لن يكفي أن ننطق لغة الضاد كي نكون عرب , ولن يكفي أن نعتمر الكوفية
والعقال ونشرب حليب النوق , ونعزف على الربابة في البوادي والقفار ,
ونطرب لحادي العيس , كي نسمى أمة عربية , فلقد تجاوزنا أقوام كثر
لاتربطهم عشر الصلات التي تربطنا , وأقاموا فيما بينهم أطر أتحادية ,
أقتصادية وسياسية وأمنية , وأصبح مواطنوهم يتجولون بين دولهم كما
يشاؤون ووقتما يرومون , بلا جوازات سفر وتأشيرات دخول , ويتمتعون بكافة
الحقوق مع مواطنوا تلك الدول المتحدة , بينما يحفل تاريخهم القريب
والبعيد , بحروب مدمرة , ومجازر مروعه حصلت فيما بينهم , لكنهم
تجاوزوها من منظور مستقبلي , ولم يضعوا كل ذلك التاريخ المؤلم على ظهور
مواطنيهم فتجلد هذه الدولة مواطنوا الدولة الاخرى , ويقضون السنين
يلعنون بعضهم بعضا . لكننا أمة العرب فعلنا عكس ذلك تماما , فعلى الرغم
من التاريخ المشترك , واللغة والدين والمصير الواحد , والجغرافية التي
لم تفصلنا عن بعضنا البعض بموانع وتضاريس طبيعية , لكن عين الشك مازالت
بيننا يقظة , فعندما لاتكون الحرب قائمة بيننا بالسلاح , فان الحرب
الباردة مستمرة , كل يحبط مشروع الاخر القومي , وكل يبحث عن زعامة
موهومة بين الكراسي , حتى باتت جوازات سفرنا ليست كافية للتجوال في
دنيا الوطن الكبير , لان كل مواطن منا يمثل النظام السياسي القائم في
دولته , في نظر الدولة العربية الاخرى , وعليه فان دخولنا وخروجنا
تتحكم به العلاقة التي تربط الانظمة , حتى العمالة العربية المتنقلة
بين دولنا أصبحت تخضع للتحقيق حين العودة الى الوطن الاصلي , لانهم في
نظر السلطات أصبحوا عملاء لسلطات البلد الاخر , وبذلك نسيت ألاجيال
العربية كيف كان العربي يتنقل من مشرق الوطن العربي حتى مغربه براحلته
, ويستقر حيثما يريد , وحيثما يوجد الماء والكلآ .
لقد قادت كل هذه الهواجس والشكوك التي أنتابت السلطات العربية الرسمية
, والتي عبر عنها وزير خارجية أكبر دولة عربية وهو يهدد شعب شقيق له ,
بأن يقطع قدم كل من تطأ منهم أرضه , في اللحظة التي كان العدوان
الصهيوني يرتكب اكبر مجزرة في التاريخ الحديث بحقهم نقول أن هذه
الهواجس هي التي أدت الى ضياع فلسطين وتشتت السودان والصومال , وتخلخل
وحدة اليمن , ومجاعة وتسول في دول عربية , وتخمة حد الافراط في الاخرى
, ثم الطامة الكبرى وهي تحطيم العراق , ذاك الصرح الحضاري الذي بني على
أسس قومية منذ أستقلاله في عشرينيات القرن المنصرم , وأختار بأرادته أن
يكون بيتا مشاعا لكل أبناء الامة , قوته لها وبها , وثرواته ملك لها ,
ودمائه مبذولة في سبيل حقها في الحياة الحرة الكريمة .
وعلى الرغم من ماسي الاحتلال وسنواته السبع العجاف , وقبلها حرب قطع
الارزاق منذ العام 1990 , ومشاركة النظام الرسمي العربي فيها باليد
واللسان والقلب , فأن العراقيين مازالوا يراهنون على الدم الذي لايمكن
في عرفهم أن يصبح ماء , وأن الاخ وأبن العم لابد أن يعينوهم على الغريب
الذي جار عليهم , وهم يرددون في مجالسهم صفحات من التاريخ العربي
البعيد حينما كانت القبائل العربية تغير بعضها على البعض الاخر , فتأسر
وتسبي وتغنم وتقتل , لكن الدم يبقى يحن الى الدم الذي سرعان ما يحول
الخصومة الى تحالف , والقتل الى مصاهرة وود ووئام , غير أن البعض من
الاشقاء لازال الى اليوم عاجزا عن الوصول الى هذا المستوى من الشعور
القومي الذي يملكه كل فرد عربي في العراق , بل أنهم لم يكتفوا لحد الان
بما اصاب اخوانهم من قتل وجوع وتهجير وأستعمار وفساد وأغتصاب , فما
زالت بعض صحفهم تجتر الماضي وتفتح جروحه , ومازال بعض كتابهم يعلن
أمنياته بأن لايبقى في العراق حجر فوق حجر , وتطرد سلطات حدودهم شعبه
المستجير بهم , وتستولي على شركاته المشتركة معهم التي أنشأها العراق
للتخفيف عن حصار شعبه قبل الاحتلال , وتصادر أو تخفي ارصدته التي كانت
أمانة لديهم كي يوفر العراق منها الخبز والدواء لاطفاله وشيوخه , حتى
وصل الحال ببعضهم حد التنكر لابسط القيم الانسانية ولانقول القومية ,
عندما لاتمتد أيديهم لمساعدة رموز وطنية عراقية يعانون من العوز والمرض
, مثل الفريق الاول الركن عبدالجبار شنشل أحد قامات الجيش العراقي ,
وأبطاله الصناديد , الذي خدم العراق والامة على مدى ستون عاما , ودافع
عن الارض العربية أينما كانت , وكان مثالا للوطنية والقومية الحقة ,
وكذالك السيد قاسم أحمد تقي وزير النفط الاسبق , الذي أنتخى له أحد
أعضاء مجلس النواب الاردني الشقيق مطالبا بتقديم المساعدة له , ومذكرا
بأفضاله عندما كان في موقع المسؤولية , بينما العديد من قادة الدول
العربية اليوم , ومسؤولي الخط الاول فيه , كانوا قد تخرجوا من كلياته
العسكرية والمدنية ’ وبعضهم كانوا يدرسون على نفقته , مع التقدير
العالي لكل الاشقاء الذين قاسمونا خبزتهم ومقاعد دراسة أولادهم ,
ودواءهم حينما هجرنا من الوطن .
أن أنظار العراقيين اليوم ترنوا الى مؤتمر القمة العربية في ليبيا ,
الذي لايخفى على أحد سعي البعض لافشاله , لاسباب خارجة عن المصلحة
القومية للامة , وتتعلق بالتنازع الغير مشروع على الزعامة والظهور,
والذي سيلقي بظلاله على كافة القضايا التي ستناقشها القمة , وخاصة
القضية العراقية التي لازال العرب لحد الان لم يتخذوا قرارا واضحا
بصددها , لافتقارهم الى الرؤية العقلانية الموحدة أولا , ولسياسة
المحاور التي ينتهجونها في التعامل مع القضايا المصيرية ثانيا , وخوفهم
من التقاطع السياسي مع المحتل ثالثا , وتغليبهم النزعة القطرية على
القومية رابعا , وتفضيلهم أن يكون قرار التعامل مع القضية العراقية
أمريكيا لاعربيا أخيرا , وبذلك كان الصمت العربي هو الغالب طوال
السنوات السبع الماضية , بل حتى الحراك الذي تم من قبل البعض منهم كان
مضرا بالقضية وعلى حساب الشعب العراقي , وهذا مامثلته مبادرات الجامعه
العربية خير تمثيل , أبتداءا من أعطاء منصب مندوب العراق في الجامعة
الى ممثل الاحتلال والاعتراف المبكر بمايسمى مجلس الحكم , مرورا
بمؤتمرات المصالحة الوطنية الفاشلة , وأنتهاءا بزيارة أحمد بن حلي
الامين العام المساعد للجامعة العربية في يناير الماضي الذي خاطب
المالكي ( لقد حققتم أنجازات كبيرة !!) و ( غمرتني السعادة عندما شاهدت
الجندي العراقي يقوم بواجبه في الشوارع بدلا من الاجنبي , فهذه
التطوارات ستشجع المستثمرين العرب على التوجه الى العراق ) , وكأن
خلاصة المشكلة في العراق هو عدم وجود أستثمار؟؟؟
متناسيا بأن المشكلة هي وجود محتل وسلطة ممثلة له ومنظومة فكرية
وتطبيقية أستعمارية هي (العملية السياسية) , وشعب مقاوم , وهذا ماعبر
عنه السيد مختار لماني الممثل السابق للجامعة العربية في العراق .
أن الخطوات الناجحة التي حققتها السياسة الليبية , بزعامة القائد معمر
القذافي , والتي تمثلت بأنتزاع الاعتذار والتعويض للشعب الليبي عن حقبة
الاستعمار الايطالي , وخضوع الولايات المتحدة الامريكية لطلب ليبيا
بتقديم أعتذار رسمي عن التهكم الذي صدر عنها مؤخرا , والمجاهرة بطلب
حقوق الامة من على منبر الامم المتحدة , وتبيان جور وظلم الولايات
المتحدة والدول السائرة في ركبها , أنما هو بارقة أمل لشعب العراق في
أستعادة حقوقه والتخلص من الاحتلال , ووقوف قاتليه وسراق قوته وثرواته
أمام المحاكم المتخصة بالجرائم الدولية , من خلال وقوف قادة الامة معه
في مؤتمر قمة ليبيا , كما عزز القائد الليبي هذا الامل في أستقباله
الحافل لوفد فاعليات الشعب العراقي مؤخرا , وتبنيه لكل مطالب الشعب
العراقي التي حملها الوفد , وتأكيده على أنه سيكون ممثلا للعراقيين في
القمة , ومساندا لهم في معركتهم القانونية التي وجه بضرورة التحضير لها
, بأعتبارها جهدا ساندا للجهد المقاوم الذي قام ويقوم به شعب العراق .
أن الامل يحدوا بالعراقيين لان يستلهم قادة الامة من حياة الشهيد البطل
عمر المختار زادا لهم في رعاية مصالح الامة , ومن الشهيد القديس صدام
حسين الشجاعة في الثبات على المواقف وهما الذين لاتبعد نصبهم عنهم سوى
أمتار قليلة .
|