الحمد لله والصلاة والسلام على
سيدنا محمد رسول الله وعلى آله
وصحبه ومن والاه. وبعد:
فهذا الموضوع الذي سأتناوله
كان ينبغي للعلماء وخطباء الجمعة
أن يبينوه ويوضحوه للمسلمين ،
وبعد سنوات الاحتلال هذه ما كان
ينبغي لمسلم أن يجهل هذا الكلام
لكننا نعذر إخوتنا لأن الظرف
الأمني عصيب وبحاجة إلى الحيطة
والحذر، ونسأل الله سبحانه وتعالى
أن يحفظ علماءنا، فدورهم قادم
ودورهم عظيم بعد التحرير إن شاء
الله ، وأدعو كل المسلمين
الغيورين أن يتداول هذه الوريقات
بينهم ليعرفوا حكم الله تعالى
المتعلق بفريضة عظيمة من فرائض
هذا الدين الحنيف، ألا وهي فريضة
العصر والزمان فريضة الجهاد في
سبيل الله تعالى.
تعريفه
الجهاد لغة: مشتق من الجهد
بفتح الجيم أي المشقة ، أو من
الجهد بالضم وهو الطاقة لأن كل
واحد يبذل طاقته في دفع عدوه.
وفي الشرع: قتال مسلم كافرا
غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله أو
حضوره له أو دخول أرضه.
(ينظر:مواهب الجليل ج3/ص347،
حاشية الجمل على شرح المنهج
ج5/ص179)
حكمه
الجهاد له حالتان تختلف
الأحكام الشرعية باختلافهما:
الحالة
الأولى
أن يكون العدو في بلده غير
مغتصب لأرضنا وتكون رحى المعركة
دائرة في عقر داره فحينئذ يكون
الجهاد فرض كفاية على المسلمين
(إذا قام به البعض سقط الإثم عن
الباقين) لكن بشرط أن يكون هذا
البعض متمكنا من المعركة محيطا
بالعدو، وهذه الصورة يقول فيها
الإمام أحمد: (... ولا أعلم شيئا
من العمل بعد الفرض أفضل من
الجهاد) مختصر الخرقي ج1/ص128، أي
الجهاد الذي هو فرض كفاية أما
الجهاد الذي هو فرض عين فهو أفرض
الفرائض .
الحالة
الثانية
أن تكون المعركة في أرض
المسلمين ويكون العدو قد استولى
على جزء من أرض المسلمين (وإن كان
قليلا) فعندئذ يكون الجهاد فرض
عين على كل مسلم ومسلمة صغيرا
وكبيرا وفي ذلك يقول الفقهاء:
((ولا جهاد
على عبد وامرأة وأعمى
ومقعد وأقطع اليد إلا إذا هجم
العدو)) تحفة الملوك ج1/ص179،
فإذا هجم العدو على بلاد المسلمين
واحتل أرضهم غدا الجهاد فرضا على
الرجل والمرأة والعبد والحر
والصحيح والسقيم حتى أقطع اليد
والأعمى ،ولايجب على الزوجة أن
تستأذن زوجها ،ولا على الابن أن
يستأذن أباه بل يكون نفيرا عاما
ولا يسقط الوجوب على الجميع إلا
بعد أن يستردوا ما اغتصب من أرض
المسلمين، وعندئذ يكون الجهاد
أفرض الواجبات ، وهذا الحكم ينطبق
على كل مسلم ومسلمة خصوصا في
العراق ، فكل عراقي وكل عراقية
آثم إذا لم يجاهد الكافر المحتل
بما مكنهم الله تعالى به ،
والجهاد كما يكون بالبندقية
والهاون والقنص يكون باللسان
ويكون بالقلم وفي ذلك يقول النبي
عليه الصلاة والسلام لِحَسَّانَ:
((اهْجُهُمْ
أو هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ))
صحيح البخاري ج3/ص1176.
يا له من فضل عظيم أن يكون
جبريل الأمين مؤيدا ومؤازرا ، يا
لها من مزية وفضيلة خص الله تعالى
بها سيدنا حسان (رضي الله عنه)
دون غيره ولم يقاتل بسيفه كما
قاتلوا ولم يضرب كما ضربوا بل كان
يدافع عن النبي عليه الصلاة
والسلام وعن الدين بلسانه ويهجوا
المشركين وينكل بهم ، ومما لا شك
فيه أن الشعر يؤثر في النفوس وله
وقع عظيم , وعن عبد الرحمن بْنِ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَدْ أُنْزِلَ فِي الشِّعْرِ مَا
قَد أُنْزِلَ فَقَالَ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ
الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ
وَلِسَانِهِ وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَكَأَنَّمَا
تَرْمُونَهُمْ نَضْحَ النَّبْلِ))
صحيح ابن حبان ج13/ص102ــ103.
نعم أيها الإخوة الجهاد بالنفس
والمال واللسان والقلم والفكر،
وبكل ما آتانا الله تعالى من قوة
وبكل غال ونفيس، فلا يستهينن أحد
بما آتاه الله تعالى من فضل ، فرب
كلمة من شاعر أو مقالة من كاتب
يكون وقعها على الكافر أشد من
الصاروخ الذي يطلقه المجاهد
والعبوة التي يزرعها ، وفي ترك
الجهاد اليوم إثم عظيم ما بعده
إثم فكما يحاسب الله تعالى عباده
يوم القيامة على الصلاة والصيام
والزكاة يحاسبهم في تقصيرهم في
هذه الفريضة العظيمة ولا يعذر أحد
في تركها، وذلك لأن جل الفرائض لا
يمكن أن تؤدى إلا بعد خروج الكافر
المحتل ،ونجد البعض ممن ركبه
الكسل ووسوس له الشيطان يقول لقد
جاهدت وضربت الكافر (ووو ... )
والآن تعبت وأريد الراحة أو ليعمل
عملي هذا غيري ، والآخر يقول لقد
أنفقت الكثير من المال لماذا لا
ينفق فلان وفلان لماذا لا ينفقون
كما أنفقت، والله هؤلاء شانهم شان
من صلى ركعة من الظهر ثم ترك
الصلاة وانصرف وقال هذا يكفي ركعة
واحد فقط وهو يجهل أن تركه لباقي
الصلاة أبطل عليه صلاته كلها
والأعمال بخواتمها.
فضله
قال تعالى: ((إِنَّ
اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ
حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ
وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ
وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ
اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا
بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ
بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ)) (التوبة:111)
وقال تعالى: ((يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هل
أَدُلُّكُمْ على تِجَارَةٍ
تُنْجِيكُمْ من عَذَابٍ أَلِيمٍ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ في
سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَكُمْ إن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي
من تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في
جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلك الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ)) (الصف 12)
انظروا أيها الأحبة كيف ذكر الله
تعالى الجهاد بعد الإيمان ، وقدم
الله تعالى الجهاد بالمال على
الجهاد بالنفس وذلك لأن وقع المال
أعظم في ساحة المعركة فالرجل الذي
يقاتل بنفسه يكون قد أضاف للمعركة
مقاتلا ، أما من قاتل بماله
متبرعا به فإنه يكون أضاف للمعركة
أكثر من مقاتل حيث أعد لهم العدة
وهيأ لهم آلة القتال التي تكون
سببا لديمومة العمل الجهادي ،
ولأن المال عند الإنسان ربما يكون
أغلى من النفس فالرجل يقاتل من
أجل ماله يدافع عنه ويذود .
ويقول النبي (صلى الله عليه
وسلم) : ((من
اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ في سَبِيلِ
اللَّهِ حَرَّمَهُ الله على
النَّار)) صحيح البخاري.
ويقول صلى الله عليه وسلم :
((رباط يوم في سبيل الله خير من
ألف يوم فيما سواه من المنازل))
سنن البيهقي الكبرى ج9/ص39/ .
وروي عن ابن عمر (رضي الله
عنهما) أنه قال: (( لأن أقف موقفا
في سبيل الله مواجها للعدو ولا
أضرب بسيف ولا أطعن برمح ولا أرمي
بسهم أفضل من أن أعبد الله ستين
سنة لا أعصيه)) (التاج
والإكليلج3/ص346 .
وعن سيدنا أنس بن مالك (رضي
الله عنه) أنه قال : (( لأن أحرس
ثلاث ليال مرابطا من وراء بيضة
المسلمين أحب إلي من أن تصيبني
ليلة القدر في أحد المسجدين
المدينة أو بيت المقدس )) كنز
العمال ج4/ص141 .
فهنيئا لكم أيها المجاهدون
الأبطال بهذه المنزلة العظيمة
التي يتمناها خيرة صحابة النبي
عليه الصلاة والسلام.
اللهم اجعلنا من أولئك الذين
قال فيهم نبيك عليه الصلاة
والسلام: ((لا تزال طائفة من أمتي
يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم
القيامة)). |