاع العلني على الكراسي والاختلاف على تقاسم الغنيمة من قوت المواطن واذا كان الشعب العراقي على يقين بناءا على تجاربه خلال اكثر من سبع سنوات من عمر الاحتلال البغيض ان امريكا لم ولن تسمح باقامة ديمقراطية حقيقية في القطر فانه قد شارك فيها لاسقاط كل الذرائع فصبر حتى بعد التصفيات والاجتثاثات لكل معارض للاحتلال وتحمل وجازف واسقط العملاء والخونة بعد ان وضعهم في ميزان مصلحته العليا , وحديث الشارع يقارن بين ديمقراطية حقيقية قائمة في بريطانيا استلمت حكومة جديدة مسؤولياتها القانونية خلال ساعات وبين ديمقراطية غير مكتملة ومزيفة لم يتفق اركانها حتى بعد مضي اكثر من ثلاثة اشهر . لابد لنا ان نضع الحقيقة التي يعرفها كل العالم ولا تريد الادارة الامريكية الاعتراف بها امام اعيننا , وهي انهيارها وترنحها امام ضربات رجال المقاومة الابطال واسراعها في سحب قواتها وتمسكها بالجدول المعلن حفاظا على ما تبقى من هيبتها, وان ما يجري في العراق اليوم هو جزء من التزامها في المنظمة الدولية التي تهيمن على قراراتها , وهو جزء من تناحرات ليس وليد ساعته وليس بسبب خلاف عقائدي او مذهبي , انما هو سيناريو اعد مسبقا وسيحسم بقرار امريكي لا يتجاهل دور المقاومة العراقية الباسلة , وبتبرير عراقي وفقا للمصالح الامريكية وما تسفر عنه مساوماتها الاقليمية , فالمطاطية الهزيلة التي شرعها دستور الاحتلال تلبي هذه الغايات ليس الا , والحكومة التي تنصب في العراق لها واجبات محددة يجب ان تراعي كل التناقضات في المنطقة , في الوقت الذي لا يستطيع احد ان يتنكرر لما حققته المقاومة , الايام القادمة حبلى بالكثير , وان غدا لناظره قريب . Iraq_almutery@yahoo.com http://www.alqadsiten.net/index.php