قلت، وأكرّر، إنّي من اليائسين من العملية السياسية ومن ثمرها المرّ
كلّه، ولست من الواثقين بأن "ديمقراطية" يفرضها محتل على بلد يغزوه
يمكن أن تعود بالخير على الشعب المغلوب على أمره، ولا أؤمن أبداً
بطروحات الممثلين في المشهد السياسي العراقي الذي رسمه المحتل، ولا
يمكن أن أصدّق أحداً من الذين حملوا دبابات المحتلين على ظهورهم وجاءوا
بها لغزو العراق، ولا بالذين وجدوا أن المشاركة في العملية السياسية
للمحتل صفقة سياسية يمكن أن تدرّ عليهم أرباحاً كفيلة بجعل أحفاد
أحفادهم يعيشون في بحبوحة عيش رغيد، كما يعيش إلى الآن أحفاد الذين
تعاونوا مع المحتل البريطاني مطلع القرن الماضي ثم جاء هؤلاء الاحفاد
مع المحتل الجديد ليحيوا تجارة آبائهم وأجدادهم.
لكن العراقيين مع كل لعبة امريكية جديدة يثبتون أنهم شعب واع ويفرضون
ارادتهم ويعرفون كيف يطيحون بقاتليهم، ها هو الحكيم وائتلافه يتراجع،
ويقف ائتلاف المالكي على شفا حفرة ليصعد علاوي، وعلاوي ليس أقل سوء من
الآخرين فهو واحد من أزلام المحتل وتعاون مع عشرات الأجهزة المخابراتية
الأجنبية، على حد اعترافه، ليحصل في العراق ما حصل، إلا أن المحتل وضع
العراقيين أمام هذه الدائرة المغلقة ليقول للعالم إنه جلب الديمقراطية
إلى بلد علم العالم الحضارة.
ان المثل الشعبي العراقي الذي يقول: "تريد غزالاً خذ أرنباً.. تريد
أرنباً خذ أرنباً" شديد الانطباق على مفهوم هذه الانتخابات، ولذلك لن
يخرج العراقيون من هذه الانتخابات إلا بأرنب، كما يريد المحتل.
بثت قناة الجزيرة الدولية مساء يوم الجمعة 19/3/2010 لقاء مع الدكتور
تودنهوفر مؤلف كتاب "لماذا تقتل يا زيد؟" ضمن برنامج (من داخل العراق)
الذي يقدمه الصحفي السيد جاسم العزاوي، وعندما سأله العزاوي عن ماهية
الصور التي يخفيها الإعلام الغربي، قال تودنهوفر إن بغداد هذه المدينة
التاريخية الأسطورية مدينة الف ليلة وليلة تحولت تحت الإحتلال الى
مدينة مقسمة تفصل أجزاءها آلاف الجدران الإسمنتية وتعلوها أبراج
المراقبة والبالونات التي تحتوي أجهزة تصوير ومراقبة، وإنه عندما زار
بغداد قبل أشهر عدة فوجيء بتقسيم المدينة وطلب من فريق التصوير الذي
يرافقه تصوير بالونات وأبراج المراقبة والجدران الإسمنتية، إلا أن
القوة الأمنية منعتهم من ذلك وصادرت آلة التصوير وكسرت الكومبيوتر
المحمول الذي معهم لأن الأمريكان لا يريدون أن يعرف الناس ماذا يجري في
هذا البلد، وأضاف: حتى البعثات الدبلوماسية في بغداد لا تعرف شيئا عن
البلد، فأعضاء السفارة الألمانية في بغداد قابعون في مقر السفارة ولا
يستطيعون مغادرتها.
وعن سؤال حول الإنتخابات الأخيرة أجاب تودنهوفر قائلا: "عندما أقرأ ما
تكتبه صحافة الغرب عن الإنتخابات فإن رد فعلي هو أن الولايات المتحدة
دمرت العراق ولم تحرره.. خلال زيارتي الأخيرة لبغداد إلتقيت شيخ عشيرة
كبيرة في مدينة الصدر وقال لي أن النظام السابق أعدم إثني عشر فردا من
عائلته، وسألته هل أنت سعيد بتحريركم من النظام السابق؟ فأجابني قائلا
إنه غير سعيد لإن من قتل في العراق في سنوات الاحتلال أكثر بكثير ممن
قتل في فترة الخمس وثلاثين سنة من حكم النظام السابق، والكهرباء اليوم
أقلّ والماء أقلّ والخدمات الصحية والتعليمية أقلّ. وأضاف تودنهوفر،
هذه هي الصورة الحقيقية، لكن الأمريكان يتحدثون عن الديمقراطية، الشعب
لا يريد ديمقراطيتهم، بل يريد الأمن والخدمات".
وكيف يتحقق الأمن وتتحقق الخدمات في ظل غياب السيادة وسطوة المحتل
وتسليطه أناساً أكبر انجازاتهم أنهم جعلوا العراق في مراتب متقدمة في
الفساد المالي في العالم كله؟
هذه صورة لما يحدث في العراق، وهي صورة شعب يقاوم بكل أساليب المقاومة،
شعب يريد استعادة صورته المشرقة التي شوهها المحتلون وأزلامه المختلون،
والهاجس الشعبي لا يكذب، فالعراقيون ينتظرون مع نتائج الانتخابات مزيدا
من القتل والتهجير والتفجيرات والاقصاء والتهميش، هي مزايا
(الديمقراطية) الفريدة التي حصلوا عليها، والتي يراد تعميمها على بلدان
المنطقة.
ولهذا نقول إن العراقيين مع مشاركة بعضهم في هذه الانتخابات، وهو الـ
(بعض) الذي مازال يأمل أن يكون خلاص بلده من خلال هذه الانتخابات، ولن
يكون، نقول: إن العراقيين سيلتفون أكثر فأكثر حول مقاومتهم الوطنية
التي وجدوا أنها فعلا خلاصهم الوحيد، وهي الأسلوب الأوحد لتحرير
الأوطان والتي أفشلت بضرباتها مشاريع أمريكا وأجبرتها على اتخاذ قرار
الانسحاب، فلم نَرَ أو نقرأ أن بلداً محتلاً في العالم حررته انتخابات
تجري تحت حراب المحتل والمرشحون فيها لا يعرفهم الشعب ولا يمتون اليه
بصلة، اللهم الا صلة سرقة خيراته وثرواته وحرمان الشعب منها.
وندعوكم أن تتفرجوا مجاناً، عما قريب، على المصير الذي سيؤول إليه
الاحتلال وأزلامه الذين "انتخبهم الشعب" كما يقولون.. تفرجوا على مشاهد
الهروب الكبير من بغداد، كما حدث في سايغون وفي كل بلد شهد هزيمة
أمريكا، فارادة الشعوب لا يقهرها سلاح مهما كان فتاكا ومدمرا، ووعي
الشعوب لا تنطلي عليه أكاذيب المحتلين مهما برعوا في فبركتها وصنعها.
|