قدّم رئيس لجنة الأمن
الداخلي في مجلس الشيوخ جو ليبرمان الخميس (6/5/2010) مشروع قانون يسحب
الجنسية الأميركية ممن يقال انهم "يساعدون الإرهابيين".
التشريع، موجه بطبيعة الحال ضد المسلمين. وبما ان حيط هؤلاء الناس واطي
للغاية ومن السهل التعدي على أبسط حقوقهم، فلن يمضي وقت طويل قبل أن
يصبح هذا المشروع قانونا. وبعد ذلك فان دولا غربية كثيرة سوف تتبنى
قانونا مماثلا، وهو ما يعني توجيه رسالة تهديد (غير مبطنة) لعشرات
الملايين من المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة والدول التي
تؤيد مفاهيمها عن الإرهاب.
والإرهابيون أنواع، والسيد ليبرمان لا يحدد نوع الإرهابيين الذين، إذا
تمت مساعدتهم، يكون سحب الجنسية إجراء لا بد منه.
وأحسب انه لن يتسرع في القول ان مشروع القانون سوف يشمل "مساعدة كل
أنواع الإرهابيين". فمع الحاجة الى وضع تعريف قانوني واضح، فان السيد
ليبرمان، إذا قرر شمول كل أشكال الإرهاب، فانه سيكون أول من يجدر سحب
الجنسية الاميركية منه.
لقد تحاشت الولايات المتحدة على الدوام ان تحدد مفهوما واضحا للإرهاب.
وهناك مطالب عديدة تم تسجيلها لدى مجلس الامن الدولي، منذ ربع قرن على
الاقل، تطالب بوضع تعريف للإرهاب.
وكان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد واحدا من أوائل زعماء العالم
الذين انتبهوا الى المفارقة بين ممارسة الإرهاب وبين إدانته من قبل
الدول نفسها التي تنصب نفسها قاضيا. ولعدة مرات، تحت قيادته، تقدمت
سورية بطلب الى مجلس الأمن لوضع ذلك التعريف، إلا أن الولايات المتحدة
أحبطت المحاولة تلو الأخرى. لانها كانت تعرف ان التعريف، مهما كان
"ملغمطا" فانه سيقدم وصفا تلقائيا لما تقوم به الولايات المتحدة، كما
انه سيشكل نسخة طبق الأصل لما لا تعرف إسرائيل شيئا آخر سواه.
مشروع ليبرمان سوف يُوقع الولايات المتحدة في ورطة، لانها ستجد نفسها
تفعل، أخيرا، ما ظلت تتحاشاه.
وبافتراض أن سحب الجنسية إجراءٌ لا يمكن اتخاذه من قبل وزارة الخارجية
أو وكالة المخابرات المركزية وحدهما، فان المحاكم سوف تتورط في الفصل
في قضايا سحب الجنسية.
والقضاة سوف يجدون انفسهم بحاجة الى مفهوم واضح، يحيلون اليه أحكامهم.
وهم سوف يسألون جهة التشريع السؤالين البديهيين الأولين: ما هو
الإرهاب؟ ومن هم الإرهابيون؟
وبطبيعة الحال، فأن يتم توجيه الاتهام لأحد ما بأنه "يساعد الإرهاب"
سوف لن يكون مقنعا ما لم يتم تقديم دليل يثبت ان "المساعدة" مساعدة
بالفعل، وأن "الإرهاب" إرهاب بالفعل.
وإذا اتفقت جهات التشريع على وضع تعريف، فلسوف تتوفر للجميع القاعدة
القانونية التي تثبت ان السيد ليبرمان عضو في منظمة إرهابية، وانه
يساعد الإرهاب، وأن جنسيته يجب أن تُسحب.
"قتل المدنيين لتحقيق أغراض سياسية" هو أحد أكثر التعريفات تداولا عن
الإرهاب. إلا أن هذا التعريف لم يتحول الى تشريع بعد، ولم تُستخرج منه
الخلاصات القانونية الضرورية للفصل بين الإرهاب و"الأعمال الخيرية"
التي تقوم بها "بلاك ووتر" (على سبيل المثال)!
"بلاك ووتر" تستطيع أن تقول انها "تقتل المدنيين لتحقيق أغراض مادية"
فحسب، وأن لا أغراض سياسية لها. وهو ما سوف يساعد في رسم خط يفصل بين
"الإرهابيين" و"المرتزقة".
مع ذلك، فان الاستعانة بمرتزقة، يكاد يشكل ثلاثة أرباع الجهد التعبوي
الذي يقوم به البنتاغون. وهذا وضعٌ يعني أن البنتاغون نفسه منظمة
مرتزقة على الاقل، إلا إذا اعترف مخططوه انهم يقومون بأعمالهم لأغراض
سياسية وليس مادية. وفي ما عدا هذا وذاك، فلن يبقى سوى "الأعمال
الخيرية". وهذا إدعاء لن تصل الصفاقة بالولايات المتحدة الى أن تدّعيه.
لقد ذهب أسامة بن لادن ليقتل مدنيين لتحقيق اهداف سياسية. ولهذا السبب،
فنحن نعرف ان إبن لادن إرهابي تجوز ملاحقته، كما يجوز سحب الجنسية من
كل مؤيديه.
ولكننا نعرف ان الولايات المتحدة ذهبت الى العراق لتفعل الشيء نفسه.
فهي قتلت مدنيين لتحقيق أغراض سياسية، بل وشجعت على تنظيم مليشيات
طائفية وفرق موت ارتكبت كل ما أتيح لها من أعمال وحشية. وكانت الولايات
المتحدة ترى كيف تتراكم أكوام جثث المدنيين على الأرصفة، من دون أن
تتدخل لوقف مجزرة طالت مئات الآلاف من البشر. كل ذلك من أجل أن تقيم
نظاما سياسيا جديدا يخدم مصالحها، وهي استعانت بمرتزقة ظلوا يقتلون من
الأبرياء ما أصبح يناهز مجموع ضحايا قنبلتي هيروشيما وناكازاكي مضروبا
بخمسة.
فإذا كانت كل تلك الجرائم، جرائم من وجهة نظر القانون، فان مقاومتها
يفترض أن تكون عملا مشروعا. بل إن من الإرهاب وتكريس الجريمة إعتبار
مقاومة الجريمة إرهابا. وذلك طالما ان القانون يعتبر التستر على
الجريمة جريمة أيضا.
لقد ارتكبت الولايات المتحدة الكثير من الجرائم. الكثير جدا. الكثير
الى درجة ان جنودها صاروا يفضلون الإنتحار على مواصلة أعمال القتل.
الكثير الى درجة ان الكثير من هؤلاء الجنود صاروا مرضى نفسيين، لكثرة
ما مارسوه من أعمال وحشية.
ومقاومتهم لا بد أن تكون عملا مقدسا، إنسانيا ونبيلا لانه يحفظ للبشرية
قيمها وكرامتها.
والى حد ما، فان إرهابيي بن لادن كانوا يكتفون بالقتل. إلا أن ارهابيي
ليبرمان أضافوا الى القتل أعمالَ تعذيبٍ وحشيةً، واعتقالاتٍ عشوائية،
واقامة سجون سرية لمواطنين (بعضهم يحملون الجنسية الاميركية) ثبت انهم
أبرياء.
ولكي تزيد الولايات المتحدة الطين بلَة، فانها سمحت لمليشيات المرتزقة
الذين سلمتهم السلطة في العراق باعتقال وتعذيب واغتصاب وقتل عشرات
الآلاف من الأبرياء الذين كان يتم القاء القبض عليهم فقط لاعتبارات
"الصدمة والترويع".
كل أعمال القتل والانتهاكات التي مارستها المليشيات الحاكمة في العراق،
في ظل الاحتلال (بكل ما يعنيه الأمر من مسؤوليات قانونية) كانت بالأحرى
استمرارا لاستراتيجية "الصدمة والترويع" التي تبنتها الولايات المتحدة
في الحرب لتدمير العراق.
ولكي لا يقول ليبرمان انه لم يسمع بالمفهوم الأخير، فان "الصدمة
والترويع" لم تكن استراتيجية سرية يتم العثور عليها في الايميلات
والرسائل المشفرة بين الإرهابيين، بل سياسة رسمية تبناها البيت الأبيض
وهي موثقة جيدا، وهدفها العملي الوحيد هو قتل المدنيين لترويعهم وترويع
نظامهم السياسي!
و"الترويع"، تعريفا، هو نفسه الإرهاب.
لا يوجد قاموس على وجه الأرض يستطيع أن يقول شيئا آخر.
والمرء ليشفق على قضاة الولايات المتحدة. لانهم سوف يكونوا بحاجة الى
الكثير من النفاق، والكثير من انعدام الضمير، والكثير من عمى القلب،
لكي يقبلوا تعريفا للإرهاب لا يأخذ بنظر الاعتبار أعمال الإرهاب
والارتزاق التي يساعدها السيد ليبرمان.
أما المسلمون، فالمرء ليشفق عليهم أكثر. فهم ضحايا إرهابين في آن معا.
الأول، يتسمى بإسمهم لكي يحولهم الى طريدة، مع انه ارهاب غبي، وصاحبه
أحمق، كلفنا ملايين الضحايا (بين قتلى وجرحى ومُشردين ومُعذبين) ولم
يكلف الولايات المتحدة اكثر من بضعة آلاف.
والثاني، يجد متعة عنصرية خالصة في أن يستوطي حيطهم بإسم مكافحة ارهابٍ
لم يكن بدوره إلا وبالا عليهم.
مسلمو الولايات المتحدة يكسبون احتراما لأنفسهم أكثر لو انهم طالبوا
المحكمة الأميركية العليا بوضع تعريف للإرهاب، وسعوا (بناء عليه) لسحب
الجنسية من السيد ليبرمان.
ولا داعي للخوف على ليبرمان. فهو لن يتشرد. فلديه كيان يستطيع أن
يأويه. وهو كيان مثل حوض القاذورات: مليء بالإرهاب، بل لم يعرف شيئا
سواه.
|