اشرت قيادة
الحزب والثورة التنمية كقضية
مركزية بالغة الأهمية لتطور القطر
السياسي والاقتصادي والاجتماعي،
فأولتها أهتماما كبيرا، وهيئت
المستلزمات المادية والبشرية
لتحقيق اهدافها، وسعت إلى تسريع
وتائرها وعلى كافة القطاعات. احد
أهم المبادئ الأساسية لخطة
تطويرهيكل الاقتصاد الوطني التي
حددتها قيادة الحزب والثورة تمثل
في منح القطاع الزراعي المكانة
البارزة بين القطاعات الاقتصادية،
ورفع نسبة مساهمته في الناتج
القومي الإجمالي.
لقد ورثت الثورة
قطاعا زراعيا متخلفا يعاني من
معضلات معقدة وتحديات جسيمة
بالرغم من المنجزات التي حققتها
ثورة 14 تموز 1958، وسعي قادتها
لبناء قطاع زراعي متطور يساهم في
تنمية القطر.لا غبار في إن صدور
قانون الإصلاح الزراعي رقم 31
لعام 1958، وما قاد إليه من
تغييرات نوعية يمثل أهم تلك
المنجزات. ومع اهمية كل ما تحقق،
إلا إن السلطات الزراعية العراقية
لم تتمكن من النهوض بالقطاع
الزراعي بشكل يمكنه من لعب دورا
رائدا وفعالا في تطويرالاقتصاد
الوطني ولأسباب عديدة سبق وان
تطرقنا إليها في الجزء الأول من
هذه المساهمة.
خلال الفترة من
نهاية تموز (يوليو) 1968 إلى
بداية شهرأيلول (سبتمبر) 1980،
شهد القطاع الزراعي تغييرات جذرية
وعلى مختلف أنشطة القطاع وميادينه
ولاسيما على صعيد تنظيم العلاقات
الإنتاجية داخل القطاع، وحسم
إشكالية الملكية الزراعية بشكل
يخدم التحولات الاشتراكية،
بالإضافة إلى تحقيق انجازات كمية
ونوعية جذرية اهمها ، زيادة
معدلات الإنتاج عن طريق إنشاء
المشاريع الإنتاجية الكبيرة،
وتطوير الريف العراقي ثقافيا
واجتماعيا وغيرها من المنجزات
المفصلة في هذا المبحث.
ومع نجاح الثورة
في تحقيق انجازت كبيرة على صعيد
القطاع الزراعي، إلا إن تجربة
الحزب الزراعية رافقها الكثيرمن
الأخطاء والإخفاقات، سواء على
مستوى تخطيط السياسات الزراعية،
أو تطبيقاتها. فإلى جانب استمرار
تأثير المعضلات الزراعية
التقليدية، فان القطاع شهد أيضا
بروز إخفاقات جديدة تعود أسبابها
إلى انتقال النزعات البيروقراطية
إلى القطاع الزراعي، وامتداد دور
الدولة إلى حلقات صغيرة وأنشطة لا
تتجاوب مع الأساليب الإدارية
المتبعة في القطاع العام. كما
ساعدت طبيعة الخاصة للقطاع
الزراعي التي لا تتقبل إحداث
تغييرات سريعة وديناميكية، وتجذر
الكثير من الممارسات والتقاليد
المتخلفة، بالإضافة إلى العوامل
السياسية، على عجز السلطات
الزراعية عن تحقيق مفردات خطة
التمنية الزراعية للقطر .
أهداف خطة التنمية الزراعية
أولت خطة
التنمية القومية أهمية استثنائية
للقطاع الزراعي بشكل يتناسب مع
دورهذا القطاع الحيوي في توفير
المتطلبات التنموية الضرورية
للقطاعات الأخرى، ولمجمل النشاط
الاقتصادي والاجتماعي للقطر.
لقد راعت خطط
التنمية القومية الخاصة في تطوير
القطاع الزراعي تلبية ثلاثة
اعتبارات رئيسية :
*زيادة الإنتاج
لمواجهة الطلب الاستهلاكي
والصناعي المتزايد على المنتجات
الزراعية.
*تفعيل دور
القطاع في تحقيق النمو الاقتصادي
المطلوب من خلال التوسع في
استخدام منتجات القطاع الصناعي
الوطني ، وتلبية احتياجات القطاع
الصناعي من السلع الزراعية،
وتوفير فائض زراعي يخدم تطويرا
لصادرات العراقية، ويرفد الاقتصاد
الوطني بالنقد الأجنبي .
*تغييرالواقع
الاجتماعي للريف بما ينسجم
ومستلزمات التحول الاشتراكي، عن
طريق تحقيق أقصى ما يمكن من
التجانس والعدالة في درجة تطور
سكان القطر جغرافياً وقطاعيا
وطبقيا .
لتحقيق هذه
الاعتبارات فان خطة التنمية
القومية ثبتت تحقيق الأهداف
الكمية التالية كمهام مركزية
للقطاع الزراعي خلال السنوات
1976- 1980 :
1. زيادة
الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي
والحيواني بمعدل سنوي لا يقل عن7
% ، من خلال التوسع العمودي في
الزراعة وتطويرمزارع الدولة،
والاستغلال الأمثل للموارد
المائية .
2. بذل أقصى
الجهود لتغطية الطلب المتزايد على
المواد الغذائية والمواد الأولية
المستخدمة في النشاط الصناعي.
3. استخدام صيغ
متطورة لبلوغ الاكتفاء الذاتي من
الحبوب والسلع الزراعية الرئيسية،
وتحويل العراق من بلد مستهلك/
مستورد، إلى منتج/ مصدر لفائض
زراعي من الحبوب .
4. تخطيط
الإنتاج الزراعي في ضوء ضوابط
الموازنة الغذائية، والعوامل
الاقتصادية والاجتماعية وبشكل
يدعم رفع المستوى الغذائي
للمواطنين .
5. تعزيزالترابط
بين الإنتاج النباتي والحيواني
بما يخدم عملية التكامل الزراعي.
6. تسريع خطوات
التطويرالحضاري في المجتمع
الريفي، وتطوير الخدمات
الاجتماعية المقدمة، وبشكل يقلل
من حجم التفاوت بين الريف
والمدينة.
7. التوسع في
توفير الخدمات الأساسية في الريف
والبنى الأساسية بشكل خاص، والعمل
على توفير شبكات المواصلات والطرق
الريفية وربطها بالطرق العامة،
بشكل يؤمن ربط مراكزالانتاج في
قنوات ومراكز التسويق.
8. العمل على
إنجاح تجربة مزارع الدولة وتطوير
كفائتها وإنتاجية العاملين فيها.
9. زيادة
الاهتمام في المشاريع العالية
الإنتاج ، والاهتمام بشكل خاص
بالمشاريع الكبرى التي توفرالغلل
الأساسية المطلوبة لتغطية الطلب
الاستهلاكي، واحتياجات القطاع
الصناعي.
10. التركيز على
تطويرالثروة الحيوانية
وتوفيرمستلزمات تطويرالانتاج
الحيواني وفقا لضوابط خطة التنمية
القومية، وبما يؤمن تحقيق تسويق
سليم وصحي لتلك المنتجات،
والاهتمام بالثروة السمكية منها
بوجه خاص ، واتخاذ الإجراءات
المنظمة للصيد المنتج والاستفادة
من المسطحات المائية الطبيعية ،
بالإضافة إلى مواصلة العناية
بالمراعي الطبيعية والعمل على
تطويرها بشكل علمي.
11. رفع حجم
وكفاءة الاستثمارالموجه لتطوير
الطاقات البشرية في الريف
باستخدام وسائل مبتكرة، مع الأخذ
بنضرالاعتبارواقع البيئة البشرية
في الريف العراقي .
12.التوسع في
استخدام التقنيات الحديثة ،
واستخدام الأسمدة والمبيدات
الكيماوية، والمحافظة على خصوبة
التربة ومعالجة ظواهر الملوحة
والتعرية بالإضافة إلى معالجة
الأوبئة الحيوانية.
13. تهيئة
الكوادرالفنية والقيادية القادرة
على النهوض بالقطاع الزراعي
وتأسيس مراكز البحوث، وتشجيع
البحث العلمي الزراعي. مع تهيئة
الكوادرالبيطرية والزراعية
المطلوبة لتنمية الثروة
الحيوانية.
14.الاهتمام
بالإحصاء الزراعي وإجراء المسوحات
الدورية والدراسات الخاصة
بالتربة، والعمل على تكملة خارطة
العراق الزراعية التفصيلية
للاستفادة منها في التخطيط السليم
للقطاع الزراعي ورفع معدلات
الإنتاج والإنتاجية .
15. إكمال
عمليات استصلاح الأراضي وانجاز
شبكات الري والبزل وفقا للخطة
الطويلة المدى .
16. استغلال
الأراضي الاروائية والديمية بشكل
امثل مما يحقق أعلى مستوى من
الإنتاجية.
17. وضع هيكل
للسياسة السعرية في السوق
الزراعية بصورة تشجع المزارع
العراقي على إنتاج المنتجات
المطلوبة للاقتصاد الوطني.
المنجزات الزراعية لثورة 17- 30
تموز
المنجزات
الزراعية التي حققها العراق خلال
العقد الأول من الثورة ولا سيما
اثر تأميم الثروة النفطية عام
1972، وكما توضحه الإحصائيات
والأرقام الزراعية لا يمكن وصفها
إلا بالجذرية. المنجزات لم
تقتصرعلى الجوانب الكمية بل شملت
أيضا الجوانب النوعية والعلمية
وتطويرا لطاقات البشرية، و تنظيم
العلاقات الإنتاجية للقطاع وتطوير
الريف اجتماعيا.
سنقدم في هذه
المساهمة أهم المنجزات الزراعية
المتحققة خلال العقد الأول
للثورة بشي من الإيجاز،
على أن نقدم عرضا تفصيليا لهذه
الانجازات بعد توسيع هذه المسودة
لاحقا.
1. حسم إشكالية الملكية الزراعية
وتطوير العلاقات الزراعية .
لا شك في إن أهم
الانجازات غير الكمية التي حققتها
الثورة في المجال الزراعي يتمثل
في قضائها على العلاقات الإقطاعية
الاستغلالية، وحسمها نفوذ
الإقطاعيين بشكل نهائي، وتقديم
علاقات إنتاجية جديدة ساعدت في
تغيير هيكل القطاع وتطويره. هذا
الانجاز تم عبراصدار قيادة الحزب
والثورة قانوني الإصلاح الزراعي
رقم 117 لسنة 1970 والقانون رقم
90 لسنة 1975 ، حيث تم بموجبهما
إعادة تنظيم الحيازة الزراعية،
وتصفية الملكية الإقطاعية الكبيرة
بشكل نهائي لصالح الطبقة
الفلاحية.
هذا التغير
المهم في هيكل العلاقات الإنتاجية
قاد إلى زيادة عدد الجمعيات
التعاونية من 410 جمعية ، وازدياد
عدد أعضائها من 55 ألف عضوا
ومساحة مناطق نشاطها 2.8 مليون
دونم عام 1968 . إلى 1992 جمعية و
388 ألف عضوا، ومساحة نشاط بلغت
23.5 مليون دونم عام 1980 .
وشهدت هذه
الفترة ولأول مرة في تاريخ القطر
الزراعي انبثاق تجربة المزارع
الجماعية، فوصل عدد المزارع
إلى(28) مزرعة عام 1981 ، شغلت
مساحة (767) ألف دونم ، ضمت في
عضويتها 1346 عضوا. في حين وصل
عدد مزارع الدولة إلى(23 ) مزرعة
وتشغل مساحة قدرها 143 ألف دونم.
وشهدت المرحلة زيادة مساهمة
القطاع الاشتراكي في قيمة الإنتاج
الزراعي من 1.4 % عام 1974، إلى
43.4% عام 1981.
2. إنشاء المشاريع الزراعية
الكبرى
أدركت قيادة
الحزب والثورة إن تنمية القطاع
الزراعي ورفع الإنتاج
إلى
المستوى المطلوب لن يتحقق إلا من
خلال تغيير نمط الوحدات الإنتاجية
من صيغة الإنتاج الزراعي العائلي
أو التجاري الصغير الحجم ، إلى
نمط المشاريع الكبرى ذي الانتاجة
العالية. لتحقيق ذلك سعت السلطات
الزراعية اولا إلى إكمال المشاريع
التي سبق للحكومات السابقة إن
باشرت في انجازها ، إلا أنها لم
تنجز لأسباب عديدة أهمها شحة
الموارد المالية.
إن مراجعة تجربة
القطر الزراعية خلال المرحلة
المذكورة تقودنا إلى قائمة كبيرة
من المشاريع الكبيرة الحجم، التي
أنجزتها السلطات الزراعية خلال
المرحلة المذكورة وبشكل متميز لم
تشهده أي تجربة من تجارب الدول
النامية.
|