بالكلام المباشر وبعيدا عن
التحليلات والاستنتاجات التي تقبل الاحتمالات الصح والخطأ, مسعود
البارزاني أبا عن جد يحمل مشروع انفصال الشمال العراقي ليشكل نواة
الدولة الكردية القومية. ولم يتوانى من اجل تحقيق هذا الهدف, هو ومن لف
لفه, من أن يتحالف مع الشيطان ومع الرحمن على حد سواء ان وُجد رحمانا
على الأرض يقبل تلويث يديه بمصافحة نجسة لا تطهرها كل أنهار العالم.
بمعنى آخر ان سياسة التأسيس لكيان قومي كردي شوفيني في شمال العراق قد
انتهجت بلا حياء كل السبل غير الاخلاقية, وهي في جلّها معلنة صريحة
وسافرة, ما كان منها مع ايران او مع الكيان الصهيوني المجرم أو مع
الامبريالية الأمريكية الخادمة للصهيونية والاحتكارات العالمية الجشعة.
واليقين ان مسعودا هذا هو من بين أكثر من عرفهم تاريخ العراق وقاحة في
أساليبه غير الأخلاقية, ان اقتضى الحال, وكما حصل في واقعة أربيل عام
1998 حيث استنجد بالقيادة العراقية لانقاذه من سيل الجراد الطالباني
القادم من السليمانية مع ان كلا التيسين كانا يعيشان تحت حماية جي
جارنر الامريكي في الزون الآمن خلف خط الأمان الامريكي الذي أعلن عام
1991 كخطوة أمريكية صهيونية فارسية اولى باتجاه تفتيت الوحدة الوطنية
العراقية. ولم نر قطرة حياء واحدة لا في جبين مسعود هذا ولا في جبين
صاحبه الطالباني, الذي طردته طليعة محدودة العدد من اسود الحرس
الجمهوري خارج أربيل, حينما استدعاهم أسيادهم الأمريكان المتصهينون
ليشكلوا القطب الثالث في عقد الشراكة الاحتلالية ولم يجدوا أي حرج في
عبور ذاك الشرخ الذي لا يمكن لرجل حقيقي أن يعبره الا إن كان ناقص
الرجولة وبلا حياء وسياسي رخيص ينتمي الى أحط مكونات السياسة في صورتها
القذرة غير الشريفة.
حين يعلن مسعود البارزاني ان العراق الموحد قد صار كأحلام العصافير,
فعلى ما ذا يستند وما هي القوة التي تحركه وما هي امكانات تحقيق مشروعه
الذاتية والموضوعية؟
مسعود يتحرك بايحاءات واشارات وتعليمات أمريكية معروفة ومعلنة في جلها.
وهو كزعيم قومي شوفيني والكيان الكونفدرالي الذي أسسه محض نتاج أمريكي
ولا اظن ان هناك مَن يخالف هذه الحقيقة المطلقة. ومسعود وجماعته
يتحركون كالسلاحف في مخطط تفتيت العراق رغم انهم يحاولون جاهدين اضفاء
صبغة اتحادية على طروحاتهم لذر الرماد في العيون ليس الاّ. ومنطق حدود
الاقليم وقوة البيشمركة والثروة النفطية في الاقليم كلها عوامل تحريك
للمشهد السياسي العليل الذي تحركه الماكنة السياسية والمخابراتية
الامريكية وحليفاتها، وما هي الا عوامل تصعيد تتفاعل ظاهريا وباطنيا مع
أزمة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الفاسدة التي انتهت الى لا شئ بقدرة
اللاعب الامريكي الفارسي الصهيوني، لتكون هي الاخرى أحد محركات دفع
مشروع التفتيت الى مرحلة جديدة على أن يحقق الأكراد كحلفاء مؤتمنين
لامريكا فصلا جديدا من فصول تثبيت الكيان الانفصالي في الشمال والدفع
في نفس الوقت نحو تجانس مطلوب وبشكل ملح لا يمكن أن يتم الا بتنفيذ
كونفدراليات الوسط والجنوب تماما كما حفظ النشيد مسعود البارزاني وغناه
في جريدة النييورك تايمز الامريكية.
لقد نسى مسعود وجلال ان لواءا واحدا من جيش العراق الباسل قد حولهم الى
جرذان هاربة واخرى تقبع في الدهاليز ... ونسى او تناسى ان العراق
الواحد منذ 8 آلاف عام لن يكون بهذه الهشاشة ليتحول الى حطام ترقص على
اشلاءه مظاهر الهوس القومي الشوفيني الكردي المسعودي والطالباني من جهة
وهوس التشكيل الطائفي المقيت من جهة اخرى. ونسى مسعود وتناسى في لحظة
مزايدة نزقة راق له وزين له ان يعيشها في ميدان السياسة العراقية
والاقليمية الموبوء بعلامات اللا استقرار الفارقة وهو مزهو بنتائج
احتلال يظن واهما انها ستظل حائط امان يتكئ عليه ويحميه من غضب العراق
القادم لا محال. وأغفل هذا المهرج الزعطوط ان محاولته اللعب على مد
قومي شوفيني ليقتطع من العراق شماله ستفضي فيما ستفضي اليه الى مد قومي
عروبي هو هوية العراق وسمته الازلية سيقتلع جذوره ويعيده الى محض جرذ
يختبئ في كهوف جبال العراق او لاجئ في الكيان الصهيوني او ايران وغيرها
من الدول المغذية له والتي تحقنه بعبارات هو أصغر بكثير من دلالاتها,
تماما كما عاش أبوه الملا مصطفى, وأوهن بكثير من أن يحتمل نتائجها لان
مناطحة الاوطان وتاريخها وارادة شعوبها ليست بالبساطة التي يتصورها هذا
القزم المعتاش والمرتزق على فتات العمالة والخيانة. ويخطئ البارزاني اذ
يعتقد ان حاله سيكون كحال المحميات التي اقتطعت من العراق تحت الحماية
البريطانية في زمن مضى مثلا لان الفارق هائل في المضامين السياسية
والاحتكارية لكلا الحالتين، ولأن الزمن ايضا مختلف تماما فضلا عن ان
ذاك الاقتطاع كجزء من مجزرة سايكس وبيكو كان وسيظل من بين اهم بؤر
التوتر لان العرب سيظلون يعملون الى الابد لتحقيق وحدتهم ومقاتلة
التقسيم بهذا الدرب أو ذاك.
ويبدو ان مسعود فعلا لا يجيد القراءة والكتابة بالمستوى الذي يؤهله
الاطلاع على مجريات الاحداث في العالم عموما والعراق خصوصا. فمسعود لا
يمكنه فهم عوامل سقوط أكبر مشروع امبراطوري عملت لأجله أميركا ربما
لمئات السنين تحت وطأة ضربات المقاومة الوطنية العراقية الباسلة في شقه
العسكري وربما هو لايدرك معنى الاصرار الامريكي للهرب من العراق وذلك
على الارجح لانه لا يجيد القراءة وغير مسموح له ان يسمع الانباء الا من
مصادر حقنة بمورفينات الانفصال أو استخدامه بهذه الطريقة أو تلك في هذه
اللعبة القذرة. وهو لا يدرك حتما حجم الكارثة الاقتصادية الامريكية
التي سببها فعل المقاومة العراقية البطلة. وهو لا يدري طبعا ان
المقاومة تتجذر وتتصاعد مع تواتر وضوح البرنامج الذي يلعبه هو وأزلام
السلطة الاحتلالية الخائنة. وهو لا يريد ان يصدّق ان المقاومة ستقتلع
الاحتلال وكل نتائجه ومن بينها هو وكل قردة الخيانة.
لمسعود هذا الطافح بعزم غيره نقول: لن يمزق التاريخ نفسه لأنك تريد له
ان يفعل فالتاريخ اكبر من سفسطة لحظات خيلاءك وهو يتباهى بعراق واحد
رغم الردى ورغم كثرة الغيوم في الاجواء والغربان في الأرجاء. العراق
سيقتلعك أنت وكل الخونة طال الزمن أو قصر. واليقين يا مسعود انك تجهل
تماما معنى أحلام العصافير .. فيا لبؤس من يتغنى بألفاظ لا يفقه
معانيها.
|