لم تُجرح أمة في التاريخ
بمقدساتها وثوابتها كما جرحت الأمة العربية. ولم تتكالب وحوش وظلاميات
الصراعات الايديولوجية والدينية والطائفية والعرقية الشوفينية وتتحد في
فعلها العدائي الشرير كما حصل في توجهات تمزيق الوطن العربي الى أشلاء
متناثرة من دول ودويلات وامارات ومحميات عبر اتفاق الحقد الأسوَد
لسايكس وبيكو وما لحقه وتبعه في ذات خط الشرذمة الذي دفعت فيه الأمة
العربية ثمن انتماءها لذاتها القومية الحرة والى صف الدولة الاسلامية
في الحروب العقائدية التي تصدت لها الدولة العثمانية كإطار للخلافة
الاسلامية ورُصِدَ العرب خلالها كقوة هائلة يمكن أن تغيّر موازين الكون
وترغمه على احترام الكيان العربي المسلم المؤمن وتحالفاته العضوية
المرتبطة جدليا بروح الاسلام العظيم و بوسائل تعلية راياته وشمم
وكبرياء وكرامة أهله.
وعلى ذلك فان وحدة اليمن هي ليست مجرد إعادة تركيب وبناء عضوي حياتي
للجسد اليمني الواحد جغرافيا, وليست انتصارا للانسان اليمني وقواه
الطليعية التي تصدت للتجزئة، لتعيد معالم الحياة من جديد للكيان اليمني
الذي طالته, كجزء من كيان الأمة, سهام وحراب التمزيق تحت لافتات
الصراعات الايديولوجية التي أشرنا لها آنفاً، بل هي انجاز تأريخي عملاق
للأمة العربية المسلمة المؤمنة كلها، لأنه حول الوحدة من محض حلم عربي
إلى واقع مُعاش يتنفس هواء الكينونة كحقيقة مطلقة والى يقين، يُرتل من
كل عربي بل ومن كل مسلم حر نزيه كما أناشيد الانتماء الاخلاقي
والعقائدي إلى مسلّمات وثوابت التاريخ والجغرافية وضمير وارادة
الانسان.
وحدة اليمن انتصار باهر على نتائج ومعطيات واستراتيج سايكس _ بيكو كخط
عداء سافر ودائم للعرب ارضاً وشعباً. وهي انجاز ميداني مبارك للمشروع
وللفكر القومي العروبي المسلم تحققَ على ارض الحكمة اليمنية وارض الوعد
العربي المتطلع عبر عقيدته الوطنية والقومية الشريفة، ويمتد باشراقاته
وتأثيراته الايجابية العظيمة ليغطي كامل مساحة الوطن المثخن بجراح
التشظية من المحيط الى الخليج.
ووحدة اليمن تعلن بجلاء ووضوح متألق عن انتماء هذا الشعب العظيم الى
روح العصر ومعطياته المرتبطة بمقومات القوة الحقيقية سواءا ما تأسس
منها على ثوابت الجغرافية السياسية، وما تهبه وتمنحه من قوة تنطلق من
امكانات الوحدة البشرية المتجانسة على خارطة واسعة ضمن نظريات الفضاءات
الواسعة وما تفضي اليه من مهابة في كل ميادين التعاطي الدولي او ما
يتأسس منها على ثوابت القوة المرتبطة بسعة الجغرافية السكانية ككتف قوة
تسند الارادة الوطنية الحرة وانطلاقاتها في رحاب وآفاق الغد الوضّاء.
ان تجربة العرب المريرة مع التمزيق والتشرذم في كيانات واهنة متداعية
وضائعة في عوالم الارادات الجبارة، والتي أفقدت العرب وزنهم الحقيقي في
ميادين وعوالم العطاء الانساني الحضاري العلمي والتكنولوجي فضلا عن
الغاء شبه كامل للوزن في مدارات العلاقات الدولية وجعلتهم عرضة مستديمة
للاهانة كطرف خاسر في كل مفردات هذه العلاقات التجارية والزراعية
والتصنيعية وميادين التطور العلمي والتكنولوجي .. هي ذاتها التجربة
التي تحرك عوامل ومكونات الانتفاض والانبعاث في روح وقلب الجسد العربي
الممزق ... ومن وجع هذا القلب انبثق الانتصار اليمني الوحدوي, وهو
انتصار يعبر تعبيرات مشرقة عن تألق ارادة الفعل الوطني والقومي على
امعان الاعداء في تنفيذ وايغالهم في جريمة الاعتداء على شرف الامة
وأبناءها و على كرامتهم وعلى استحقاقاتهم .ان وحدة اليمن هي التطبيق
الابهى لقانون الحياة ونظمها المتحركة ضد موجات الابادة التي صممت لقمع
هذه الحياة او افناءها بالخنق أو عبر ضجيج ماكنة الشرذمة.
وفي الوقت الذي مارست فيه الوحدة اليمنية دورها العربي القومي التحرري
البارع والرائد في مد بساطها وعنقها من ضفاف خليج عدن المنفتح على
تأريخ متجدد للأمة لتطل على بغداد ولتعلن بهذه الطريقة او تلك ان ما
بين خليج عدن وبين بغداد هو امتداد ما بين القلب والعين في جسد عربي
كبير واحد، واتسعت معالمه لتناجي ارض الكنانة عبر الأحمر الى غربه وعلى
ضفاف المتوسط وبين أذرع النيل والقناة وآثار بصمات عبد الناصر وحلمه
القومي المستديم .. في تلكم اللحظة استيقظت كل ثعابين وأفاعي وعقارب
سايكس _ بيكو، وانتفخت أوداج كل عرّابي الشرذمة فبدأ فعلها المشهود
ليلا ونهارا لتوقف ارادة الامة ورجالها التاريخيين الذين مسكوا خيوط
التوحيد بارادة مؤمنة ونوايا عربية مسلمة خالصة، فتجمعت كل دهاليز
الظلام والتآمر العدواني لتسقط بغداد كجناح من أجنحة الوحدة الشاملة،
كان يرفرف بقوة العراق وكبرياءه وكل عقيدة وتطبيقات أهل العراق
الوحدوية ليظلل ويقوي ويطمئن وحدة اليمن الغالية ويقوي جنبات التأسيس
على وحدة اليمن لتاخذ كامل مداها اليعربي، وكميزان فعل حاصل وقائم على
الارض يغذي ويعزز الأتجاه العقائدي القومي الوحدوي التحرري لحركة
وطلائع الحركة الثورية العربية المعاصرة. وكان نحر العراق بالاحتلال هو
الخطوة الأهم في تأجيج أدوات العداء لوحدة اليمن واستخدام كل المطمور
والباطن من أدوات التجزئة والشرذمة في محاولات يائسة وبائسة لقتل ارادة
الأمة كلها في هذا البلد العظيم وعند شعب هو أصل العروبة ومنبعها.
ان الوحدة اليمنية تحمل كل معاني قوتها ورسوخ كينونتها وبقاءها لأنها:
1- منبع ومصدر القوة لليمن من أقصاه الى أقصاه.
2- الطريق الأنضج والأمثل للارتقاء بمكونات وأسس التنمية البشرية في
هذا البلد المجاهد من أجل الازدهار.
3- هي التعبير الطبيعي عن الوحدة السكانية والجغرافية لهذا البلد على
مدى الوجود الانساني.
4- هي الخط السياسي الذي يحتوي ارادة كل الشعب اليمني وكل قواه الخيرة
والقادر بالتالي على تهميش أي فعل آخر في الاتجاه المضاد.
5- هي الحافز الأعظم لدفع الدولة اليمنية لتحقيق العدل الاجتماعي
والمساواة في كل فرص الحياة لكل أبناء اليمن.
6- الوحدة هي قوة التحريك الأعظم لاسقاط كل أنواع التآمر على اليمن
وشعبه وابقاء الدولة اليمنية كيانا يمتلك قوة القرار والتوجهات في
العلاقات مع الجوار ومع الأبعد.
7- هي الكشاف باضاءات باهرة عن أي موطن للتراجع وعن أي منبت للاختراق
وعن أية صورة كالحة تريد العودة الى الوراء حيث ارادة الشعب تتقدم ولا
يمكن لها أن تخضع لمنطق العودة الى الوراء.
غير ان الأفاعي والثعابين والعقارب والماسكين برقاب سمها الملعون وبرغم
كل معاول التخريب واحتياطات التآمر المطمورة في الخفاء وطيات المجهول
أو البارز والظاهر الى العيان منها لن يتمكنوا بعون من رب العزة من
ايقاف مسيرة دولة الوحدة لان الوحدة اليمنية ليست محض ارادة وانجاز
سياسي، بل هي ارادة وانجاز تأريخي حضاري لشعب اليمن كله وللشعب العربي
كله، بل لكل مسلم حر شريف. ونحن على يقين بان قانون وجدل البقاء هو
الذي سيظل يحكم ديمومة الوحدة ويرصن بناءها ومؤسساتها ويمد قادتها
ورجالها وقواها الطليعية بمؤونة غير منقطعة باذن الله، لتظل اليمن
ووحدتها يقين العروبة الذي يُرتل صباح مساء في أرجاء اليمن السعيد.
نبارك لليمن أعياد وحدتها العظيمة
نبارك للشعب اليمني انجازاته تحت راية الوحدة الخفاقة الى الابد باذن
الله
وندعوا العلي القدير أن يتغلب هذا البلد الطيب، وهذا الشعب الحكيم على
كل مشاكله ويحقق كل تطلعاته في الازدهار والتقدم والعمران
وكل عام واليمن قيادة" وشعبا" بألف خير
|