أصبح النفوذ السياسي الإيراني في العراق من الحقائق الغير مشكوك بها، كما هو حال الوجود الأمريكي ،،، كلاهما محتل ويلعب على الساحة العراقية ،،، إلا أن حدود النفوذ السياسي يبقى محصوراً بالعملية السياسية ومرتبط بها، وخطورته أقل بكثير من خطورة الثقافة الإيرانية التي نفذت إلى المجتمع العراقي (الشيعي تحديداً)، لتنتقل العادات والتقاليد (والأفكار أيضاً) السائدة في المجتمع الإيراني (ذو الغالبيه الأمية) إلى المجتمع العراقي (ذو الغالبية المثقفة)،،، فقد غزت تلك المرّكبات الثقافية كل جوانب الحياة في المجتمع، حتى بات واضحاً تأثيرها على طباع الأفراد وأنعكاسها على سلوكهم الشخصي، مثال على ذلك ،،، أنتشار ظاهرة العداء لكل شيء عربي!!، التي أدت إلى أنزلاق (عبّاد إيران) في هاوية (الشعوبية)، ليتخلوا عن قوميتهم العربية مقابل التخندق الطائفي، فأصبح كل ماهو عربي مرفوض ومكروه (بالنسبة لهم)، حتى تداول الأسماء العربية للمواليد الجديدة أصبح محدوداً (قليل التداول وليس معدوماً) عدا أسماء الأئمة وبناتهم، فجاءت هذه الفقرة (صدفة!!،،، كما يدعون) مع الرغبة القومية الإيرانية التي حاولت بالأمس تفريس (الأحواز) ونزعها من جذورها العربية، فأصدرت قانون يمنع تداول الاسماء العربية بأستثناء أسماء الأئمة وبناتهم (صدفة خير من ألف ميعاد!!)،،، وهناك ظاهر جديدة أكثر فتكاً بالمجتمع،،، الزواج المنقطع (المتعة)!!،،، الذي أصبح سائداً (نوعاً ما) لدى الطبقة البسيطة والفقيرة من المجتمع ويحث عليه ويمارسه في الغالب شريحة رجال الدين (مستغلين سذاجة البسطاء)، حتى أنتشر كظاهرة للأبتزاز والمساومة الرخيصة التي لا يحاسب عليها القانون في العراق (الجديد!!) على أعتبار أنها من الأمور الشرعية التي لا تخدش الحياة (حسب أعرافهم)!!،،، وفي ما يخص الأعراس والمناسبات السعيدة فقد غابت معالم البهجة والفرح والفرق الموسيقية، وحل محلها رجل الدين المعمم يقرأ بعض الوصلات (الحسينية)!!، وتقام هذه المناسبات عادة في الحسينيات أو (جوادر) تنصب في الشارع، بعد أن أصبحت النوادي والمجمعات الثقافية من المحرمات شرعاً، أما في (المآتم) فيتم في اليوم الثالث ممارسة طقوس اللطم الجماعي للرجال كشعيرة جديدة دخلت على أدب شعائر (المآتم)، وهناك حالة شاذة في أقتباس العادات، فقد أنتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة يمارسها رجال الدين عند التحدث من على المنبر بالناس فأنهم يقلدون (النغمة) الفارسية (مد الكلمة مع رفع الصوت في نهايتها)!!، وكأنهم يحاولون ترك أنطباع للمستمع عن كونهم أعجام وليس عرب!!،،، ومن الظواهر السيئة التي لم يشهدها المجتمع العراقي من قبل هي المظاهر العلنية في سب الصحابة وأمهات المؤمنين وكثرة اللعن والشتم، وهذه عادة فارسية بدأها أسماعيل الصفوي عندما أمر أئمة المساجد بسب الخلفاء ولعنهم!!،،، وهذا غيض من فيض ،،، فالكثير من التقاليد والعادات (الغريبة) بدأت تظهر بوضوح في المجتمع العراقي بعد الأحتلال، وقد يظن البعض أن تلك التقاليد والأعراف محصورة بفئة قليلة من الناس أكتسبوها خلال السنوات التي عاشوها في إيران وليست حالة عامة منتشرة في المجتمع، لكن الحقيقة تخيب رجاء من يظن ذلك!!، التاريخ يعيد نفسه ،،، فعندما استفرد الخميني بالسلطة بعد سقوط الشاه، رفع شعار القضاء على الثقافة الإيرانية (التي وصفها بالدخيلة)، لتحل محلها ثقافة متخلفة رجعية عادت بإيران قرون للخلف،،، واليوم صدرت تلك الثقافة الخمينية المتخلفة إلى المجتمع العراقي للقضاء على الثقافة العراقية المتأصلة بجذورها العربية. بلال الهاشمي / باحث في الشؤون الإيرانية والتاريخ الصفوي