عانت الجهود التي بذلها باراك أوباما منذ توليه الرئاسة لطمأنة مسلمي
"الشرق الأوسط الكبير" حول النوايا الأمريكية في المنطقة، من سلسلة من
التخبطات القوية التي تهدد بالإطاحة بالمكاسب المبدئية التي قد يكون قد
حققها في العشرة أشهر الأخيرة من حكمه.
فقد كشفت أحداث المنطقة، من باكستان حيث وقفت وزيرة الخارجية هيلاري
كلينتون علي مدي تنامي العداء للولايات المتحدة، إلي الضفة الغربية
وغزة حيث نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نيتانياهو في تحدي
مطالب واشنطن بتجميد المستوطنات، كشفت عن إنحسار مخططات الرئيس
الأمريكي.
كما طرح فوز الرئيس حميد قرضاي المشبوه في الإنتخابات الأفغانية، عددا
من التساؤلات الإضافية حول مدي جدوي ما وصفه أوباما في أغسطس الماضي
بالحرب الضرورية، ناهيك عن عدم قبول إيران خطة تصدير غالبية اليورانيوم
المنخفض التخصيب لمعالجته في الخارج، وهو ما يتوقع أن يؤثر علي آمال
التهدئة في تلك الجبهة.
تضاف إلي ذلك سلسلة التفجيرات الدامية التي وقعت في الأسابيع الأخيرة
في العراق والتي أججت نيران العنف الطائفي فيها، ثم مرحلة الجمود التي
دخلتها مساعي التقارب الأمريكي من سوريا، ناهيك عن تعثر حل الأزمة
السياسية الطويلة التي تواجهها لبنان.
القليلون من المحللين في واشنطن يلومون الرئيس أوباما وحده علي عدم
تحقيق أي تقدم جوهري علي أي من هذه الجبهات، فقد ساهم عدد من الأحداث
غير متوقعة إلي حد ما في تبديد آماله الأولية، ومنها علي سبيل المثال،
التدهور السريع في الأوضاع الأمنية في أفغانستان، وعجز إدارته عن
السيطرة علي قوي سياسية داخلية متعنتة في واشنطن، وكذلك خارجية كتشدد
حكومتي إسرائيل وإيران.
لكن الواقع هو أن ثمة موجة من الإحباط الواضح المتصاعد بين أولئك الذين
آمنوا بأن إستراتيجية السياسة الخارجية الواقعية والتحاور والعزم علي
تحقيق حل الدولتين في الشرق الأوسط، ستحقق تقدما سريعا علي طريق تحسين
صورة أمريكا التي تدهورت بصورة كارثية تحت الإدارة السابقة.
عن هذا صرح شاس فرييمان، السفير الأمريكي السابق لدي المملكة السعودية
الذي سحب ترشيحه لترأس مجلس المخابرات الأمريكية القومي في بداية العام
تحت وطأة الحملة الإعلامية المعادية له التي شنها المحافظون الجدد
المقربون من حزب ليكود الإسرائيلي، صرح أن "هناك قلقا متفشيا الآن،
خاصة في العالم العربي، من عجز الإدارة الأمريكية عن الأداء في أي من
القضايا المثارة في المنطقة"
وأضاف لوكالة انتر بريس سيرفس "أعتقد أن هناك فارق كبير بين مفهوم
أوباما كشخص، ومفهوم الحكومة الأمريكية كمؤسسة... وأن أوباما يغرق وسط
الرؤية السلبية القائمة تجاه الحكومة الأمريكية في المنطقة".
وبدوره قال ستيفن كليمنوز، مدير برنامج الإستراتيجية الأمريكية بمؤسسة
"نيو أميركا"، أن أوباما "بدأ بداية حسنة حقا، خاصة بخطابيه في إسطنبول
(أبريل) والقاهرة (يونيو)، في سعيه لتغيير منظور المنطقة للولايات
المتحدة، وعرض رؤيته لنوعية العلاقات التي يريدها".
ثم شرح "ومع ذلك لم تواكب كلماته ذلك التغيير الهيلكي المعلن في سياسة
(واشنطن) تجاه أفغانستان، وإيران، وسوريا، والفلسطينيين، علي غرار ا ما
فعله الرئيس السابق ريتشارد نيكسون تجاه الصين".
هذا وتأتي أفغانستان علي قمة المشاكل الأكثر إلحاحا التي يواجهها
أوباما، الذي ينظر الآن في طلب المؤسسة العسكرية بإضافة نحو 44,000
جنديا لمجموع 68,000 المتواجدين حاليا في أفغانستان، لمواجهة زحف
طالبان وكسب الوقت لتمكين الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي من بناء
قدارت حكم محلية وجيشا أفغانيا قادرا علي الإعتماد علي الذات.
وجاء هذا الطلب بعد مجرد ثمانية أشهر من قيام نفس المؤسسة العسكرية
بإبلاغ الرئيس أوباما بأنها تحتاج إلي 75,000 جندي فقط لتحقيق نفس
الغاية. لكن طالبان حققوا تقدما تجاوز كل التوقعات وقتلوا أعددا أكبر
من قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وذلك تزامنا مع تفشي فساد
حكومة الرئيس حميد قرضاي، ما يزيد الأمور تعقيدا.
هذا ويعتقد المحللون السياسيون أن الرئيس أوباما، الذي وصف حرب
أفغانستان بأنها ضرورية ما يجعل من المستعبد التفكير في إنسحاب القوات
الأمريكية منها، سوف يوافق علي طلب المؤسسة العسكرية بإرسال علي الأقل
نصف عدد الجنود الإضافيين المطلوب.
ومع ذلك، يكن بعض الخبراء قلقا عميقا من أن يأتي أي تصعيد للتواجد
العسكري الأمريكي بنتائج عكسية لا في إفغانستان وحدها، بل وفي جارتها
باكستان أيضا حيث يتنامي العداء تجاه الولايات المتحدة جراء ضغوطها
الهائلة لإجبار الحكومة والجيش الباكستانيين علي الرضوخ لإرادة واشنطن.
وفي نفس الوقت، يبدو وأن أحداث بقية أرجاء الشرق الأوسط تتآمر ضد جهود
أوباما. فقد تؤدي موجة الإنفجارات في العراق، التي تتزامن مع تصاعد
التوترات بين العرب والأكراد حول مصير كركوك، إلي إبطاء تنفيذ خطة
إنسحاب القوات الأمريكية، بل وإنهيار الإستقرار النسبي البادي في
العامين الأخيرين.
ويتصادف مع هذا الوضع، إستمرار المراوغات الإيرانية في تنفيذ خطة تصدير
اليوارنيوم المتفق عليها مبدئيا في الشهر الماضي بمساندة الولايات
المتحدة، ما يضيف العراقيل في وجه إدارة أوباما وسعيها لمقاومة الضغوط
المتنامية التي يمارسها المسمي "اللوبي الإسرائيلي" وحلفاؤه في الحزبين
الديمقراطي والجمهوري، لفرض عقوبات مشددة علي إيران، حتي قبل نهاية
العام الجاري.
لكن ذلك من شأنه أن يقضي علي سياسة التحاور التي يتبناها أوباما، وأن
يصعد التوترات الشديدة القائمة بين حكومتي طهران وتل أبيب، ويجدد
التكنهات حول عزم إسرائيل الهجوم علي منشئات إيران النووية، ورد الفعل
الأمريكي الممكن.
وعلي الرغم ما كل من سبق، فقد يكمن التحدي الأعظم، في موجة التشاؤم
السائد حول إسلوب أوباما في التعامل في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني
الذي وصفه مستشاره للأمن القومي الجنرال جيمس جونز في الأسبوع الماضي،
بأنه "النواة المركزية" لكافة التحديات القائمة في وجه الولايات
المتحدة في هذه المنطقة بل وخارجها .
|