لسنا بصدد المقارنة بين
الانتخابات التي جرت في بريطانيا قبل يومين وبين تلك التي جرت في
السابع من آذار في العراق الديمقراطي جدا. فالفروق والاختلافات بين
الحالتين أكثر من أن تُعد أو تُحصى. ولكن, في بريطانيا على سبيل المثال
وبعد غلق صناديق الاقتراع مباشرة, تبيّن لكل أبن أنثى وفي كل مكان, مَن
هو الرابح ومَن هو الخاسر, مع عدد المقاعد التي حصل عليها كل طرف. وبما
أن مصلحة الوطن أهم بالنسبة لهم من أية مصلحةأخرى فقد بدأ القوم هناك,
الرابحون والخاسرون على حدّ سواء, في العمل الجاد من أجل تشكيل الحكومة
الجديدة.
لأن أي تأخير يحصل قد يؤدي الى عواقب وخيمة على المستوى السياسي
والاقتصادي للبلاد. وهذا ما لا يتمناه أو يريده الجدميع. وقد رجّح
المحلّلون والمهتمّون بالشان البريطاني بان تشكيل الحكومة الجديدة سوف
يستغرق أياما فقط, لا أسابيع أو أشهر كما حصل في العراق المحتل الذي ما
زال الى الآن بلا حكومة ولا برلمان, ويتخبّط حكّامه العملاء بين
إئتلافات وتحالفات سرّية وعلنية الغاية منها الاستحواذ على المزيد من
النفوذ والسلطة والمال. فضلا عن ذلك أن حكومة العميل نوري المالكي
وكذلك برلمان المنطقة الخضراء فقدا منذ زمن شرعيتهما, التي حصلوا عليها
من قبل المحتلّين الأمريكان, ولم يعد لوجودهما موقع من الاعراب غير
ترتيب الأمور فيما بينهم على حساب مصالح الشعب والوطن الذي قادوه الى
الحضيض على جميع الأصعدة.
وفي بريطانيا أيضا, كما في جميع دول العالم التي تحترم شعوبها
وقوانينها, يعترف الخاسر بخسارته ويقدّم التهاني لخصمه الفائز متمنّيا
له التوفيق في الحكم وفي إدارة شؤون البلاد. ويتنحى جانبا ليفسح المجال
لمن إختاره الناخبون. أما حكاّم العراق الجديد, الذين لا يحترمون شعبهم
ولا قوانينهم ويفسّرون الدستور, الذي صيغ خصيصا لهم, حسب الأهواء
والأمزجة والأهداف الضيقة جدا, فليس فيهم خاسر إعترف بخسارته أمام
الملأ وتمنّى لغيره التوفيق في مهامّه الجديدة.
لقد فازوا جميعا في إنتخابات السابع من آذار, وما زالوا حتى هذه اللحظة
يتصارعون مستخدمين جميع الوسائل الغير ديمقراطية والغير نزيهة, على
مقعدين أو ثلاثة سوف لا تغيّر أبدا لا من طبيعة الحكومة الطافية
القادمة ولا من توجهات أو سياسة من يترأسها مستقبلا. لأن الجميع قابعون
تحت خيمة العمالة للمحتلّين الأمريكان والفرس ويتلقّون الأوامر من أقرب
سفارة أجنبية الى مكاتبهم.
وإستنادا الى سجلّهم الحاضرالمكلّل بالفشل والخيبات والانتكاسات
وماضيهم الحافل بالتبعية والخيانة والسمسرة بمختلف أنواعها, لا يبدو
على ساسة عراق اليوم أنهم قادرون على الخروج من النفق"الديمقراطي"
المظلم الذي وجدوا أنفسهم فيه تحقيقا لرغبة أسيادهم وأرباب نعمتهم. ثمّ
إننا لا نريد أن نحسد البريطانيين على أن بلادهم خالية من حوزات ناطقة
وصامتة وأخرى ميّتة أو مُصابة بالشلل, وليس لديهم آيات الله"عظمى"
متوارية عن الأنظار وتصدر أوامرها وفتاويها عبر وسطاءأو وكلاء مشكوك في
أصلهم وفصلهم وولائهم للعراق وشعبه.
لكن من حقّنا أن نسأل ساسة بريطانيا, التي شاركت بكل ثقلها في غزو
وتدميرالعراق ونهب ثرواته وتشريد الملايين من أبنائه, لماذا تغضّون
النظر وتصمتون صمت القبور عن المهزلة الانتخابية التي جرت في العراق
وما زالت نتئجها المخزية ماثلة للعيان بعد أكثر من شهرين؟ خصوصا وأنتم
أتيتم الى العراق, كما تزعمون طبعا, من أجل بناء دولة عصرية ومؤسسات
ديمقراطية مستقلّة وفاعلة. وهل توجد في عراقهم الجديد مؤسسة أو دائرة
حكومية غير منحازة كليّ لهذه الطائفة أو تلك القومية أو المذهب؟
ثمّ في الوقت الذي يتخبّط ويتعارك فيه حكّام وساسة العراق الجديد على
قشور الديمقراطية ونفاياتها يدور الحديث في بريطانيا في هذه الساعات عن
إجراء إنتخابات مبكرة أخرى لأن النتائج التي حصلت عليها الأحزاب
الثلاثة الكبيرة لا تفضي الى تشكيل برلمان أو حكومة قوية, وقد يؤدي وضع
كهذا الى عدم إستنقرار سياسي وإقتصادي في بريطانيا. طبعا هؤلاء الناس,
وخلافا لحثالات الساسة وأشباه الرجال واللصوص في المنطقة الخضراء,
يفكّرون بشكل جدّي وعلى أعلى درجة من المسؤولية بمصلحة الوطن والمواطن
وسمعة البلاد ومكانتها بين الأمم.
|