ها قد وضعت حرب –الانتخابات – أوزارها في العراق أو هكذا كان يفترض لها
أن تكون , بعد أن فاز فيها من فاز وخسر فيها من خسر , وبعد أن أستخدم
الجميع كافة الاسلحة ضد بعضهم البعض , بدأ من التخوين الذي هو القاسم
المشترك الاعظم فيما بينهم , مرورا بنشر الغسيل القذر الذي مورس خلال
السبع سنوات الماضية , والذي أشترك فيه الكل , وصولا الى أتهامات
التزوير التي طالت الجميع , والتي كان خطها البياني يخبو أو يعلو ,
حسبما يشعر كل طرف بأن الطرف الاخر قد بدأ يأكل من جرفه , سواء بأرادة
المواطن الحرة أو بأرادة القوى الاقليمية والدولية التي تقف خلف هذا أو
ذاك , لكن أوارها قد أستعر أكثر من السابق , فلوح البعض بأستخدام الحل
العسكري أن خرج الموضوع عن نطاق السيطرة , والقاء القبض على عناصر
ماتسمى الهيئة المستقلة للانتخابات , التي سارع المحتل لتطويق مقرها
بالمدرعات الامريكية وحماية صناديقها الانتخابية من محاولات حكومية قد
تجري بهدف السرقة أو التزوير , كما هددت القوائم الفائزة بأنزال
عناصرها ومؤيديها الى الشارع في محاولة لفرض الامر الواقع الذي أفرزته
صناديق الاقتراع , وتشكيل حكومة تحقق أهدافها وبرنامجها الانتخابي ,
بعد أن رفعت المحكمة الاتحادية في تفسيرها لمعنى القائمة الفائزة ,
الغطاء الدستوري الذي تمسك به الاخرون في أحقيتهم بتشكيل الحكومة
المقبلة , عندما أفتت بأن الذي يحق له تشكيل الحكومة هو من سيدخل قبة
البرلمان منفردا أو متحدا مع قوائم أخرى , ومحققا أكبر عدد من المقاعد
الانتخابية التي تمكنه من تشكيل أغلبية مريحة , تمكنه من فرض مرشحه على
الاخرين .
لقد وضعت نتائج الانتخابات الاخيرة أصحاب ( العملية السياسية ) رأسا
برأس ووجها لوجه , كل يستعد لمناطحة الاخر بقرون أمريكية ومن يحالفهم
من العرب , وأيرانية وتركية وأسرائيلية ولان ليس من بين الجميع من له
قرون طين , فأن الخاسر الاكبر سيكون شعب العراق , أذا مادوى الانفجار
الاكبر , وأصطرعت على أرضه كل هذه القوى , كل يبغي تحقيق مصالحه
الستراتيجية وتأمين متطلبات أمنه القومي وجعل العراق حديقة خلفية لهم ,
يقطفون ثمارهم منها أنا يشاؤون , والتي ظهرت بصورة مقززة في تحركات
أمريكية تدعم هذا الطرف على حساب الاخر المحسوب على أيران , ليس لسواد
عيون العراقيين بل لتعبيد الطريق لقوات الغزو كي تستقر في قواعدها
الامنة من دون خسائر , أو لتأمين رحيل قسمها الاخر الى محرقة أفغانستان
, كما أن أيران تحركت هي الاخرى لجعل مستقبل حلفائها مضمونا وتحت
السيطرة في صورة أكبر قتامة وأستفزازية , بعد أن أوعزت لهم فتقاطروا
عليها زرافات ووحدانا , بعضهم بحجة المشاركة في أحتفالات نيروز التي
لاتدانيها قمة سيرت العربية , وبعضهم بحجة الوقوف على رأي الشركاء
السياسين الفارين الى أيران المعارضين لتولي المالكي ولاية أخرى
بينما الهدف الحقيقي هو الاستماع الى أراء نجاد , الذي سبق ودعى في
خطاب رسمي الى منع البعثيين من دخول الانتخابات , في تدخل فاضح على
أعلى المستويات , والتي قصد بها كافة القوى التي لاتصطف مع نهجه ,
وكذلك توجيهات قاسمي سليماني الحاكم الفعلي للقسم الشرقي من المنطقة
الخضراء .
لقد سقط لباس الوطنية التي أرتداها زعماء الكتل والاحزاب المشتركة بما
يسمى ( العملية السياسية ) في أول محطة أختبار للمصداقية , وتبين زيف
أقوالهم التي شنفوا بها أسماع الناس , وأدعاتهم الباطلة بالحرص على
العملية الديمقراطية , وهم يتدافعون بالايدي والمناكب من أجل المناصب
مستقوين بالاجنبي كي يقصي بعضهم بعضا , متناسين بأنهم أنما يدخلون
الشعب والوطن في نفق مظلم من أجل مصالحهم ومصالح من يدينون بالولاء لهم
, كما سقطت شعاراتهم التي أمتلات بها ساحات الوطن , وصورهم التي كانت
تشير بجمل مبنية للمجهول لمدى الحقد والضغينة التي يحملها بعضهم للاخر
, وها هم يكرسون مجددا وضعا أنقساميا تشرذميا مستفزا , يعيد أنتاج صور
الجثث المجهولة الهوية , والتقسيم الطائفي الحاد على وقع الاصوات
الهاتفة ( انت لها يا أبا حمزة ) فيجيب الطرف الاخر ( أنت لها يا أبا
أسراء المالكي ) برفقة عشرات الكتاب والقنوات الفضائية العراقية
والعربية , التي بات من السهل جدا تشخيص بأسم من يكتبون وينطقون ,
وبمال من يسطرون ويبثون كل هذه السموم الطائفية والعنصرية
وكأن قدر العراق أن يبقى محكوما بهذه الثنائية البغيضة , بينما تختفي
الاصوات المعارضة لهذا المنهج لاسباب موضوعية يحكمها قانون الارهاب
العالمي الذي وضع على رقابهم كالسكين , أو لاسباب ذاتية سببها عدم
مقدرة البعض على مغادرة الماضي , والعمل الموحد من أجل العراق , فلازال
المعارض الشيوعي الوطني يتجنب التلاقي بالقومي , والقومي بالاسلامي
بسبب صور الماضي التي لازالت في الذاكرة , في وقت يفترض أن تكون فيه
محنة الوطن الحالية خير موحد لنا .
أن القول بمغادرة الطائفية السياسية , ونجاح خيار الصندوق الانتخابي ,
أنما هي أبغاث أحلام
فها هي الصناديق اللعينة تنتج نفس الوجوه التي حكمت وشاركت في مأساة
العراقيين , وتعيد الينا ماكان موجودا أصلا في الساحة السياسية , وأذا
كانت قائمة ما قد حققت تقدما طفيفا على غيرها , أعتبره البعض بأنه فتح
الفتوحات , فأن السبب في ذلك لم يكن لمنهجها العلماني كما قالوا , بل
لاحتوائها على رأس أستقطاب طائفي معروف مارس السلطة طوال سبع سنوات ,
ورأس أستقطاب عشائري رافق المالكي نائبا له , ورأس أستقطاب مناطقي ,
ورؤوس أستقطابات أخرى , أضافة الى زعيم القائمة الذي يعترف بأنه وكيل
الاحتلال وأجهزته منذ أن كان في المعارضة , وبذلك فلا يغرنكم قول البعض
بأنهم المنقذين من الظلال , وأصحاب التغيير والتجديد ودولة القانون ,
لانهم هم أنفسهم الذين تعاملوا مع قضايا الوطن والمواطن على أساس
حسابات الصفقة ( خذ وهات ) فيما بينهم , من أجل بقائهم على سدة الحكم
ولو كانوا صادقين في أقوالهم , لانتخوا لشعبهم وغادروا مواقعهم
التنفيذية والتشريعية , وأصطفوا معه في معاناته , لا أن يخصصوا جلسات
البرلمان العتيد لسن قوانين الحصانات والامتيازات الخاصة بهم , والتي
كانت تمر سريعا مرور البرق , بينما غالبية شعبهم يعاني الجوع والبطالة
والفقر المدقع , فهل بعد كل ذلك يمكن أن تغطى الشمس بغربال ؟
أن المنهج الستراتيجي الوحيد القادرعلى أنقاذ العراق من مأزقه, هو
أعادة بناء خيمته الوطنية دون ربطها بأوتاد أقليمية ودولية, بل بأرادة
وطنية ونفس عروبي يستنهض تاريخه وتراكماته الحضارية , وأن هذا الدور هو
يقينا حكرا على أصحاب المنهج المقاوم في العراق والامة .
|