أن تفهم السياسة على أنها
فن الممكن فذلك هو شأن العاملين في الحقل السياسي وأصحاب الكراسي
الوثيرة الباحثين عن معادلات المصالح في شبكة العلاقات الدولية
والاقليمية , كي يضمنوا بقاء سلطانهم وديمومة مناصبهم ومصالح شعوبهم
حسبما يؤمنون وينتهجون من سبل لتحقيق ذلك , لكن أن يتم ذلك على حساب
أصحاب القضية الحاملين دمائهم على أكفهم والذين تربطهم بهم وشائج
الاخوة والجوار والدين والمصير المشترك , فليس عملا مبررا .
وأذا كان العراقييون قد تحملوا ظلم ذوي القربى الذي لن يدانيه ظلم أخر
, وتحاملوا على جروحهم , وتناسوا قدوم جحافل الغزو من أراضي وأجواء
ومياه الاشقاء وبمساعدتهم , لغزو بلادهم وتدمير حضارتهم والنيل من شرف
حرائرهم وتيتيم أطفالهم وترميل نسائهم , لانهم قوميون حتى النخاع
ويؤمنون بوحدة المصير وأن الدم لايمكن أن يتحول الى ماء , فأن ذلك يجب
أن يكون مدعاة فخر وأعتزاز بهم من قبل الاشقاء , وفرصة لمن القى السمع
وهو شهيد على أصالة أهلهم في العراق , ولحظة تاريخية لاصلاح الخلل الذي
أصاب النفوس والعقول وأعمى البصر والبصيرة عندما تحقق العدوان بمساعدة
عربية , في سبيل تدمير حاضرة ومنارة من منارات الثقافة والعلم وشوكة
أعمت كل العيون الشريرة التي حاولت التلصص على الامة , على مدى عقود من
الزمن , وأن أي مراقب يستطيع وبجهد بسيط أن يقرأ الاخطار التي واجهت
الامة وتواجهها الان , والتي هي نتائج مباشرة لجريمة أغتيال العراق .
لقد ذبح أهلنا في كل مدن وقرى الوطن , ونهشت الكلاب الظالة أجساد
شبابنا التي أمتلات بها الشوارع والطرقات وأستبيحت أعراضنا , وهدمت
جوامعنا ومساجدنا , وأغتصب رجالنا ونسائنا في المعتقلات , تحت راية (
بوش وبلير ) بينما كان أشقاءنا يمارسون أستفزازا قبيحا لمشاعرنا ,
فيستقبلون ( بوش ) في أرض العروبة والاسلام ويكرمونه بأعلى الاوسمة
والانواط ويرقصون معه في الحواضر العربية بالسيوف التي لم تفارق
أغمادها يوما , ويرتشفون معه القهوة العربية في أجواء الغناء والقصائد
الممجدة والمخلدة له , ويستعرضون مهاراتهم في الصيد وركوب الخيل
والشمائل العربية التي لقنوا بها أطفالهم كي يتغنوا بها أمامه , ورؤوس
أشراف العراق يطأها جندي من جنود بوش بحذائه , دون أن يرتجف جفن أو
شارب لحاكم أو أمير عربي , ويتدافعون بالمناكب لتقديم الاموال السخية
لانقاذ الاقتصاد الامريكي , بينما يمنون على اللاجئين العراقيين في دول
الجوار العربي بحفنة دولارات , في نفس الوقت الذي لازالوا فيه مصرين
على طلب التعويضات عن حرب الخليج الثانية , بعضهم بحجة تأثير تلك الحرب
على بيئتهم , والاخر بدعوى كاذبة عن خسارة شركاتهم , وثالث بقصة مفبركة
عن نفوق صقورهم وخيلهم التي كانوا يعتزون بها .
أن أستشهاد أكثر من مليون ونصف عراقي بعد الغزو , ومثل عددهم من أطفال
العراق أثناء الحصار, وتهجير أربعة ملايين الى شتى أصقاع الدنيا ,
وملايين الارامل والايتام والمعوقين والسجناء والمغيبين , وسكنة
المقابر وأماكن القمامة , والمعدمين والمحاربين في أرزاقهم والعاطلين
عن العمل , كل ذلك كان أيضا تحت راية رموز الاحتلال من العراقيين عربا
وكردا وفي مقدمتهم جلال الطالباني , الذي كان تكريمه من قبل جلالة
الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية , أستفزازا
واضحا لمشاعر الملايين من العراقيين , فلقد حفل تاريخه بصفحات سوداء من
التأمر على العراق , وتلطخة يديه بمصافحة الكثير من المشبوهين وأعداء
العراق والامة , وساهم في القتال ضد العراق الى جنب القوات الايرانية
اثناء الحرب بين البلدين , وفتح الثغور في حدود شمال العراق كي تتسلل
منها القوات الايرانية وتحتل أراض عراقية , كما كان له دور فاعل في
فبركة القصص والروايات الكاذبة وأستخدامها من قبل الدول التي كانت تسعى
لاطالة الحصار على العراق , أضافة الى دوره الفاعل في تقديم الدعم
اللوجستي للقوات الامريكية في غزوها للبلد , كما أن تواجده على رأس
السلطة السياسية في العراق من العام 2003 وحتى اليوم , يحمله المسؤولية
التامة القانونية والاخلاقية عن كل الدماء البريئة التي أهدرت فيه
والتي لم يحرك ساكنا لحقنها , بل أنه كان أحد الممجدين لكل الجلادين
الذين عانى منهم شعب العراق , فهو يصف هاشمي رفسنجاني الذي قطع أوصال
الاسرى العراقيين ب(نعمة السماء ) , ويتكرم على قتلى الجنود
البريطانيين بأنشاء نصب تذكاري لهم ويشارك في قداسهم جنبا الى جنب مع (
بلير ) الذي يأنف والد أحد الجنود البريطانيين القتلى في العراق من
التواجد معه في نفس القاعة أثناء القداس , كما يعبر بفرح غامر عن
أفتتاح أكبر وكر للتجسس في العالم وهي السفارة الامريكية في المنطقة
الخضراء واصفا أياها بأنها صرح حضاري كبير !! .
أن الخطوة السعودية بتكريم الطالباني وغيره , والتي جاءت بعد طول صمت
وأبتعاد كامل عن الخوض في المسألة العراقية , أنما هي جرح لكرامة الشعب
العراقي لان هؤلاء لن يمثلوهم وهي خطوة على نفس طريق القطيعة التي
مارستها السياسة السعودية مع القضية العراقية , ولايمكن فهمها بمعزل عن
المساعي الحميمة للادارة الامريكية الساعية لتنصيب حليف لها على كرسي
العراق في خضم التنافس مع أيران التي تسعى لتنصيب حليفها مرة أخرى ,
وكان الاجدر بهم أن يكونوا صوتا ناطقا بالهم العراقي أمام حلفائهم
الدوليين والمحليين لا أن يستجيبوا للضغوط الامريكية , فالموقع العربي
والاسلامي الذي تحتله المملكة كان يفترض أن يكون غطاءا شرعيا للفعل
المقاوم , وداعما فاعلا لها بالمال والسلاح والكلمة الحرة والفعل
السياسي والدبلوماسي , فلقد أستخدمت المملكة جميع هذه الاسلحة في سعيها
لاسقاط نظام الرئيس صدام حسين , وبنت مخابراتها شبكة علاقات مع وجوه
كثيرة من الحاكمين اليوم في بغداد , ودعمتهم بمالها وسخرت لهم علاقاتها
الدولية , وأنشأت لهم محطة أذاعية يبثون منها سمومهم , كل ذلك كان
دافعه حقد شخصي ضد الرئيس الراحل , أذا الا يستحق العراق كبلد وشعب
وحضارة , أن تثأر المملكة لشهدائه وأرامله وأيتامه , فتسخرفي خدمة
مقاومته الوطنية ثلث الذي سخرته أنذاك ؟
ان القابظين على عروبتهم ودينهم في العراق , بعد أن أصبحت تهمة تدحرجت
بسببها رؤوس الكثير منهم , هم وحدهم الذين يستحقون التكريم وأن يتقلدوا
الاوسمة والانواط والنياشين , بعد أن أفشلوا بدمائهم وبجهدهم الذاتي
مشروع الشرق الاوسط الجديد , الذي كان مخططا له أن تهب رياحه على
المنطقة العربية كلها وبضمنها المملكة فتطيح بالتيجان وتدحرج الكراسي ,
ويقينا أنهم لن يرضوا أن يتقلدوا ماقلدته المملكة لطالباني ومن قبله
بوش , مع أجلالهم وتقديرهم وأحترامهم للآسم الذي تحمله القلادة .
|