تعرفت عليه من خلال الشبكة
العنكبوتية، فقد تمكنت من التواصل معه بعد إصراري على محادثته، إذ
تعرفت عليه من خلال إحدى المواقع الجهادية التي يكثر فيها جنود الجهاد
الإعلامي، وأخذت أدخل معه في نقاشات وحوارات مطولة، تمتد لساعات طوال،
تبادلنا فيها الخبرات، بل وأصبح أحد أهم ادواتي الإعلامية، فمنه تعلمت
الكثير الكثير، فهو أحد فرسان الشبكة العنكبوتية.
يومها ظننت ان عمره لا يقل عن الأربعين عاماً، قبل أن أكتشف في نهاية
المطاف بأنه لا يتجاوز العشرين عاماً بعد، فتزودت منه بالكثير من
المعرفة، رغم فارق السن الشاسع بيننا، فكان أنموذجاً يحتذى به، فهو
يمتلك خبرة يفوقني فيها وأنا المتخصص في الإعلام وخريج كلياتها، في حين
أن مدرسته الإعلامية لم تكن تتجاوز شاشة حاسوبه الشخصي وشبكته
العنكبوتية.
نموذج آخر هز أوكار جميع مراكز المخابرات العالمية من (سي آي إيه) الى
الـ(موساد) الى الـ(سكوتلانديارد)!، هو شاب مسلم، يقيم في بريطانيا،
ليبي الأصل كما تشير مصادر الأخبار، ويستخدم شبكة الإنترنت بذكاء حاد،
حتى انه تمكن من إختراق تحصينات المخابرات الدولية شديدة التعقيد، وفك
شفراتهم وتنصت على مكالماتهم، وتجسس على ملفاتهم فجعل من أسطورتهم
الأمنية كلعبة يتداولها صغار القوم، فأصبح هذا النموذج المسلم أحد اهم
العناصر الجهادية في أوربا بتلاعبه بهم، وعدم قدرتهم على النيل منه بعد
عجزهم من الوصول إليه.
نموذج ثالث بات مضرب الأمثال لمسلمة مجهولة الهوية أخذت تعين إخوتها في
ساحة الجهاد، وتجمع لهم التبرعات والإعانات بطريقة ذكية، مستغلة خبرتها
في مجال الأنترنت، هذه المرأة المسلمة، التي لا يعرف أحد البلد الذي
تقيم فيه، أخذت تجمع عن طريق الإنترنت أخبار المجاهدين، واللقاءات
الصحفية مع كبار قادة المجاهدين في الشيشان، وخطاباتهم، وأشعار،
وقصائد، وأناشيد، وقصص وحكايات لشهداء مقاتلي الإسلام في ذلك البلد
المغتصب، ثم وضعتها في ملف مشفر وقامت بتوزيعه على متصفحي الإنترنت،
مقابل دولار واحد لكل من يرغب في الإطلاع عليه، وبالفعل نجح مشروعها في
الحصول على دعم كبير من عامة الناس للمجاهدين، حيث كانت تحرص على إيصال
تلك المبالغ الى مجاهدي الشيشان بتأكيد منهم، فعرفت بين إخوتها
بـ(المسلمة الحديدية)، وقد حذا حذوها الكثير من الشباب المسلم بعد ان
فتحت لهم بذكائها الحاد ومعرفتها في بواطن الشبكة العنكبوتية الطريق
لخوض حرب من نوع خاص، فشكلت مع عصبة من شباب الأنترنت مجموعة جهادية
لدعم المجاهدين بالمال في تلك البقعة العصية على الروس.
الإنترنت، أحد ميادين هذه المعركة التي تعد ساحتها الشبكة العنكبوتية
وجنودها مجهولي الهوية، سلاحهم الكلمة التي لها وقع على النفس عظيم،
هدفهم كسر الطوق والحصار الإعلامي على الأمة حيث سيطر الأعداء على أغلب
وسائل الإعلام، فلا ينشرون إلا ما يريدون، ولا يبثون إلا ما تصوره
كاميراتهم، وتصيغه أقلامهم، وينتجونه في استوديوهاتهم المشبوهة، وهو ما
دفع فصائل المقاومة والجهاد سواء في العراق أو في بقية مناطق الساحة
الجهادية الى استغلال الإنترنت الذي تضعف رقابة المحتلين عليه بعد أن
أصبح ميدانه أكبر من أن تتم السيطرة عليه، وأوسع من أن يتم حجبه عن
متصفحيه ومستكشفيه، فبات أحد أهم وأبرز الوسائل التي يعتمدها المجاهدون
لنشر أخبار وتطورات الساحة الجهادية اليوم، حتى باتت أخبار جند الله
تجدها في كل دولة، وكل حي، وكل مقهى، وكل دار.
فيهم العراقيون، ومنهم العرب، والمسلمون، ويشكلون في غالبيتهم مجاميع
صغيرة متخصصة في الجوانب الإعلامية، بعضهم يعمل وسط هذا الضجيج المسلح
من داخل البلد، وبعضهم من الخارج، بعضهم يمتلك المؤسسات المستقلة
والقائمة بحد ذاتها، والبعض لديهم البدائل لهذه المؤسسات، والمسؤولون
عن هذه المكاتب، بعضهم من رجالات الأعلام السابقين وبعضهم تخرج من
معاهد جهادية خاصة.
لقد ظلت ماكينة الإعلام الجهادي الإنترنيتي يلفها الغموض، فأذهلت الطرف
الآخر، من ناحية الدقة والخبرة والإمكانيات، فحاولت القوات الأميركية
والحكومية اختراق المكاتب الإعلامية للجماعات المسلحة الذي يمثل
الإنترنت شريان الحياة لها، لكن، وحسب ما أثبتته الأيام والوقائع، عجزت
عن ذلك لأن إعلام هذه الجماعات ظل يزداد ويكبر يوماً بعد آخر.
ففي ساحاتنا الجهادية في العراق والتي بدأ المجاهدون فيها كوليد صغير،
سرعان ما شب وكبر، وأصبح فارساً مغواراً، لم يكن يحلو لوسائل الإعلام
وصف الإعلام الجهادي الناشئ، الذي كان، ولا يزال، يرتكز بشكل اساس على
شبكة الأنترنت، إلا بفلول النظام السابق، ترديداً للوهم الأمريكي، الذي
ظن للحظة أن إحتلال بغداد وسقوطها أسيرة بايديهم، هو الخطوة الأخيرة في
المشروع الأمريكي لإعادة تقسيم العالم من جديد، غير أن الإعلام المقاوم
والمجاهد نجح في تبديد الوهم، ومع الأيام تحول إلى قوة فاعلة، وصارت
تلك الآلة الإعلامية، التي سخر منها الكثيرون، أكبر تحد يواجه القوات
الأمريكية المحتلة في العراق! فالإعلام المقاوم والجهادي ثبت على طريق
الحق، ولا يزال، رغم كل الصعاب، يقارع، ويجاهد بطريقته، بالكلمة تارة،
وبالخبر تارة أخرى في معركة الحق ضد الباطل، في عالم فرسانه مجاهدو
الإسلام الأشاوس ومقاومو العراق البواسل.
انه الجهاد الإلكتروني الذي يأتي بعد جهاد المال والنفس، وأن أي مسلم
ينوي جهاد العدو إلكترونياً، يعتبر بشكل أو بآخر مجاهداً، ما دامت
تتوفر فيه بعض شروط حكم الجهاد، كالنية الصادقة، وهدف خدمة الإسلام
والذود والذب عنه، وإن كان بعيداً عن ميدان الحرب، فهو يشارك فيها
بطريقة غير مباشرة، ما دام السياق الحالي يقتضي مثل هذه المشاركة
الجهادية، ذات الأثر الفعال في العدو، حيث يتم تطويع هذه الوسائل
الفتاكة لكي تستهدف أعدائنا وتلحق بهم أشد الأضرار المالية التي قد تصل
إلى الملايين، والمعنوية التي تؤدي إلى خشية المسلمين أينما ذهبوا حتى
في شبكة الإنترنت. إن من أبرز مزايا استخدام الانترنت في يد مجاهدي
الشبكة العنكبوتية هو سهولة الوصول إليه، وسهولة استخدامه، كما أنه
يوفر مجهوداً عظيماً لمن يستخدمه، فضلاً عن كونه يزود المستخدمين
بمعلومات كبيرة وحديثة، يُضاف إلى ذلك سهولة التخفي لمستخدميه، ورخص
الثمن لتطوير الموقع الإلكتروني الجهادي، وقدرة هذه التقنية على المزج
بين النص والصورة بصورة مؤثرة جداً على المتلقي، بخاصة فئة الشباب، كل
ذلك يمكن أن يتم في غرفة صغيرة، يستخدمها المجاهد من منزله، بعيداً عن
الأعين، وفي مأمن منها.
ويُستخدم الانترنت في يد جنود الخفاء لتحقيق عدد من الأهداف، وتحقيق
عدد من الغايات، يأتي على رأسها كونه أداة سهلة لـ(تجنيد) المجاهدين من
مختلف اصقاع الأرض، وجمع (التبرعات)، والتأثير على (الرأي العام) وكسب
التعاطف، وإصدار (التعليمات) للمجاهدين، والوقوف الى جانبهم، وتجميع
(أفكار) للتكتيكات، وتبادل (المعلومات) والخبرات بين الشباب المسلم،
وتنظيم الصفوف، وإصدار أوامر (تنفيذ) العمليات الجهادية في بعض
الأحيان.
أما على مستوى العمليات النوعية فيأتي على رأس الاستخدامات (تدمير)
النظم المعلوماتية للمنشآت الحيوية والعسكرية والأمنية والاقتصادية
والمالية في الدول، والإرشاد إلى طرق وخطوات (صنع) القنابل والمتفجرات
والصواريخ، وغيرها من الإستخدامات العسكرية، ويعتمد على توجيه ضربات
سريعة وفي وقت قصير يكون ضررها كبيراً ومستمراً، إذ يمكن لأي إنسان
يمتلك جهاز حاسوب ويتصل بشبكة الإنترنت أن يشترك في هذا المجال، فهو
يعتمد على برامج سهلة ومجهزة لكي تقوم هي بالعمل، وعلى الشخص فقط أن
يشغل البرنامج ويجلس على الإنترنت حتى تنتهي مدة الهجمة بعد إنتقاء
الأهداف المراد تدميرها، وهذا جهد أقل ما يمكن تقديمه نصرة للمظلومين
من أبناء أمته الإسلامية.
أن المسلم الذي يعيش في اي بلاد إسلامية محتلة يجب عليه جهاد المحتل عن
طريق القتال وبالسلاح، أما المسلم الذي يقيم في بلاد قريبة من تلك
البلاد المحتلة فيتحتم عليه المشاركة الفعلية في الجهاد المسلح، إن
تمكن من الدخول الى ذلك البلد، وأن لم يستطع ومنعته العوائق الطبيعية
والبشرية فعليه تزويد إخوانه المجاهدين هناك بالسلاح والمال، أما من
يقيم في بلاد الإسلام البعيدة عن تلك البقعة المحتلة فلا ينبغي له أن
يبقى صامتاً ومكتوف الأيدي، ويتفرج على أبناء أمته وهم يبادون،
ويقتلون، وتنتهك اعراضهم، وتسبى نساؤهم، وتغتصب أراضيهم، إذ يتوجب عليه
نصرتهم بكل الطرق، وأبسطها رفع راية الجهاد من خلال جلوسه على
الأنترنت، لينضم الى قائمة طويلة من مجاهدي الكلمة والصورة، عبر الجهاد
الإلكتروني، فمن خلاله يستطيع ان يقدم الى إخوانه المجاهدين الكثير
الكثير.
ويعتبر ظهور هذا النوع من الجهاد نتيجة من نتائج الثورة الرقمية التي
يشهدها عالم اليوم المعاصر، والتي بدأت تطفو على الواقع، وقد ساهمت في
ظهور هذا النوع من الجهاد العديد من العوامل، كالحروب التي يتعرض لها
المسلمون، والغزوات التي تشهدها بلاد الإسلام في عقر دارها، والإساءات
المتتالية التي يتعرض إليها أبناء جلدتنا في الغرب، والحملات الإعلامية
المسيئة لنبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، ولتقاليد المسلمين وعاداتهم
ورموزهم وغير ذلك.
أن الهدف الأول و الأخير من الجهاد الإلكتروني هو نصرة دين الإسلام، و
نصرة الحق، ونصرة إخوة الجهاد في العراق، وفي أفغانستان، وفي باكستان،
وفي الصومال، وفي فلسطين، وفي الشيشان، وفي نيجيريا إلى جانب محاولة
تدمير كل المواقع الأميركية والصليبية والصهيونية وتكبيدهم أكبر
الخسائر المالية والمعنوية، وهو يحد من نفوذ المحتل التكنولوجي
والإستخباري، حتى أصبح القراصنة المسلمون اليوم قريبين من أي وقت مضى
من ضرب عصب شبكة المواقع الحكومية الأميركية والصهيونية بحسب صحيفة
أيديعوت أحرنوت اليهودية التي أكدت أن المواقع الجهادية هي مجموعة قوية
يشرف عليها أشخاص مدربون بشكل كبير، مزودون بدافعية نفسية ودينية لضرب
أهداف أميركية ويهودية، وأن قطاعات واسعة من الشباب العربي والمسلم
باتوا يؤمنون بـ(الجهاد الإلكتروني)، والذي يعني إلحاق أكبر الأذى
بالأميركان وضرب الأهداف الإسرائيلية اليهودية الصهيونية، قبل أن تعترف
بأن هذه المجموعات الجهادية ألحقت خسائر كبيرة بالولايات المتحدة
وأسرائيل تصل الى ملايين الدولارات، بالاضافة الى ما أصاب الكثير من
الأميركان والإسرائيليين من هلع جراء تخوفهم من المسلمين.. وتظل قصة
أسد الأنترنت الذي يلقب نفسه بـ(الأرهابي7) خير مثال على فعالية الجهاد
الإلكتروني، فهذا الأسد الهصور نجح في تلقين المحتلين الأميركان دروساً
بليغة بعد أن أحدث فيهم نكاية إلكترونية عظيمة، حتى استنفرت كثير من
أجهزة ودوائر الأستخبارات العالمية باحثة عنه، ليصبح شاغل الصحافة
العالمية، بعد أن سخر موهبته الكبيرة في خدمة الإسلام والمسلمين بل
وأصبحت توظيفاته الإلكترونية تقترب من أفلام الخيال العلمي وهو يقتحم
أسوار الـ(سي آي إيه) شديدة التحصين.
لقد وصل الحال بالمحتلين الى دراسة هذا النوع من الجهاد ومحاولة الوقوف
بوجهه والحد من خطورته المتزايدة والتي بلغت اوج ذروتها بعد ان نشر
(المعهد الأمريكي للسلام) كتاباً لمؤلفه (جبريل ويمان) حمل عنوان
(الإرهاب في الإنترنت) والذي تحدث عن تنامي القدرة الجهادية للمسلمين
عن طريق الانترنت، وهو ما يمهد لتصاعد حدة الوقوف بوجه الأميركان
وحلفاؤهم في العالم الإسلامي.
إننا نتعرض اليوم إلى حرب جديدة تديرها أطراف متعددة هدفها واحد هو
الحد من المد الإسلامي، وتستعمل بشكل أساس حرب الإعلام بشكل متوازٍ مع
الحرب العسكرية، ما يجعل شعوبنا الإسلامية على اختلاف أوطانها وأعراقها
وألسنتها وألوانها بحاجة لأن توظف جميع الطرق والتقنيات الى جانب
السلاح لتحمي نفسها وتدافع عن وجودها وحرماتها ومقدساتها، ومن بين
الطرق الجديدة التي يجب على المسلمين إجادتها هي الحرب والجهاد
الإلكتروني في زمن أنقضى فيه التعايش السلمي بين الضحية والجلاد، وبين
الظالم والمظلوم، وهو ما تأكد بعد تلك العملية الشهيرة التي نفذتها
قوات الكوماندوز الصهيونية ضد أحد أبرز مجاهدي الأنترنت في فلسطين
الحبيبة، يوم قامت تلك القوات بمداهمة منزله في قرية (كفر قرع) والتي
تسمى بمنطقة المثلث، حيث تمكن هذا الشاب، الذي لم يتجاوز بعد السابعة
عشرة من العمر، من تدمير وشل أكثر من سبعمائة وخمسين موقعاً صهيونياً
مهماً، أبرزها موقع بنك (أوتسار هحيال)، ومستشفى (رامبام) العسكري،
وحزب كاديما، إضافة الى بنوك صهيونية نتج عنها خسائر مادية جسيمة تقدر
بملايين الدولارات، الى جانب تحطيم الروح المعنوية لجهاز (الشاباك)
الصهيوني، فالمحتلين الأميركان والصهاينة وغيرهم من شراذم الإنسانية
سيظلون عدوا تاريخياً وأبدياً للمسلمين، إلى أن ينتهي التاريخ الإنساني
على الكرة الأرضية، ويرث الله الأرض ومن عليها.
إن الجهاد الألكتروني لا يتطلب الجهاد بالنفس ولا بالمال، وأن كان هذا
واجب علينا جميعاً، لكن هذا النوع من الجهاد أثبتت الوقائع أنه أوقع
خسائر في صفوف المحتلين الصهاينة أكثر مما خسرته في حروبها مع
المسلمين، وهو ما يوجب علينا استخدامه بشكل أوسع في حربنا مع أميركا،
وكل من ناصب أمتنا العداء، فهو جهاد سهل، ليس له أي ضرر على منفذه، مع
أن ثوابه كبير، ومنفعته عالية، فهو يرعب عدو الله في كل وقت، نظراً لما
يتكبده من خسائر جسيمة، خصوصاً في حال نجح المجاهدون في تدمير المواقع
الإميركية والصليبية الإلكترونية، وهذا يتم من خلال تكوين مجموعات
للجهاد الإلكتروني حتى تكون الضربات لتلك المواقع المراد تدميرها قوية
و فعالة وبأسرع وقت.
إن الجهاد الإلكتروني لا يختلف من حيث طبيعته وقيمته عن الأنواع الأخرى
من الجهاد، كالعسكري والاقتصادي والسياسي والإعلامي، بل يلتقي معها في
أكثر من قاسم مشترك، ويستمد حقيقته منها جميعها ليبلور رؤية جهادية
جديدة تواجه العدو فكرياً واقتصادياً وإعلامياً، وهو يظل خادما لها،
وأنه بغياب دوره يتقلص تأثير العديد منها، فهو يسعى إلى مواجهة العدو
لحماية الإسلام عن طريق توظيف مختلف آليات وبرمجيات التكنولوجيا
الرقمية، عبر شبكة الإنترنت الدولية، لتشجيع الناس على سلك درب الجهاد
وتوعيتهم وفضح الأعداء، والدعوة إلى مقاطعتهم، وضرب مصالحهم ومواقعهم
الإلكترونية الحساسة، وغير ذلك، وهو يختلف جذريا عن أساليب الأنواع
الأخرى من الجهاد، فهو يستفيد من المكاسب التكنولوجية الهائلة التي
حققها الإنسان في العقود الأخيرة، فالمجاهد الإلكتروني لا يواجه عدوه
في ساحة الوغى، ولا يتسلح بالسيف أو الكلاشينكوف، ولا يهاب غدر العدو
وتنكيله، وإنما يجلس في بيته خلف شاشة الحاسوب، وهاجسه الوحيد خدمة
الإسلام والمسلمين بشتى الوسائل الإلكترونية والدعائية والإعلامية،
التي يتسلل من خلالها إلى ما لا يحصى من القراء والمتلقين، فهو في عمله
هذا مثله مثل ذلك المجاهد بالقلم والفكر، غير أنه يختلف عنه من حيث
تأثيره السريع في جمهور عريض، واستهدافه المحتمل لبعض مصالح العدو
الرقمية.
أن الإعلام الإنترنيتي يعد واحداً من أهم أداوت الحرب الإعلامية التي
تجري اليوم في بلاد الرافدين، وقطع شوطاً في مجال التغلب على الآلة
الإعلامية الضخمة للمحتلين الأميركان في كثير من الأوقات، وتمكن من
تغير تكتيكاته مع تطور وسائل وطرق الحرب العسكرية، ومثلما يجد المحتل
صعوبة في الوصول الى مجموعات جهادية صغيرة تتألف من ثلاث وأربعة أشخاص
نتيجة الحس الأمني العالي والسرية والكتمان في العمل يجد المحتل كذلك
صعوبة في الحد من أنشطة مجاهدي الإنترنت لأن جنود الخفاء هؤلاء ليسوا
من المحسوبين على الجماعات الجهادية والمقاومة فحسب، بل يوجد هناك جيش
جرار من المتعاطفين من محبي المجاهدين والحريصين عليهم، ممن يفرحون
لأفراحهم ويحزنون لأتراحهم، ولا يكتفون، كحال الكثير، بالمتابعة من
بعيد، وهؤلاء يطلق عليهم أسم (أنصار المجاهدين) وهذا الاصطلاح شاع بين
الناس على من يناصرون الجهاد على شبكة الإنترنت.
أن ميدان العمل الجهادي الإعلامي لا يتوقف عند حد معين، بل يتعداه الى
أفاق بعيدة، من خلال محاولة أي فرد من هذه الأمة، وكل بحسب قدرته، نصرة
المجاهدين بأي شيء، مهما كان صغر حجم هذه المعونة الإعلامية، بل أن
البعض أبتكر طرقاً ذكية وأساليب جهاد إلكتروني متشعبة للوقوف مع إخوة
الجهاد، فبات بإمكان أي فرد من أبناء هذه الأمة ان يضع لمسة في هذه
الحرب الإعلامية التي لا يزال أوراها مشتعلاً منذ وطئت جموع الكفر أرض
الإسلام والمسلمين، ولا سبيل للأمة لكي تتصدى لهذه الحملة الصليبية إلا
باشتراك جميع أبناء أمة آخر الرسل، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم،
ووضع اليد باليد من أجل ان تكون البيعة التي عقدها الله مع عباده
المؤمنين كاملة غير منقوصة، ومن هذه الطرق نشر أخبار المجاهدين
وإشاعتها بين المسلمين لما في ذلك من فوائد عظام، لتشعر الأمة بمعنى
الجسد الواحد الذي إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى
والسهر، ولتعلم الأمة كذلك أن طريق العزة والكرامة هو الجهاد
والاستشهاد، وأن كانت الأسلحة المعتادة في ميدان المعركة تقتل وتجرح
وترهب وتخرب، فإن الأسلحة الإلكترونية تفعل كذلك الفعل نفسه، فهي تقتل
العدو معنوياً، وتجرح نفسيته، وترهب شعبه وجنده، وتخرب مصالحه التجسسية
والاقتصادية والاستراتيجية على شبكة الإنترنت الدولية.
أن الجهاد الإلكتروني يعلم المجاهد الكثير من التقنيات الحربية
الحديثة، فيطلعه على الكثير من الأسلحة، وكيفية استعمالها بأسلوب سليم،
كما أنه يعلمه كيفية صناعة بعض الأسلحة كالقنابل والألغام والعبوات
والمتفجرات، ثم إن المجاهدين الإلكترونيين يكشفون في بعض الأحيان عن
بعض الحقائق المتعلقة بوضعية العدو، مثل موقعه وخططه وتحركاته وغير
ذلك، كما أنه يعطي الكتاب والمثقفين والإعلاميين فرصة للتعبير عن
أفكارهم المناهضة للمحتلين بعد أن كان هؤلاء لا يعبرون عن رؤاهم إلا من
خلال الكتب أو المنابر الورقية أو الندوات واللقاءات، وكلها وسائل
موجهة إلى عدد محدود من المتلقين، في حين أن عالم الإنترنت يجعل الكاتب
ينفتح بأفكاره على ما لا يعد ولا يحصى من البشر، حتى أن الكثير من حملة
القلم أصبحوا يتحولون بالتدريج إلى مجاهدين إلكترونيين!
ومن أساليب الجهاد الإلكتروني هو بناء مواقع متخصصة في هذا النوع من
الجهاد على شكل مواقع قائمة بذاتها أو منتديات أو مدونات، تساهم في
التعريف بفكر الجهاد وحقيقته وأهدافه وآلياته، وأختيار المواضيع
المناسبة للنشر ونشرها في كل المنتديات، فضلاً عن تأسيس مواقع رقمية
موجهة إلى غير المسلمين، تحدثهم بلغاتهم وألسنتهم حول حقيقة الإسلام
المشوهة، وحقيقة المحتل الغاشم، وطبيعة هذا الصراع، فالرأي العام
العالمي ساحة حرب لا يمكن إهمالها أو تجاهلها، فكثير من الشعوب تستطيع
أجبار حكوماتها على نهج سياسات مختلفة ضد المسلمين في حال أدركت هذه
الشعوب حقيقة الصراع الذي يتم فيه أستهداف المسلمين وأسبابه الحقيقية
والدوافع المادية التي تقف خلفه، ما يوجب الأستفادة من هذا الجانب وعمل
مجاميع ضغط على تلك الحكومات من خلال وضع شعوبها أمام حقيقة ما يجري في
الجانب الآخر من الكرة الأرضية، والذي لا تعلم عنه شيئاً إلا من خلال
وسائل إعلامها المضللة.
أما أفضل أنواع الجهاد الإلكتروني فهو (الهاكرز)، لأن فيه لغة القوة،
ومعنى الإغارة والهجوم، وترتيب السرايا والأفراد، ويقوم بهذه المهمة
خبراء ومخربون مهرة، قادرون على اختراق أي شبكة أو أي جهاز، والتجسس
على العدو، والاستيلاء على معلومات مواقعه الاستراتيجية، والتنصت على
مكالماته بفك شفرات إشارات أجهزته اللاسلكية والرقمية، فمن أعطي في هذا
المجال فلا يبخل على نفسه بخدمة الجهاد من خلاله، وليكن الجهد مركزاً
على تدمير المواقع الأمريكية والتي هي ضد الجهاد والمجاهدين، كذلك
المواقع المخذلة والنائلة من المجاهدين، ومنتديات السوء، والمرجفين،
ولمن لا يعلم هذا الفن عليه أن يتعلمه، ففيه بالغ النكاية بالأعداء،
الى جانب أستخدام الفايروسات كسلاح في هذه المعركة، من خلال إرسال ونشر
الفيروسات المتطفلة والمخربة والمرافقة والمستبدلة الى مواقع العدو
المستهدفة أو تلك التي يراد تدميرها او تعطيلها أو إصابتها بالضرر.
ونادي علماء الدين وخبراء التكنولوجيا بخلق لوبي إليكتروني إسلامي تحت
نفس الاسم (الجهاد الإلكتروني) على شبكة الانترنت لرسم الصورة الحقيقية
للإسلام، والوقوف بوجه حربهم الأستباقية، خاصة وأن هذه المواقع تعد
حرباً بالمعنى الحقيقي، فهي لا تقاس بعدد الطلقات والرصاصات وقذائف
المدافع، وإنما أدواتها هي الكمبيوتر ولوحة المفاتيح (الكيبورد) لا
غير.
فإلى متى يظل السكوت على ما يحدث في أرض الأنبياء، أرض الديانات، من
الظلم و الذل و العدوان من أحفاد القردة و الخنازير وعبدة العجل
الصهاينة ولا نحرك ساكناً، ونحن نستطيع تقديم الكثير الكثير، وأبسطها
وأكثرها فاعلية من خلال شبكة الإنترنت، التي تكون أحياناً أشد تأثيراً
من الطائرات والمدافع والدبابات وكل الأسلحة الفتاكة التي يمتلكونها،
فهذا السلاح يلقي في قلوبهم الرعب أكثر من أي شيء آخر، لأن حربهم
بالدرجة الأساس إعلامية فكرية، ما يتوجب علينا أستخدام ذات السلاح
لنقذف في قلوبهم الرعب ونكبدهم الخسائر المادية والمعنوية من خلال
جهادنا الإلكتروني الذي هو أحد أنواع الجهاد الحي والمؤثر، إلى جانب
الجهاد المسلح، حتى لا نكون ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
(من مات و لم يجاهد ولم يحدث نفسه بالجهاد مات على شعبة من النفاق)..
فقوموا الى جهاد العصر الجديد رعاكم الله، ولنكون مع إخوتنا الذين
يضحون بأرواحهم وأنفسهم وأموالهم في سبيل نصرة ديننا، فكيف بنا ونحن
نستطيع الجهاد من خلال التضحية ببضعة ساعات من وقتنا نقضيها أمام
حاسباتنا وعلى الشبكة العنكبوتية لعلنا نعين مائتي موقع مسلم، بلا
تمويل، قبالة عشرة آلاف موقع، تحارب الإسلام والمسلمين على الشبكة
العنكبوتية بتمويل يزيد عن ملياري دولار سنوياً!
طريق الجهاد الإلكتروني والسائرين في فلكه طويل، يتعثر عليه ويتساقط
منه من خف حمله، ووهن حلمه، ويثبت عليه من زاد ثقله، وقوي قلبه، بعض من
هؤلاء وصل إلى ربع هذا الطريق وهوى، والبعض الآخر وصل إلى المنتصف
وسقم، ومنهم من لا يزال رغم وعورة الدرب عليه يسير!
هو طريق الجهاد، طريق المقاومة، طريق العز والنصر والظفر، الذي ما سلكه
أحد إلا ونال نصيبه من الشرف الرفيع، الذي لا يأتي إلا حينما يراق على
جوانبه الدم!
|