خطوةً بعد خطوة، وإجراءً
بعد إجراء، يمضي المشروع الصهيونيّ إلى غايته. المشروع الذي رُسِمَتْ
أبعادُه، منذ مؤتمر (بال) في سويسرا. المشروع الذي يرمزُ له الخطان
الأزرقان على العلم الصهيونيّ: (الفرات والنيل حدودك يا إسرائيل).
وأمامَ كلّ خطوة يتقدم فيها العدوّ في مشروعه، تقوم حكوماتنا
ومؤسّساتنا القومية، الرسمية والمدنية، بالتراجع المموّه بحديث السلام،
ومصطلحات: الحكمة، وبعد النظر، وحسن السياسة!.
لفهم حقيقة المـوقف الصهيونيّ، علينا أن نعـودَ إلى أبجديات الصهاينة
(المؤسّسين)؛ إلى حديث (غولدا مائير)، يومَ كانت تتنكّرُ لحقيقة وجود
الفلسطينيين، وتعتبرُ وجودَ (الفلسطيني) أسطورة التاريخ، ووجود
(فلسطين) أسطورة الجغرافيا. هذا الموقف هو التعبير الحقيقيّ عن الرؤية
الصهيونية والموقف الصهيوني. وكلّ حديثٍ صهيونيّ خارجَ هذه الحقيقة،
إنّما هو أبخرة ملونة، تثيرُ الضباب، وتَغشَى أبصارَ الذين لا يعلمون..
ومع كل صباح، يتقدّم الموقفُ الصهيونيّ خطوة، على طريق قضم الأرض
والتراث والإنسان: فجدارٌ وحصارٌ واستيطان، وضمّ واستلحاقٌ وسلخُ هوية،
واعتقالٌ وحصارٌ وتجويع. واليومَ يعود الدور إلى سياسات التشريد من
جديد..
وها نحن أولاء، اليومَ، أمامَ تهديدٍ بنكبة جديدة!. ها نحن أولاء،
اليومَ، أمامَ قرارٍ صهيوني، متغطرس ومستهتر وغاشم.. يقضي باقتلاع
أكثرَ من سبعين ألف فلسطينيّ من أرضهم وديارهم!. ولن يضرّ الرئيس
(أوباما)، أن يطالب المسئولين العرب، بالمزيد من متطلّبات حسن النية،
وبالمزيد من المبادرات، للتعبير عن الحرص على السلام المجيد!
من القمة العربية، حصل نتنياهو على ستة أشهر هدية (زمن معطى)، لتحقيق
المزيد من الأهداف، وجني المزيد من الأرباح، ليظلّ القرارُ العربيّ في
دوّامة العجز المهين.
إن القرار الصهيوني الخطير، بترحيل عشرات الألوف من الفلسطينيين،
ستتبعه قرارات!. وسيجدُ الموقفُ العربيّ، كلما غاص أكثر، في بحر
الهوان، أنّ هذا البحرَ لا قاعَ له، ولا قرار..
إن قرارَ التطهير العرقي الخطير، بسوابقه ولواحقه المنتظرة.. يفرضُ
استحقاقاته على الفلسطينيين ليغادروا ليلَ انقسامهم، وأن يوحّدوا تحت
راية المقاومة والرفض صفّهم، وأن يتوقّفوا عن مضغ أحاديث السلام، وعن
الحلم بحقّ يعودُ على كفّ التمنّي أو الاسترخاء!. لقد قامت منظمة
التحرير الفلسطينية، منذُ عقدين، بتعديل ميثاقها الوطني.. ولكن لم
تَجرِ أيّ مراجعة لمقرّرات المؤتمرات الصهيونية. هذا ما يقوله صندوقُ
الاقتراع الصهيونيّ، وهذا ما تخدمه، بإخلاص، الحكوماتُ الصهيونية، وهذا
ما تعبّرُ عنه السياساتُ الصهيونية، خطوةً بعد خطوة، وصباحاً بعد
صباح!.
يفرضُ القرارُ الصهيوني، المستهترُ بالحقوق العربية وبالمبادرة
العربية، على الموقف العربيّ والإسلاميّ: على الحكومات، والمؤسّسات
المدنية، والجماهير.. استحقاقاً خاصاً، استحقاقاً يتبنّى سياسةً تقول
للمعتدي الصهيونيّ: كفى.. سياسةً لا تسحبُ المبادراتِ وتقطعُ العلاقاتِ
فقط، وإنّما تعودُ بالقرار العربي إلى عصر اللاءات، وسياسات المقاطعة،
والإعداد العمليّ لحسم الشرّ، بما لا ينحسم إلاّ به..
استحقاقٌ يفرضُ على الحكومات العربية، أن تتوقّفَ عن عكس خلافاتها على
الموقف الفلسطيني، وأن تتوحّدَ، جميعاً، خلفَ دعم المقاومة، وإعطائها
فرصتها التاريخية، والنصرة المطلقة لكلّ من يستعدّ لها حقاً، ويحملُ
رايتها بصدقٍ وإخلاص!.
استحقاقٌ يفرضُ على السياسيّ والمثقف، ووسائل الإعلام العربية.. أن
يراجعَ كلّ طرفٍ منها، لغته ومصطلحاته وعقيدته القومية وسياساته
الإعلامية..
إن جماعة الإخوان المسلمين في سورية، لتدعو الجماهير العربية
والإسلامية وقياداتها، أن تأخذَ زمامَ المبادرة، للتصدّي للمخطّطات
الصهيونية، وأن تعودَ إلى بؤرة الحدث، لتبحثَ عن دورها التاريخي، وأن
تعلمَ أنها إذا تخلّت وخلّت، فإن القادمَ سيمتدّ إلى القاهرة ودمشق
وحلب وخيبر.. وإلى كل ما حواه ذراعا الفرات والنيل.
إنّ القرارَ الصهيونيّ الأخير، يتحدّى الشرعيةَ الدولية، والقانونَ
الدولي.. يتحدّى الإدارة الأمريكية، كما يتحدّى دولَ الاتحاد الأوروبي.
وليس من شأننا أن نعلّمَ هؤلاء، كيف يدافعون عن مقرّراتهم، وعن
مكانتهم.. ويتخلّوْن عن سياسة المعايير المزدوجة، لكننا يجبُ أن نُنهيَ
إليهم، أن يحذروا، من الظنّ، بأن في حلّ العُقَد على حساب هذه الأمة
حلاّ. والله غالبٌ على أمره، ولكنّ أكثرَ الناس لا يعلمون.
|