الحويجة أخر مدينة دخلتها
قوات الاحتلال الامريكية , طوقتها
بأرتال مدرعات وحاصرت سمائها بالطائرات المروحية وقصفتها طيلة
ساعات , وباغتت المحتل بكمائن عسكرية فصرح الضابط
المسؤول عن الهجوم : لا ندري , كيف يتمكن قرويون من أعداد كمائن
بهذه الدقة ؟
مؤكدا للصحفيين المصاحبين جولته العسكرية
بأنه سيكون هناك عشرات القتلى من المقاومين! لكنهم حين
دخلوا المدينة , لم يجدوا جثث , لم يجدوا نساءاً
تبكي , لم تفتح قبورا حديثة , وحتى
فوارغ الاطلاقات المقاومة أختفت! ما دفع قوات الاحتلال الى
تسميتها : بمدينة الرجال الاشرار!
مدينة أستعصت عليهم فكرهوها جداً.. وعندما
اقتيد مختارها للسؤال عن أعداد القتلى قال:
سقط لنا في هجومكم حمارا واحدا وبقرتان , ودمر تراكتور!
حكاية مدينة الرجال الاشرار أو مدينة الهنود
الحمر كما يسميها جنود الغرب , بأشارة الى أبادة أغلب
رجاله , كما أبيد الهنود الحمرمن قبل على
أيدي المرتزقة الامريكان , لا تختلف عن
بقية المدن والقصبات العراقية , بصقت في وجوه الغزاة ,
وأخفت دماء ضحاياه , لانها لم تشأ
للعدو أن يهنأ بلحظة فوز أو تشف , لم تتقبل عزاءاً بهم ,
لانها ما زالت تنتظر ألاخذ بثأرها .
أصبوحات المدينة الواقعة غرب مدينة كركوك بسيطة , ببساطة
حقول القمح التي تحدها , تحت نشوة الشمس ورعشة مناجل
الحصاد , حقولها تقف حارسا للحدود , فتسمع عند مرورك
همس السنابل , تشي واحدة لاخرى عن
تحرك الارتال الغازية نحو المدينة لتبلغ الرسائل ,
بساتينها نخل يحتضن أشجار البرتقال
والنارنج , فللربيع فيها عطر مديد.. سواقيها
الخافتة بين البساتين تنقل شغف الاخضرار والنماء , مدينة
ريفية تسكنها غالبية قبائل عربية تفتخر بأنسابها , وتفتخر
بصبر رجالها عند البأس , منائرها تصيح بوقت واحد مؤذنة
لله أو للقتال , تزغرد نساؤها في
الاعراس بعيون تدمع لفرح , وتزغرد أيضا عند أستشهاد الرجال
بعيون كجمرٍ يحمر غضب , فالحويجة , ليست سوى موال
يشبه غيره عراقيا
!
لكنها منذ منذ أيام كتبت نشيداً منفرداً
بحناجر أطفالها في" مدرسة النوارس
"ألابتدائية.
ففي الساعة التاسعة من الصباح ألاخير
لامتحانات المرحلة الابتدائية , جاءها رتل عسكري
يحمل ضباطا جنودا ومراتب , طوقوا الطرق , وأفترشوا
الشوارع , وأحتلوا الباحة
الداخلية للمدرسة حيث يرفرف العلم العراقي كعادة المدارس وسط ساحته
الترابية .
وأمر كبيرهم: آتوني
بالطلبة !
فجيء بهم من صفوفهم , أقلامهم بين
أكفهم ما تزال , وأسئلة كبيرة في رؤوسهم الصغيرة ,
لكنما بغير خوف أو تهيب , وقفوا
أمامه.
بادرهم بغواية أبتسامته قائلا: جئنا اليكم
بالهدايا لاننا نحبكم
!
الاتريدون الهدايا كل الصغار يحبون الهداي ,
حلويات , العاب الكترونية , كرات للعب ,
واقلام ملونة!
مغريات , مغريات لاطفال محرومين.
أنتظر الضابط ركض الصغار مهرولين اليه
لأقتناص فرصتهم بالحصول على هدية لا يوفرها لهم
فقرهم , ولا يحملها لهم أب ماسور أو مقتول وبأحسن
الاحوال مطارد.
لم يدر بخلد الضابط أن ألصغار سيواجهونه
بشتمه وبطرده , ورفض الهداي ,
تقدم أحدهم قائلا : أنتم قتلتم أبي وانأ أكرهكم , " أنتو قتلة
, أحنة منريد هداياكم"!
وبصق على الهدايا. وأخر ضربها بقدمه بعيد , وثالث
, ورابع , وعاشر , و. , و , أصوات
رفض الصغار تعلو :
أنتم قتلة.. نكرهكم
!
ألامهات من الشبابيك
المطلة على ساحة المدرسة زغردن لبطولة رجال قادمين.. و لشوارب تنمو
فورا فوق
شفاه طفولتهم , تشق عنهم كفن الخوف وتصفع المحتل تأنفا.
النخلات في الباحة لوحت بأذرع سعفها رفعت
أكفها الخضراء تحية للعلم الذي يرف قلبه
هناك , المدير منتصب القامة , المعلمون يمسدون
على قلوب طلبة "مدرسة النوارس
الابتدائية" أن لا تهنوا ولا تخافو , في مدينة الحويجة ,
نوارس بيضاء تحلق عاليا بأمثولة بطولة ورفض , وخزت
وجوه المحتل وأوغاده , والامريكي المشدوه
لا يفقه كيف يرفض صغار جياع كل هذا الاغراء , عضو المجلس
البلدي " ابراهيم حسن جلد" المرافق لقوات
الاحتلال بزيارة الصباح , هدد الصغار وهيئة التدريس بأنه سيجرهم
جميعا للسجون وبأنه سيلقنهم درسا لن ينسوه!
مهددا المعلمين بتهمة التحريض ضد الاحتلال واعدا أياهم بالويل والثبور!
هناك بمدينة الحويجة:
تُحَضر الامهات الان , حقائب صغيرة لاطفال قد يزجون مبكرا
في سجون رجولة مبكرة رفضت الاحتلال ,
ولكنهن لا يَذرفنّ الدموع .. لايذرفنها ترفعاً. |