تتشابك الماسي حتى لاتكاد
تبين لها نهاية , وتتوالد الازمات كالطفيليات في الاجساد المريضة
ويتناسل السراق والقتلة والطائفيون والعنصريون وتجار المناصب
حتى أصبحوا قبائل , وينتشر الجوع والمرض والامية كأنتشار الرمل في
الصحاري , وعندما تتشكل كل هذه الصور مع
بعضها الاخر فأن اللوحة ستفصح عن بلد أسمه العراق . أنه بلاد الرافدين
وأرض السواد وقصص الف ليلة وليلة , الذي بات ينام ويصحو على أنين مئات
الاف من الابرياء , في الف سجن وسجن , وباتت أحيائه زنازين أنفرادية
تسورها جدران كونكريتية , يحرس أبوابها حرس مدججون بالاسلحة , وسيارات
عسكرية تحمل لافتة تقول ( أحذر..أبتعد 100 متر.. قوة مميته ) وعند
أنتصاف الليل تغلق المنافذ وتبدأ المداهمات , حيث تحطم الابواب ويعتقل
الرجال وتسرق الاموال . أنها مدينة ( بوش ) الفاضلة التي أراد لها أن
يكون تطبيقها في العراق , وتكون على غرار مدن هولاكو وجنكيزخان , تلك
التي كانت تفوح منها روائح الجثث والكلاب السائبة التي تقتات على أجساد
الابرياء , ويولول الجوع بين أزقتها وطرقاتها , بينما ينعم هو وخلفائه
في المنطقة الخضراء بالثروات .
لقد خبى كل ذاك الوهج للمفاهيم السامية التي قاتلت من أجلها الامم وضحت
في سبيلها شعوب الارض, وهي الحرية والاستقلال والديمقراطية والسيادة
وحقوق الانسان والرأي والرأي الاخر حينما
تناقلت وسائل الانباء على مدى سبع سنوات منذ العام 2003 أخبار العراق ,
تلك الواحة الديمقراطية التي بشر بها الاعداء , فأذا بها مستنقع للجوع
والفقر والجهل والقتل والدمار ولم ترتفع في سمائها سوى دعوات المظلومين
والمكلومين والثكالى , بعد أن أوهموا الناس بناطحات السحاب وروائع
العمران , ولم يكسب الوطن ككيان سوى المراكز الاولى في الفساد وهدر
الثروات وعدد الارامل والايتام والاجئيين في دول الجوار , وها هي
وكالات الانباء تعود مجددا لتتبارى في عرض أخر ثمار الديمقراطية
العراقية , سجون سرية وأكياس بلاستيكية توضع في رؤوس المعتقلين لمنع
الهواء عنهم , وصدمات كهربائية في الاعضاء التناسلية لايقاضهم من
غيبوبة التعذيب , وأجبار بعضهم على ممارسة الجنس الفموي مع بعض
القائمين على السجن , وهتك الاعراض بالعصي ومواسير المسدسات , والتهديد
بأغتصاب الامهات والاخوات , وأقتلاع أضافر الايدي والارجل وحرق الاجساد
بالاحماض والسجائر , وأجبار المعتقلين على التوقيع على محاضر أعترافات
لاأساس لها تأخذ بالاكراه , كي يخرج رئيس الوزراء بعد أربعة وعشرين
ساعة من كل تفجير دامي , متفاخرا بأن أجهزته الامنية القت القبض على
الذين قاموا بالتفجير , في زمن قياسي لم تبلغه حتى أعرق أجهزة الامن
العالمية.
أن أشارة منظمة ( هيومان رايتس ووتش ) الى أن السجن السري الذي كشف
النقاب عنه في مطار المثنى كان يضم قضاة تحقيقات , يبدو أنهم كانوا
متواطئين مع أعمال التعذيب , حسب أعترافات بعض السجناء بأن أحد القضاة
كان يستمع الى القضايا في غرفة بالقرب من أحدى غرف التعذيب , أنما يشير
الى أن غالبية القائمين على السجون هم من الجهلة والآميين والساديين
والمتاجرين بالام الناس , وليس لديهم حتى الحد الادنى من ثقافة حقوق
الانسان , بينما يتحكموا بمصير الكثير من نخب المجتمع , الذين يشكلون
الغالبية العظمى من السجناء الذين تمتلا بهم السجون السرية والعلنية
وقد عانى كاتب هذه السطور من أمثال هؤلاء المحققين , الذين كانوا
يفاخرون بمؤهلاتهم الوحيدة وهي خبرتهم في التعذيب التي أكتسبوها من
تعذيب الجنود الاسرى العراقيين أبان الحرب العراقية الايرانية , وحقدهم
على كل من يمثل ثروة وطنية أو أكاديمية أو ساهم في الدفاع عن
العراق,وهو الدافع الوحيد الذي جعل التعذيب هو القاعدة كما أشار لها
(جو ستورك) مدير برنامج الشرق الاوسط في ( منظمة هيومان رايتس ووتش)
عند قوله ( يوحي الرعب الذي عايناه بأن التعذيب كان القاعدة داخل سجن
المثنى ) , بل أن شهادات كل السجناء في السجون السرية والعلنية
الموجودة في كل العراق (الجديد ) تشير الى أن الذي جرى في هذا المكان
هو نموذج لما يجري في كل الاماكن الاخرى وأن التقليل من أهمية الجريمة
على لسان المالكي , الذي يتصدر السلطة التنفيذية في العراق والنأي
بنفسه عن مسؤولية ماحدث , وأتهام شركائه في ( العملية السياسية )
بأثارتها ضده , ووصفها بأنها مجرد أكاذيب وحملة تشويه ,وأدعائه( ليست
هناك أي سجون سرية في العراق مطلقا ) , أنما يشير الى أنعدام الفهم
الشفاف لمعنى تحمل مسؤولية شعب ووطن , وأحقاق الحقوق ودفع المظالم التي
هي من أولويات السلطات, وهو دليل على أن كل المواقع والمناصب والهياكل
السياسية والادارية وحتى القانونية , هي مجرد أطر شكلية لاتمت بصلة الى
نظيراتها في دول العالم, وحسنا فعل المالكي وهو يقارن جرائمه بالجرائم
الامريكية عندما يقول ( أمريكا هي رمز
الديمقراطية , ومع ذلك وقعت أنتهاكات سجن أبو غريب , أذن ماهي المشكلة
, وعلام كل هذه الضجة ) , وهو أستهانة سافرة بالدم العراقي .
أن فضيحة سجن المثنى السري هي فضيحة أخلاقية لكل أطراف (العملية
السياسية) , فغالبية أحزابهم تمتلك سجونا سرية , ومفارز مسلحة تلقي
القبض على المعارضين , حتى أن نائبة برلمانية عراقية أمرت حمايتها
بمراقبة ورصد أحد الاشخاص , والقت القبض عليه بتهمة قتل والدها دون علم
القضاء بكل هذه الاجراءات , بل أن الصدريون كانوا قد شكلوا محاكم سموها
(شرعية) في رصافة بغداد أبان الحرب الطائفية , أصدرت أحكاما بأعدام
الكثير من الابرياء لاسباب انتقامية , أو تحت تهم ( البعث الصدامي
والتكفيري ) , كما أن منظمة بدر كانت تصدر قوائم شهرية بأسماء المرشحين
للقتل كي توعز لعناصرها التنفيذ , ولازالت سجونهم السرية في أيران تضم
المئات من الابرياء الذين تم نقلهم اليها للتحقيق والتعذيب , أما الحزب
الاسلامي العراقي فقد أكتفى بدور المخبر السري للقوات الامريكية ,
لتلفيق التهم الكيدية ضد عناصر المقاومة , وأن تصريحات وأعتراضات البعض
من السياسيين على أحداث سجن المثنى لايعدو أن يكون نفاقا سياسيا
ومتاجرة مقززة بمأسي الابرياء , في سبيل مصالح ضيقة تدخل في نطاق جمع
أوراق ضغط لاغراض الابتزاز الرخيص,لان الجميع كان يعلم به وبسجن
(السدة) و(المدائن) التي لم يتم الكشف عنها لحد الان , والتي حقق معنا
فيها مسؤولين كبار في السلطة الحالية , لكنهم أثروا الصمت وعدم الكشف
عنها لاستخدامها الى مابعد أنكشاف غبار معركة الانتخابات .
أذن اليس من حق شعبنا أن يسأل لماذا أشار طارق
الهاشمي- وهو الذي يفترض ان لاينطق عن الهوى بأعتباره نائب رئيس
الجمهورية- الى وجود سجون سرية في حديث له قبل بدء الانتخابات دون أن
يكشف عنها ؟ وماالغاية من وراء ذلك ؟ ولماذا هو يعلن الان عن وجود سجن
سري أخر يقول أنه يبعد عن المنطقة الخضراء أمتار قليلة ؟
لقد أشتركت جميع الاطراف بتغييب العراقيين الابرياء بهذه الجرائم ,
وضاعت الكثير من حقوق الايتام والارامل من جراء ذلك , وأن هذا السلوك
الاجرامي ما هو الا محاكاة لسلوك المحتل الذي أمتلك عشرات السجون
السرية في العراق , كان يساق لها الكثير من المعتقلين لقضاء شهور فيها
لاغراض التحقيق , يواجهوا فيها شتى أنواع الاضطهاد والتعذيب , قبل
نقلهم الى السجون المعلن عنها , كما مارست أطلاعات الايرانية نفس الدور
القذر في العراق , وقامت بخطف الكثير من الضباط الذين أشتركوا في الحرب
العراقية الايرانية , وتغيبهم في سجون سرية في أيران , وكذلك عدد من
ضباط المخابرات العراقية السابقين الذين عملوا في متابعة النشاط السري
الايراني قبل العام 2003 ومصادر المعلومات , بعد أن أستدلوا على عناوين
سكنهم من الاضابير التي باعها لهم بعض الغوغاء مقابل حفنة دولارات ,
والذين كانوا يقفون في طوابير أمام السفارة الايرانية في منطقة الكرادة
, أمام مرأى من المارة حاملين تلك الاضابير المسروقه .
أن بكائيات وزيرة حقوق الانسان , ونقابة المحامين العراقية , والمنظمات
الدولية المهتمة بحقوق الانسان , والزعيق الكاذب لبعض السياسيين وشيوخ
العشائر ورجال الدين , لن تعيد عرض هتك , ولن تحي بريء مات تحت التعذيب
, ولن تشفي جسدا عوق , ولن تعيد البسمة على شفاه أرملة أو يتيم .
|