إن الواقع السياسي الإيراني اليوم لا يعبر عن هوية إسلامية بأي شكل من
الأشكال، إنما هو مشابه تماماً للدور الفارسي، الذي كان قائماً حين
بدأت الدعوة الإسلامية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء
الراشدين من بعده، ولا يختلف عنه اليوم بشيء إلا إخفاء وجهه الكسروي
خلف قناع الإسلام والتشيع.
ولعل الممارسات والأساليب التي تنتهجها السياسات الفارسية منذ زمن
بعيد، وتطورها ووضوحها بعد عام 1979م بمقدم الخميني، تعبر بدقة متناهية
عن استحضار تلك الروح العدوانية تجاه العرب وعقيدتهم الإسلامية من جهة،
والصراع مع خلائف إمبراطورية الروم ووارثي مناهجها على أرض العرب
وخيراتهم من أجل الاستحواذ والهيمنة.
وهذا ما يؤكد الرأي القائل بأن الفرس لم تكن كل مساعيهم وجهودهم
ومؤامراتهم خلال أربعة عشر قرناً خلت إلا طموحات قومية عنصرية، اتخذت
من العقيدة الإسلامية ستاراً وقناعاً تخفي خلفه حقدها وأطماعها وإرادة
الشرّ فيها، كما تؤكد أيضاً أن التشويه وأساليب التشكيك في العقيدة
الإسلامية، والتزوير الذي مارسوه عليها باسم التشيع لآل بيت النبي صلى
الله عليه وسلم لم يكن إلا بهدف إضعاف الإسلام وإفقاده القدرة على
توحيد العرب، ليتمكنوا من النفاذ إلى داخل صفوفهم والعمل على تحطيم
كيانهم من على ساحاتهم.
وهنا يمكن فك كل ألغاز التناقض الموهوم في مواقف الفرس مع الغرب
الصليبي الصهيوني بين تحالف وانسجام على إيذاء العرب والإسلام، وبين
تنافس واحتراب على الهيمنة عليهم.
إنهم بذلك يحاولون استعادة تاريخ الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية،
ولن يتحقق لهم ذلك بإذن الله تعالى، ذلك أن الكيان الفارسي اعتمد على
أدوات، كالتي اعتمدها الاتحاد السوفييتي تماماً، فالتنظيمات والأحزاب
التي أوجدها بمكره ودسائسه وإغراءاته في الوطن العربي والعالم الإسلامي
لا تختلف كثيرا عن الأحزاب الشيوعية التي أنشأها الاتحاد السوفييتي
فيهما، افتقدت مصداقيتها ودورها وتأثيرها، لأنها كانت ترهن وجودها
بوجوده، فذهبت أو انحسم دورها بمجرد تفككه، ذلك أن ارتباطها بجهة
خارجية تتحكم في قرارها وقناعاتها ودورها يجعل صلتها بالشعوب هامشية،
تزول بزوال أسبابها ودوافعها، فإيران اليوم تنحدر مسرعة باتجاه التفكك
القومي، بسبب سياساتها القومية الفارسية العنصرية، فلم تعد خدعة التشيع
قادرة على إخفاء النوايا والطموحات الفارسية العنصرية، كما كانت من
قبل، لذلك نشأت في أوساط القوى الحيّة من القوميات الإيرانية الأخرى
إرادة الانفصال و التمرد على الهيمنة الفارسية، التي سعت منذ قرون
عديدة على طمس الهويات القومية الأخرى بذريعة التشيع، فكما هو معلوم أن
كيان الدولة الإيرانية تشكله خمس قوميات مختلفة في ثقافتها وأعراقها،
وليست القومية الفارسية المهيمنة على مقدراتها أكبرها حجما أو ثروات.
|