سقوط الإسلام السياسي في براثن الإحتلال |
|||||||
شبكة المنصور | |||||||
أ.د كاظم عبد الحسين عباس - أكاديمي عراقي | |||||||
لم يعد الانسان العربي في مستوى الوعي العام, كما كان سابقا, غير قادر على تمييز الغث من السمين، ولم يعد هذا الانسان على استعداد للضياع في متاهات السفسطة الكلامية التي ظلّ منظروا التكفير يدورون في عجلتها رغم ان هذه العجلة قد ثُقبت بألف ثقب, بل تهرأت وماعادت قادرة على المضي حتى بمركبة هوس التكفير, لوحدها الى أي مدى يتمناه القانطون خلف مقود هذه العجلة لان التكفير والتكفيرين قد فقدوا واعدموا وسائل تاثيرهم بأديهم بعد أن صار منهجهم التكفيري سيفا سياسيا يقطعون به رقاب خلق من غير أي تفويض.
الانسان العربي واع الآن ويحاور بمنطق قبولا أو رفضا, وهو محمل بأعباء حياتية تجعله يلتصق بواقع معاش، أكثر من الالتصاق بنظريات لفظية جوفاء وطروحات ديماغوجية لايفقه منها شيئا وهو مقتنع انها لاتغني من جوع وليس بوسعها أن تغيّر من مأساة حياته بجزئياتها المختلفة.
ان فكرة تكفير الفكر القومي والاتجاهات السياسية العربية التي تحمله من قبل التيارات المسيّسة للدين بمختلف تشكيلاتها السنية من جهة والشيعية السياسية من جهة اخرى، قد أفل بريقها وخبى لمعان منطق المتمنطقين بها بعد أن صار جليا ان العلمانية، هي ليست العلمانية التي يهاجمونها و يتمترسون خلف كفرها وإلحادها، وان القومية وفكرها ليست كافرة ولا ملحدة بل هي اطار يحتوي فكرا سياسيا وضعيا لا يتعارض مع تديّن الفرد وايمانه، بل هو في جل تعبيراته يسبح في فضاءات الاسلام الرحبة تماما، كما احتوى هذا الاطار الانساني العظيم الاسلام كآخر أديان التوحيد الربانية ومنحه صفة الخلود مع قدرات استثنائية على التجدد والانفتاح الفكري القابل لاحتواء اتساع نطاق الفهم الانساني لمبادئ وركائز العقيدة السمحاء. وان على التكفيرين من أدعياء المذهبية السنية او الشيعية ان ينطلقوا لغسل عار سقوطهم في أحضان الاحتلال الامريكي ومصافحتهم لليهود والنصارى في مخالفة تضعهم في مواضع الكفر والالحاد والفسق والظلالة وفقا لأحكام آيات قرانية كريمة صريحة وواضحة لا جدال في تكفيرها لمن يوالي ويتعاون مع المحتلين وهم يهودا ونصارى.
ان سياسيوا الدين والطوائف امام فاجعة وكارثة حقيقية لا يجدون وسيلة للهرب منها، فيندفع بعض مفكريهم ومنظريهم من العراقيين وغيرهم الى نوع من الهرب الى أمام باستخدام المزيد من سفسطة التكفير ويجهدون أنفسهم ويضيّعون وقتهم بمهاجمة القومية العربية وفكرها الحر الطليعي المؤمن متوهمين ان بوسعهم اعادة تحريك المشهد ذاته الذي حركوه في أزمنة سلفت وانتهت الى تهرؤ طروحاتهم وضياعها خلف أمواج مد الحداثة الفكرية القومية العروبية المؤمنة التي أستطاعت ان تربط بين الفكر القومي التحرري الثائر وبين الايمان والتدين وتقدم نفسها كمنهج واقعي يترك للفرد حرية الانتماء الديني وحرية ممارسة عباداته شعائرا وطقوسا" ويحاول أن يقدم الدولة ومؤسساتها في اطارها العصري الخدمي الذي لا يقتضي ان تكون في كل مفاصلها منتمية الى الشريعة الاسلامية تماما كما تنتمي قواعد وتعليمات أداء الصلاة والصوم والحج ودفع الاستحقاقات المالية والزواج او اية حلقة اخرى من حلقات الحياة المدنية التي لا مناص لاي مسلم او اية دولة مسلمة مهما كانت شرعتها السياسية الاّ ان تتعاطى بها تشريعا وتنفيذا غير انها لاتعني باي حال من الاحوال ان تكون الحكومة شيعية او سلفية او وهابية او غير ذلك من عشرات التوصيفات التي يدّعي كل منها انه الفائز برضا الله سبحانه والضامن للاخرة وما سواها في مآلات اخرى. ففلسفة خطة الانماء البشري مثلا في تعبيد الشوارع وتطوير وسائل الاتصال والمواصلات وقطاع التشييد وفلسفة بناء المدارس والجامعات ككيانات مادية عمرانية وتطوير مصانع الصواريخ والدبابات والسيارات والات الزراعة وأجهزة البحث العلمي كلها يمكن أن يتم التعامل معها دون عودة الى الشريعة لا في شقها الرباني ممثلا بالقران المجيد ولا في شقها البشري ممثلا بسنة رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا تحتاج الى معممين بعمامات بيضاء او سوداء ليصوغوا خطتها او ينفذوا برامجها .. وان منطق الاشتراكية كمظهرمن مظاهر التاسيس لرفاهية الشعب والغاء الاحتكار وايقاف سرقة جهد الأنسان والحفاظ على ممتلكاته ضمن اطار لا يرتفع بها الى مستوى احتكار جهد وعمل وعطاء الانسان لا تتعارض بأي حال من الاحوال مع تشريعات الأسلام التي وردت في القران وفي السنة ولا تتعارض مع الاسلام الحنيف كدين يتميز بالحيوية والقدرة الفذة على التجديد، بل ان بوسع مَن ينظر الى الاسلام على انه دين عدل وحرية وحيوية اجتماعية ان يعتبرها مشتقة من روحه وتتعاطى باخلاقه الحميدة التي هي اساس كل فلسفة الدين بعد التوحيد, اي فلسفة الاخلاق في وصفها العام.
ان جوهر خلاف الاسلامويين مع الفكر القومي السياسي لا صلة له بالاختلاف في مجموعة الشعائر المادية والاخلاقية المعبرة عن الايمان بل هو خلاف يعكس التنافس السياسي لا اكثر ولا أقل، غير ان الاسلامويين يلجئون الى التكفير كوسيلة للتسقيط ليس الاّ. ان استهداف الاسلامويين للفكر القومي هو استهداف قديم يتجدد وهم يعبرون عنه وكأنه هدف استراتيجي وتكتيكي في آن معا لانهم يقبعون خلف كارثة فشلهم في التعبئة وتنفيذ برنامجهم رغم طول الزمن الذي مارسوا فيه هذه التعبئة والذي حملوا فيه روح التطلع للتنفيذ دون جدوى لان المجتمع العربي لم يقتنع بأي من طروحاتهم السياسية ولم تنفتح الساحة السياسية لقبولهم بأي حال من الاحوال.
ان على مفكري السلفية وقريناتها في المسمى السني السياسي من جهة والتشييع السياسي من جهة أخرى أن يجدا حلا لمعضلة انخراطهما في التخطيط والمشاركة لغزو واحتلال بلد عربي مسلم وتدميره تدميرا كاملا .
وعليهما ان يعالجا محنة مشاركتهما في قتل الشعب العراقي على الهوية الطائفية والذي تجاوز عدد ضحاياه من يوم الغزو الى اليوم ما يربو على مليوني عراقي مسلم ومن أديان أخرى متعايشة في العر اق منذ الازل .
وبدل ان يضيّع السلفيون بشكل خاص وقتهم في مهاجمة وتكفير ( القومجيون ) ويعيدون تفسير ايات قرانية مجيدة وأحاديث من السنة ويعيدون نبش السفسطة المتفلسفة التائهة في عوالم الفوضى النظرية التي قادت وتقود الى جدل عقيم, لا لشئ بل للاعتياش والأرتزاق على حلقة العداء هذه التي تضعهم في هذا الوقت بالذات أمام تقاطعات وتعارضات غير حميدة و مدمرة لهم حين يكفرون مسلمين يحملون البنادق ويجاهدون في سبيل الله والوطن ضد المحتل المجرم بل ويضعهم في عربة تجرهم الى أحضان جهنم لانهم يمارسون قتل وتشريد واعتقال وتهجير واغتصاب وسلب ممتلكات لمسلمين ومؤمنين لا يعرفون شيئا عن فلسفة التكفير ولا يفقهون أمرا من طروحات السلفية التي تكفرهم وتسحب منهم ايمانهم بالله في غفلة لا يعلمون بها بل وترميهم في أحضان السعير قبل ان يدخلوا في الحساب الذي وعد به الله الانسان يوم القيامة قبل أن يرميه في اتون النار, بكلام اخر انهم يسحبون من الأرادة الربانية قرارها بيوم للحساب يجري في ضؤه بيان حالة الثواب في جنات الخلد او العقاب الى جهنم وبئس المصير. أو ليس هذا كفر باليوم الاخر؟
ان على الاسلاميين السياسيين من اخوتنا في الله أن يتقوا الله فينا فنحن أدرى بانفسنا منهم .. نحن نقرأ القران الكريم وتفسيره ونلجأ الى أهل الله من فقهاء التفسير ان أعيانا كلا أو جزءا مما نقرأ . نحن لانرى ولا نسمع عن تقاطع بين انتماءنا الى العروبة وانتماءنا الى الله سبحانه وديننا الاسلامي الحنيف ونصوم ونصلي ونحج بيت الله ان استطعنا كما امرنا الله سبحانه ولا نجد اي تعارض بين عقيدتنا السماوية الاسلامية وعقيدتنا الوضعية السياسية من جهة أخرى .
على أهل الاسلام السياسي عموما أن يبرهنوا لمرة واحدة كما برهنا نحن العروبيون القوميون المسلمون المؤمنون بانهم قادرين على تأسيس دولة ونظام سياسي خارج تجربتهم المرة والمريرة تحت ادارة الاحتلال الامريكي الصهيوني الفارسي. عليهم أن يبرهنوا انهم قادرين على اقامة العدل بنظام اشتراكي يمتد هيكله العظمي من شريعتنا السمحاء ولا يتعارض معها بشئ كما فعلنا نحن حين حولنا العراق الى بلد بلا بطالة وبلا أمية والى بلد يتعلم أبناءه من المهد الى اللحد على حساب الحكومة القومية الاشتراكية. وعليهم ان يبرهنوا لمرة واحدة انهم قادرين على الغاء سايكس بيكو جزءا أو كلا كما فعلنا نحن في وحدات عربية فعلية وفي تاسيس الفكر الوحدوي واثراءه وتطويعه لعملية النماء العقائدي المتجدد والمتمثل لحركة الامة تحت مختلف العوامل والتاثيرات .
على أهل الاسلام السياسي ان يخرجوا انفسهم من دائرة الاتهام بوقوفهم ضد وحدة العرب وارتماءهم في أحضان أعداء هذه الوحدة لا لشئ بل ليبرهنوا على فشل الفكر القومجي. وعليهم ان يجدوا الوسائل الناجعة التي تبرئهم من تهم واضحة صريحة على فعل اجرامي عدواني سافر على العرب القومجيون لافشال تجاربهم التي وضعت للنهوض بالانسان وبناءه بالطريقة التي تؤهله لخدمة دينه ووطنه لا لشئ بل لافشال القومجيين والنمو الحزبي على اطلال هكذا فشل يتعاونون فيه ضمنا او صراحة مع أعداء الامة .
على السلفيين ان يبرهنوا ان الاسلام الحنيف عدو للعروبة وللعدل الاجتماعي وللحرية لكي نصدق طروحاتهم في تكفير العروبة وفكرها وعليهم ان يثبتوا علميا ما يدعونه من بهتان الفرقة بين العروبة كاطار وبين الاسلام كروح لكي نغادر العروبة وننتمي لهم ولكن بعد ان يتطهروا من رجس العبودية والفسق والكفر التي سقطوا بها في العراق للاحتلال الامريكي الصهيوني . وأبعد وأخطر من هذا على العديد من مفكريهم أن يثبتوا اسلامهم على انه كقيمة وعقيدة أهم عندهم من تسييس الاسلام كوسيلة لوصولهم الى سلطة قادهم جزعهم وهوسهم للوصول اليها في العراق الى السقوط في اناء العمالة والخيانة وربنا أدرى ما يفعله غير العراقيين من نظائر العراقيين الخونه في دروب ودهاليز وأزقة التامر للوصول الى السلطة .
ان الفشل السياسي المريع للاسلامويين في العراق سنتهم وشيعتهم و عملهم تحت اشراف الاحتلال قد أسقط الاسلام السياسي في محنة الكفر الحقيقي وعلى رجال هذا الاسلام ان يتطببوا من مرضهم الفايروسي هذا قبل ان يقرئوا ويكتبوا ايات من القران المجيد امر الله ان لايمسها غير المطهرين. ونحن نشفق عليهم حين نرى كفارا يكفّرون المجاهدين والمناضلين في سبيل رفعة وعزة الامة العربية المسلمة من الذين يسمونهم قومجيين. وفي نفس الوقت لا يمكننا ان ننسى اخوتنا الاسلاميين المجاهدين بارواحهم واموالهم في العراق وفي اماكن اخرى اذ نتحالف معهم ونشد ازر بعضنا بعيدا عن سفسطة التكفير ومهاترات الجدل البزنطي الذي تهرأ وما عاد يستهوي غير قلة قليلةغير مؤثرة من الذين يعيشون على هامش التاريخ . |
|||||||
aarabnation@yahoo.com |
|||||||
للإطلاع على مقالات الكاتب إضغط هنــا | |||||||
|
|||||||