أبطال ( العراق ) ..
و ليوث ( الرافدين ) ..
وحماة الثغور وذادة المعاقل والحصون ..
صبرا قليلا في مجال الموت ، فهاهي نجمة النصر تلمع في آفاق السماء ،
فاستنيروا بنورها ، واهتدوا بهديها حتى يفتح الله عليكم .
إن الله وعدكم النصر ، ووعدتموه الصبر ، فأنجزوا وعدكم ينجز لكم وعده .
لا تحدثوا أنفسكم بالفرار ، فوالله إن فررتم لا تفرون إلا عن عرض لا
يجد له حاميا ، وشرف لا يجد له ذائدا ، ودين يشكوا إلى الله قوما
أضاعوه ، وأنصارا خذلوه .
إنكم لا تحاربون رجالا أشداء ، بل أشباحا تتراءى في ظلال الأساطيل ،
وخيالات تلوذ بأكناف الأسوار والجدران ، فاحملوا عليها حملة صادقة تطير
بما بقي من ألبابها ، فلا يجدون لبنادقهم كفا ، ولا لأسيافهم ساعدا.
إنهم يطلبون الحياة ، وانتم تطلبون الموت ، ويطلبون القوت ، وتطلبون
الشرف ، ويطلبون غنيمة يملأون بها فراغ بطونهم ، وتطلبون جنة عرضها
السموات والأرض ، فلا تجزعوا من لقائهم ، فالموت لا يكون مر المذاق في
أفواه المؤمنين .
إنكم تعتمدون على الله ، وتثقون بعدله ورحمته ، فتقدموا إلى الموت غير
شاكين ولا مرتابين ، فما كان الله ليخذلكم ، ويكلكم إلى أنفسكم ، وأنتم
من القوم الصادقين .
إن هذه القطرات من الدماء التي تسيل من أجسامكم ستستحيل غدا إلى شهب
نارية حمراء تهوي فوق رؤوس أعدائكم فتحرقهم ، وان هذه الأنات المتصاعدة
من صدوركم ليست إلا أنفاس الدماء صاعدة إلى إله السماء أن يأخذ لكم
بحقكم ويعديكم على عدوكم ، والله سميع الدعاء .
إن أعداءكم قتلوا أطفالكم ، وبقروا بطون نسائكم ، وأخذوا بلحى شيوخكم
الأجلاء فساقوهم إلى حفائر الموت سوقا ، فما ذا تنتظرون بأنفسكم ؟
اجلبوا عليهم بخيلكم ورجلكم، واصدقوا حملتكم عليهم ، وجعجعوا بهم ،
واقتلوهم حيث ثقفتموهم ، واطلبوهم بكل سبيل ، وفوق كل أرض ، وتحت كل
سماء ، وأزعجوهم حتى عن طعامهم وشرابهم ، ويقظتهم ومنامهم ، فما أعذب
الموت في سبيل تنغيص الظالمين !
احفروا لأنفسكم بسيوفكم قبورا ، فالقبر الذي يحفر بالسيف لا يكون حفرة
من حفر النار .
لا تطلبوا المنزلة بين المنزلتين ، ولا الواسطة بين الطرفين ، ولا
العيش الذي هو الموت أشبه منه بالحياة ، بل اطلبوا إما الحياة أبدا ،
وإما الموت أبدا .
غدا ينتهك أعداؤكم حرمة أرضكم ودياركم ، ويملكون عليكم نسائكم وأولادكم
، ويطأون يحوافر خيولهم مساجدكم ومعابدكم ، وينظمون في ثقوب أنافكم
مقاود يقودونكم بها إلى مواقف الذل والهوان كما تقاد الإبل المخشومة
إلى معاطنها ، فافتدوا أنفسكم من هذا المصير المهين بجولة تجولونها في
سبيل الله ثم تموتون موت الجبان في حياته ، وحياة الشجاع في موته ،
فموتوا لتعيشوا ، فو الله ما عاش ذليل ولا مات كريم .
إن هذه الأساطيل الرابضة على شواطئكم ، والمدافع الفاغرة أفواهها إليكم
، والبنادق المسددة إلى صدوركم ونحوركم ، لا يمكن أن يتألف منها سور
منيع يعترض سبيلكم في رحلتكم من هذه الدار إلى تلك الدار ، فسيروا في
طريقكم إلى آخرتكم ، فإن الأعداء إن ملكوا عليكم طريق الحياة لا يملكون
عليكم طريق الموت.
المستميت لا يموت ، والمستقتل لا يقتل ، ومن يهلك في الإدبار أكثر ممن
يهلك في الإقدام ، فإن كنتم لا بد تطلبون الحياة فانتزعوها من بين
ماضغي الموت .
إن كتاب التاريخ قد علقوا أقلامهم بين أناملهم ، ووضعوا صحائفهم بين
أيديهم ، وانتظروا ما تملون عليهم من حسنات أو سيئات ، فأملوا عليهم من
أعمالكم ما يترك في نفوسهم مثل ذلك الأثر الذي تركته في نفوسكم تلك
الصحائف البيضاء التي سجلها التاريخ لأولئك الأبطال العظام .
موتوا اليوم أعزاء قبل أن تموتوا غدا أذلاء .. !
موتوا قبل أن تطلبوا الموت فيعوزكم ، وتنشدوه فيعجزكم.. !
موتوا اليوم شهداء في ساحة الحرب ، تكفنكم ثيابكم ، وتغسلكم دماؤكم ،
وتصلي عليكم ملائكة الرحمن قبل أن يسبق قضاء الله إليكم فيموت أحدكم
فلا يجد بجانبه مسلما يصلي عليه صلاة الجنازة ثم يمشي وراء نعشه إلى
قبره حتى يودعه حفرته ، ويخلي بينه وبين ربه .
إن الشيخين أبا بكر وعمر ، والفارسين خالدا وعليا ، والأسدين حمزة
والزبير ، والفاتحين سعدا وأبا عبيدة ، والبطلين طارق بن زياد وعقبة بن
نافع وجميع حماة الإسلام وذادته من السابقين الأولين والمهاجرين
الصابرين ، يشرفون عليكم اليوم من علياء السماء ، لينظروا ما ذا تصنعون
بميراثهم الذي تركوه في أيديكم ، فامضوا لسبيلكم ، واهتكوا بأسيافكم
حجاب الموت القائم بينكم وبينهم ، وقولوا لهم إنا بكم لاحقون ، وإنا
على آثاركم لمهتدون .
إن هذا اليوم له ما بعده ، فلا تسلموا أعناقكم إلى أعدائكم ، فإنكم إن
فعلتم فلن يعبد الله بعد اليوم على ظهر الأرض أبدا.
|