لم يستفز، الفلم الذي بثته
قناة الشرقية الفضائية العراقية عن تعذيب مواطن عراقي شريف في أحد
مراكز الشرطة في بغداد حتى الموت ورقص الجناة فوق جثة المجني عليه،
مشاعر العراقيين وحدهم، بل أنه استفز مشاعر كل انسان على كرتنا
الارضية.
وجاء عرض هذا الفلم بعد فضيحة السجون السرية للحكومة العراقية والتي
يقبع فيها عراقيون أبرياء ينالون التعذيب لأنهم عراقيون، مما أثبت لي
وللآخرين ما تردد في السنة الأولى للاحتلال الأمريكي للعراق عن تعهد
قدمه السيد عبد العزيز الحكيم للقيادة الإيرانية بأنه سيصفي كل عراقي
شارك في الحرب العراقية الإيرانية ولو بالعاطفة.
إن ما يجري اليوم في العراق يأتي مصداقا لذلك التعهد، الذي لم يفرق بين
عربي أو كردي أو تركماني، بين مسلم أو مسيحي أو صابئي أو يزيدي، بين
شيعي أو سني.. فالمستهدف هو العراقي من كل لون وجنس، وهذا ما يعطيك
مؤشراً عن الحقد الدفين لـ "الإسلاميين" في إيران الذين يريدون تصدير
هذا الحقد إلى كل زاوية في العالم عبر ما يسمونه "تصدير الثورة".
التسريبات التي صدرت عن وزارة الداخلية العراقية حول الفلم الذي عرضته
قناة الشرقية الفضائية العراقية أكدت أن الشاب المغدور اسمه "عمر" وهو
من سكنة الموصل حمام العليل وقد تم التحقيق معه في مكافحة الارهاب ولم
تثبت عليه تهمة لذا أرسل الى مركز باب الشيخ في بغداد تمهيداً لاطلاق
سراحه وتسفيره إلى الموصل، إلا أن شخصاً اسمه صباح ساهر حسن
أصدر أمراً بتعذيبه بناءً على أوامر صدرت إليه من شخص اسمه مهند جاسب
البهادلي، كان شرطياً ورقّي إلى رتبة ملازم أول.
والبهادلي هذا عليه 17 مجلساً تحقيقياً في وزارة الداخلية لاتهامه
بتعذيب أبناء طائفة معينة في العراق وقتلهم، فهو، كما أشير إليه، مختص
بخطفهم وتعذيبهم أو مقايضتهم مقابل المال، وهو أيضاً مسؤول عن قتل
كثيرين منهم ورمي جثثهم في مكبات النفايات.
ولا تقتصر مواهب البهادلي هذا ـ كما قالوا ـ على ذلك فقط، فهو متهم،
أيضاً، باغتصاب السجينات وإجبار الفتيات على الرذيلة وتصويرهن والضغط
عليهن للقيام باعمال معينة تحت تهديد إشهار هذه الافلام، وبيه وبين
متنفذين في وزارة الداخلية اتفاقات على تقاسم مبالغ الفدية عن
المخطوفين، وأنه من سكنة ( مدينة الصدر ).
أنا لا أزعم أن هذه التهم ثابتة على البهادلي، فهو متهم والمتهم بريء
حتى تثبت ادانته، ولكن على الرغم من هذه التسريبات كلها والتي يتداولها
الشارع العراقي فلم نسمع اعلاناً رسمياً عن التحقيق مع مهند جاسب
البهادلي ومن نفذ أمره بالتعذيب الوحشي صباح ساهر حسن، لكي يعلم الناس
أن الحكومة ليست شريكة في هذه الجريمة البشعة، وأنها تحترم شفافيتها
وتطبقها، بل أن التعتيم الحكومي على هذه القضية التي فضحت مصادفة كما
فضح أمر السجون السرية يشي بأن الحكومة متورطة في تصفيات طائفية
العراقيون منها براء.
لا أشك أن ما حصل للمواطن المغدور عمر رحمه الله حصل لمئات وآلاف مثله
لم تسلط على موتهم كاميرا ولا ضوء، وهذا ما يستدعي تنديدا واستنكارا
وشجباً من شعوب العالم وضغطاً على حكوماتها لانقاذ شعب وجد نفسه في
محرقة احتلال سلط عليه من لا يرحمه ويريد تصفيته.
أنا على مثل اليقين أن هذه التصفيات للعراقيين ستتصاعد وتيرتها ويشتد
أوارها، سواء عبر الاغتيالات المباشرة أم التفجيرات الارهابية
المستنكرة المستبشعة التي تنفذها جهات لا نبرئ الأحزاب السياسية التي
تستقتل للاستحواذ على السلطة منها كما لا نبرئ الاحتلال من صنعها
واطلاقها لقتل العراقيين..
إن الحكومة المقبلة لن تشكل على وفق ارادة العراقيين، ولا حتى على وفق
إرادة الذين خيروا بين الغزال والأرنب بشرط أن يختاروا الأرنب في
الانتخابات، وهذا التصارع على السلطة سينتج المزيد من القتل، ليس
للسياسيين الذين لم نسمع بمقتل أحدهم يوماً، بل للمواطنين العراقيين
الأبرياء.
لكن الجانب المضيء في الأمر أن المقاومة العراقية الباسلة التي نجحت في
توحيد صفوفها ستوجه ضرباتها الماحقة بنحو أشد للمحتلين الأمريكان حتى
في قلب القواعد التي اتخذوها جحرا لهم خارج المدن العراقية.
ورحم الله المغدورين العراقيين جميعا الأحياء منهم والأموات..
|