استقبلت قرية "الحرف" في عزلة الحدب بمديرية بني مطر ( غرب صنعاء )، أمس السبت جثتين لمراهقين من فتيانها، الذين انخرطوا في القتال في صفوف جماعة الحوثيين. قالت الجماعة إن الشابين عايش أحسن علي الحاكم ( أبو شاهر ) ومحمد صالح علي الحاكم ( أبو رياض ) وهما أبناء عمومة لقيا حتفهما في المعارك على الحدود مع المملكة العربية السعودية، حيث يذهبون هناك لمواجهة "الأميركان والصهاينة وأعداء الله" كما تخبرهم الجماعة. ولا يكاد يمضي يوم منذ بدأت جماعة الحوثيين معاركها إلا وتستقبل القرى الريفية في المناطق القبلية شمال اليمن جثامين لشباب وفتيان مراهقين غادروها على أقدامهم وعلى العربات مزهوين على وقع زوامل تحرض على "الجهاد"، حتى غدت مظاهر تشييع الجثامين هي المشهد الأكثر اعتياداً من أي مشهد آخر. قرية "الحرف" في بني مطر تشكل نموذجاً بارزاً لتلك القرى التي تحولت إلى مجرد مخزن بشري لإمداد الحوثيين بالمقاتلين.. و"الحرف" قرية متوسطة الحجم، مستوى التعليم فيها أقل من المتوسط، تسلل الحوثيون بطريقة سريعة، إليها كعشرات القرى غيرها، في بني مطر وبقية مديريات محافظة صنعاء التي تضم ما يعرف بقبائل الطوق المحيطة بمدينة صنعاء، والتي تعتبر دوماً هي الحاسمة للمواجهات العسكرية التي تشهدها العاصمة صنعاء منذ كانت مركزاً لليمن. تمكن الحوثيون خلال فترة وجيزة من إحداث انقلاب فكري في أوساط سكان هذه القرية، بسبب تدني المستوى التعليمي، ما ساعد الحوثيين على إحكام قبضتهم الفكرية على وعي سكانها. وحسب نشطاء فقد التحق العشرات تلو العشرات من شباب القرية بدورات تنظيمية وتعبوية تقيمها الجماعة، ومن ثم صدّرتهم الجماعة نحو جبهات القتال في مختلف الجبهات الداخلية والحدودية. حتى اليوم، بلغ عدد القتلى من أبناء قرية "الحرف" في صفوف الحوثيين، 52 قتيلاً. هذا العدد هو عدد الضحايا من قرية واحدة فقط من قرى مديرية بني مطر، هذه القبيلة التي كان أبناؤها في يوم من الأيام يقاتلون في صفوف الدولة، ضد تمرد جماعة الحوثيين في صعدة خلال الحروب الست. بحسب مصادر مقربة من الحوثيين، فإن أعداداً كبيرة من أبناء هذه القرية لا يزالون منخرطين في صفوف الحوثيين في مختلف جبهات القتال، وبين حين وآخر تصل جثامينهم فرادى وجماعات. مديرية بني مطر، التي تعتبر البوابة الغربية للعاصمة صنعاء أصبحت محضناً خطيراً للحوثيين، وإحدى القلاع التي حصنتها الجماعة بسياج طائفي سميك، وأصبح هناك مؤيدين للفكر الحوثي المتطرف، تزايد عددهم خلال العامين الأخيرين بشكل لم يسبق له مثيل. استفاد الحوثيون في تغلغلهم في مديرية بني مطر، من الأسر الهاشمية المنتشرة في بعض القرى، "بيت الشعباني" مثلاً، حيث كان لهؤلاء، ارتباط وثيق بالحوزات الدينية ، خارج الحدود وخصوصاً إيران، ومن وقت مبكر كانوا يظهرون انحيازهم المتطرف للمد الفارسي . واستمرار الحرب على هذا النحو لفترة أطول يمنح جماعة الحوثيين الفرصة الكاملة لمواصلة النحت في جسد المكونات القبلية بما تشكله من مخزون بشري يمتهن القتال ويتجاوز الأمر تجييشهم للقتال على أساس المصالح إلى تركيز الجماعة على تشييع المراهقين والشباب وتحويلهم إلى آلات قتل بدوافع عقائدية. يتحدث أحد أبناء المنطقة لمراسل المصدر أونلاين عن خطورة الوضع: "الحرب الدائرة حاليا بالنسبة للحوثيين هي بمثابة الغطاء الذي يمنحهم الحرية لتكثيف الجهود لتشييع المجتمع، حتى إذا انتهت الحرب، سيجد الجميع أنفسهم أمام هوية جديدة يسعى الحوثيون بشكل حثيث على إيجادها خلال فترة انشغال الجميع بالصراع المسلح والصراع السياسي، بينما تكثف الجماعة جهودها لتشييع المجتمع وغرس أفكار متطرفة ترتكز على قتال المخالفين وإخضاع المجتمع لأصحاب الحق وفقاً لنظرية الولاية والبطنين والأفكار التي أصبحت جماعة الحوثيين تتحدث بها في وسائل الإعلام". يمر طريق ( صنعاء - الحديدة ) الحيوي لمسافة تصل قرابة 40 كيلومترا من أراضٍ تابعة لمديرية بني مطر وتعقبها مديرية الحيمة، وبالتالي فإن الجهد المكثف الذي تبذله جماعة الحوثيين في هذه المناطق هو جهد واعٍ بالأهمية الجيوسياسية لهذه المنطقة التي يمكنها من خلالها أن تخنق العاصمة صنعاء وتتحكم تماماً في طريق الحركة التجارية بين العاصمة والحديدة الميناء الأهم في البلاد.
الاربعاء ٢٠ ãÍÑã ١٤٣٩ هـ - الموافق ١١ / ÊÔÑíä ÇáÇæá / ٢٠١٧ م