منذ انتهاء الحرب الباردة وانتهاء كتلة المناكفة للنظام الرأسمالي
وسقوط النظام العالمي بيد القوة ألأمريكية ، تفرعنت أمريكا على العالم
وقادها ذلك إلى لوثـة مفاهيم في كافة مجالات العمل السياسي والدبلوماسي
والاقتصادي ، وسارت بخطى مجنونة نحو الهيمنة والغطرسـة وسارعت بفرض
إرادتها على العالم كونها القوى الأجدر بالهيمنة على العالم لأنها هزمت
حلف وارشو الاشتراكي الذي كان يتقاسم معها النفوذ على العالم
إن لوثـة المفاهيم التي ترسخت لدى الإدارات الأمريكية بعد انتهاء الحرب
البارد شملت وسائل فهم قوانين العلاقات مع الطرف الأخر أين كان ، دول
أو منظمات أو مؤسسات عالمية . وكان أول من انعكست عليها هذه اللوثة هي
منظمة الأمم المتحدة ومجلسها الأمني ، حيث تم مسخ المنظمة العجوز بصولة
موظف من الخارجية الأمريكية . وأصبح المنظمة تابعة لوزارة الخارجية
الأمريكية ومجلس الأمن تابع للبنتاغون وقراراته خاضعة للعرض والطلب وفق
سياقات السوق الرأسمالي وحاجة شركات السلاح والنفط .
وبعد عقد من الزمان احتلت أمريكا أفغانستان والعراق نتيجة انتشار سرطان
لوثة المفاهيم في عقل رجل السياسة الأمريكي الذي أنعشه تفرده بالعالم
وبعث فيه صبيانية رجل الكابوي وهوان التعامل مع العالم الآخر . لم تدم
نشوة الانتصار الهمجي على الشعوب وسرعان ما ردت إليهم ، الصدمة
والترويع التي حملوها شعارا لسحق أدامية الشعوب ، فوجدوا الإنسان الحر
وهو يضحي من اجل الحفاظ على القيم والأوطان فصدمهم ، وروعتهم نعوش
جنودهم والمعوقين جراحا وقبل ذلك عوقا نفسيا ، وتحولت اللوثة الفكرية
إلى جثث منتحرين لأنهم كانوا يحلموا أن يُشاهدوا من أصحابهم وعشيقاتهم
مثل رامبوا كابل أو بغداد لكنهم عاشوا أيام جرذ مذعور من أصوات خارج
أسوار جحره ، ففضلوا الانتحار .
وأسقطت المقاومة العراقية مشروع المحتل لرسم المنطقة وفق أوهامه تحت
مسمى الشرق الأوسط الجديد ، واستنزفت قدراته المادية مما أدى إلى
انهيار اقتصاده وأصبح الاقتصاد العالمي على حافة الانهيار .
إن الهزيمة والفشل في أي عمـل لدى مجموعة بشرية تمتلك أدنى درجات الوعي
يستدعي منها مراجعة شاملة لتقييم الحال وتبني خطوات عملية للخروج من
الحالة ، لكن ما حدث للأمريكان مضاعفات نفسية سلبية ومركب الشعور
بالنقص لهذا قرروا التمسك بالمفاهيم التي أنتجتها اللوثة الفكرية
والنفسية التي ولدت بعد انتهاء الحرب الباردة ، فقلبوا كل نظم العلاقة
بين المقاومة والمحتل بعد هزيمة المعتدي ،التي تفضي لتفاوض بينهما ينهي
الوضع الشاذ الذي أنشئه المحتل وإعادة البلد المحتل لأهله من دون عملاء
أو قواعد بديله عن الاحتلال .
ولقد أعلن وزير الدفاع الأمريكي في جلسة خاصة في الكونغرس في 24 آذار
/مارس عن مفهوم مناخ المفاوضات مع المقاومة الأفغانية وهي تعتبر
إستراتيجية المحتل في العراق أيضا وقال روبرت جيتس إن توقيت المصالحة
مع كبار قادة طالبان لا يزال غير مناسب وسلم بأن الضغط العسكري لم يضعف
بعد حركة طالبان بما فيه الكفاية.
وقال جيتس أيضا "تحول القوة الدافعة ليس قويا
بعد بما يكفي لإقناع قادة طالبان بأنهم سيخسرون (الحرب) في واقع
الأمر." وأضاف "وعندما تتكون لديهم شكوك في قدرتهم على النجاح فذلك هو
الوقت الذي قد يرغبون فيه في التوصل لاتفاق. لا اعتقد إننا بلغنا هذه
المرحلة بعد."
أن المناخ التفاوضي الذي ترحب به أمريكا فقط عندما تكسر شوكة المقاومة
وجعلها متهاوية على طاولة الاملاءات ! ، وعند ذاك تعتبرها ميليشيا فقدت
مبررات وجودهـا وما عليها إلا أن تطلب المغفرة من المحتل . هذه الفلسفة
الجديدة للعلاقة بين المحتل والمقاومة سببه لوثة المفاهيم التي عششت في
أركان البيت الأبيض وقبة الكونغرس ، لذا يتطلب من المقاومة العراقية
والأفغانية أن تحلل هذه المفاهيم وتتعامل معها بجدية وتبدءا بخطوة هامة
جدا وهي وحدة المقاومة في العراق بالذات وهو مطلب الجماهير المتجدد ،
والتوحد ليس للمباهاة الإعلامية بل لوضع إستراتيجية واحدة ضد المحتل
لحصاد تحرير شامل كما هو مثبت في برامج المقاومة . والوحدة تجعل المحتل
يفكر بخيارات النجاة من اللوثة التي يعيشها . ويحقق لشعبنا التحرير
الشامل بزمن لا يرغب فيه الاحتلال .
فإذا كان عدوك متعجــل فتـريث حتى ينكب على وجهه أنما النصر صبر ساعة .
|