في الخطاب الأميركي الرسمي والعلني، لاتزال إدارة الرئيس الأميركي
باراك أوباما تشدد على التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة
الأميركية وإسرائيل بوصفها علاقة تتميز بفرادة خاصة لأسباب تتعلق
بطبيعتها وخصوصيتها وشمولها وعمقها وديمومتها.
ولاتزال الولايات المتحدة الأميركية منحازة لإسرائيل، يكشف على ذلك أنه
في ذروة الخلاف الأميركي- الإسرائيلي حول الاستيطان في القدس الشرقية،
انفردت واشنطن في 24/3/2010 بالتصويت في مجلس حقوق الإنسان التابع
للأمم المتحدة في جنيف ضد قرار يدين الانتهاك الإسرائيلي لمكانة القدس،
وهو سلوك يناقض كل المواقف التي يطلقها المسؤولون الأميركيون بشأن
معارضتهم للاستيطان في القدس.
إذا كان كل هذا صحيحا ، تقتضيه طبيعة العلاقة الأميركية- الإسرائيلية،
وكذلك طبيعة المرحلة التي تمر بها إدارة اوباما لكونها على أعتاب
انتخابات تشريعية نصفية تحتاج فيها ليس إلى أصوات اليهود الأميركيين
فحسب، بل وقبل ذلك إلى جهود اللوبي الصهيوني «آيباك» المؤيد لإسرائيل،
فإنه بالمقابل علينا أن نرى الصورة الأخرى التي عليها الرئيس الأميركي
باراك أوباما ، فهو رئيس يزهو بانتصار داخلي وشعبية مرتفعة بعد اقرار
قانون اصلاح الرعاية الصحية، وهو جاهز لاستثمار ذلك خارجيا، لتعزيز
نفوذ ومصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال المرحلة المتبقية
من ولايته الرئاسية ، وهو في مواجهة الاصرار الإسرائيلي على افراغ
العملية التفاوضية مع السلطة الفلسطينية، بادر إلى إحياء المجموعة
الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة
والاتحاد الأوروبي وروسيا، والتي أصدرت بياناً جماعياً يؤمن مظلة
للموقف الأميركي.
وفضلا عن ذلك فإن الرئيس الأميركي بارك أوباما بادر إلى إجراء سلسلة
اتصالات مع عدد من الزعماء الغربيين، وسط معلومات عن سعي جدي لتشكيل
جبهة دولية للضغط على حكومة نتنياهو.
ولاشك ان مثل هذا السعي الأميركي، لاينطلق من فراغ فالاتحاد الأوروبي
لم يتردد في ادانة المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية في غير مناسبة على
امتداد مرحلة الأزمة بين واشنطن وتل أبيب.
كما أن الأزمة الناشطة بين إسرائيل وعدد من الدول الأوروبية واستراليا،
على خلفية تزوير الموساد الإسرائيلي جوازت سفر عائدة لهذه الدول
واستخدامها في عملية اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبي
الشهر الماضي، تنذر بفصول جديدة، بعد قرار بريطانيا طرد دبلوماسي
إسرائيلي متورط في عمليات التزوير.. ما يعني ان اسرائيل تعاني لأول مرة
في تاريخها، من أزمة متعددة الأطراف مع أقرب وأقوى حلفائها التاريخيين،
وليس فقط مع محيطها العربي والاقليمي، الأمر الذي لا يمكن القفز فوقه
أو التقليل من أهميته.
المحللون الغربيون المتابعون للخلاف الأميركي- الإسرائيلي، يعتقدون أن
«قواعد اللعبة بين الحليفين القديمين آخذة في التغير». فهم لا يبالغون
كثيرا في طبيعة الأزمة، لكنهم بالمقابل يقولون: إن إدارة الرئيس
الأميركي باراك أوباما ذاهبة في اختبار القوة مع حكومة نتنياهو. وهي
(أي إدارة اوباما) تحاول التوصل إلى مخرج من المأزق الراهن في الخلاف
مع إسرائيل حول موضوع التسوية مع السلطة الفلسطينية. ذلك أن التسوية
باتت مرتبطة بالمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط،
وهي تزداد أهمية بالنسبة إلى واشنطن، بينما تتقلص أهميتها بالنسبة إلى
إسرائيل وهذا مؤشر لتحول جوهري في العلاقات الأميركية- الإسرائيلية.
الرئيس الأميركي باراك أوباما عرض على رئيس الحكومة الإسرائيلية
بنيامين نتنياهو في لقائه الأخير خطة بديلة، إذا رفضت إسرائيل إجراء
مفاوضات لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين، هي:
«إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود 4 حزيران 1967 مع تعديلات
حدودية، وتبادل أراض، خلال ولايته، وتكون القدس عاصمة للدولتين مع
إدارة دولية للأماكن المقدسة، وفور قيامها يطلب إلى الدول العربية
الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات ديبلوماسية معها».
في ظل غياب تسوية حقيقية للصراع العربي- الإسرائيلي، وفي القلب منه
الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، بدأ بعض القادة في الإدارة الأميركية
الحالية يشعرون بتداعياته على المصالح القومية الأميركية، وكانت صحيفة
«واشنطن بوست» في عددها الصادر يوم الأربعاء 24 آذار 2010، توصلت إلى
نتيجة مفادها أن ديناميكية العلاقة الأميركية- الإسرائيلية تتغير في
شكل يثير قلق الكثير من اليهود الأميركيين. وذكرت أن نهج إدارة أوباما
ووضعه «تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وليس فقط العلاقة
الإسرائيلية- الأميركية» كـ «مصلحة الأمن القومي الأميركي»، غيرت قواعد
اللعبة.
|