ولد البعث في رحم أمة العرب ، ونشأ وتربى في ربوع مضارب العرب ، على
جبالها وفي سهولها ووديانها وداخل المدن العربية وفي احياءها بين
أزقتها وشوارعها ، رضع لبنا درا صافيا ، واستنشق هواءا عطرا نقيا ،
واستلهم فكرا وضاءا مستنيرا من منبع الرسالة العربية ، فتجلت في شخصيته
كل معالم القوة البنيوية والفكرية . فأنطلق منذ تأسيسه عام 1947 قويا
عزيزا منيعا يتحدى اشرس الاعداء ويقاوم اعتى الضروف والمؤامرات ويحقق
اكبر وأعظم الانتصارات .
لقد كان الشباب العربي المؤمن بعقيدة السماء ورسالة الأمة حجر الزاوية
في البناء البعثي الرصين ، فنشأ البعث بشبابه ورجاله من الرعيل الأول
ومن تلاهم بهذه المواصفات لاتلهيهم عن مبادئهم وأهدافهم السامية تجارة
ولا جاه ولانفوذ ولا سلطة ولا الدنيا بكل زينتها وبهرجها ، فأستحقوا أن
يطلق عليهم الآخرون آلقابا عديدة منها الدراويش لفرط زهدهم عن مغريات
الحياة ومنها المتصوفة لفرط ايمانهم بأمتهم وعقيدتهم ونبل أهدافهم ،
ومنها الأبطال لحبهم التضحية والفداء من أجل الأمة وقضاياها ، ومنها
صناع الحياة لأنهم أصحاب مشروع عربي نهضوي يجمع الشتات ويوحد الصفوف
وينطلق بالإمة على قاعدة علمية حضارية الى حيث الرقي والتقدم والى حيث
كانت سيدة العالم .
واذا كان البعث قد نشأ في مرحلة خطيرة من مراحل الضعف التي مرت بها
الأمة العربية حيث الاستعمار والتقسيم والتخلف . فأنه جاء تلبية لحاجة
الأمة لمن ينتشلها من هذا الوهن وينطلق بها الى أمام فيحرر طاقاتها
وقواها ويوحد صفوفها ويبعث فيها مقومات الحياة الجديدة المبنية على
التقدم العلمي والرقي الحضاري معتمدا بالدرجة الاساس على مكنونات هذه
الأمة وخزائنها الفكرية والعلمية والثقافية التي وضعت حجر الاساس
لانطلاق كل علوم الدنيا في الطب والفلك والرياضيات وغيرها إضافة الى
ماتتمتع به الشخصية العربية من نضج فكري وقدرة على الاستيعاب والفهم
واستعداد للبذل والعطاء والتضحية ، وهكذا صمم فكر البعث على قياسات هذه
الحالة العربية وماتتطلع اليه الأمة من دور انساني وحضاري على الصعيد
العالمي .
يمكن القول أن ما تقدم هو سمات مرحلة النشأة والتأسيس في اربعينيات
القرن الماضي وهي نشأة صحية صحيحة أقامت بنيانا قويا شامخا صلبا شارك
بدور فعال في كل معارك الأمة التحررية ابتداءا من معارك فلسطين 1948
وحرب التحرير الجزائرية والانتفاضات الثورية في أغلب البلدان العربية
إن لم نقل جميعها ، ومعارك العرب في 1973 ، وتكاد لاتخلو ساحة عربية
شهدت ملاحم بطولية من رفات لشهداء البعث . وكانت معركة القادسية
الثانية "قادسية الشهيد الخالد صدام حسين " أكبر وأروع تلك المعارك
والملاحم التاريخية التي دافع فيها رجال العراق والبعث عن شرف الأمة
وكانوا حماة حقيقيين لبوابتها الشرقية في وجه الهجمة الفارسية الهمجية
الشرسة التي كانت تريد السيطرة على المنطقة العربية واخضاعها للنفوذ
الايراني . وقد سحق رجال البعث بأرجلهم تلك الهجمة الصفراء ووأدوها
وأذاقوا قادتها ومنهم الدجال الكبير خميني الأرعن السم الزعاف .
لقد أخر رجال العراق والبعث بوقفتهم العظيمة في القادسية المجيدة
المشروع الفارسي الصهيوني الأمريكي في المنطقة العربية عدة عقود ليعود
اليوم بتحالف مفظوح ومعلن بين قوى الشر الأمريكية الصهيونية الفارسية
وهم يحاولون من جديد كسر شوكة البعث والعراق بعد حربهم العدوانية على
العراق في اذار ــ نيسان / 2003 ومازال البعث يقاومهم رغم عدم تكافىء
ميزان القوة فكل كفة ميزان التسليح لصالح العدو إلا كفة الايمان في
راجحة لصالح البعث والمقاومين الابطال ، لذلك يستمر البعث يسدد لهم
الضربات ويلحق بهم الهزائم ، وها هو مشروعهم التوسعي التقسيمي الجديد
يتهاوى ويندحر بأذن الله ، وها هو البعث ومن وراءه حاضنته شعب العراق
العربي الأصيل يقود المقاومة البطلة في العراق وهو يحتفل بالذكرى
الثالثة والستين لميلاده الميمون .
وإذا كان المواطن العربي من المحيط الى الخليج تواقا للمشاركة الى جانب
المقاومة الوطنية العراقية في الدفاع عن سيادة ووحدة واستقلال العراق
ودرء الخطر والشر الذي يتهدد الامة العربية بأكملها دولا وشعوبا في
حالة انهيار السد العراقي لاسمح الله ، فإن هذا المواطن يجد نفسه مكبلا
بقيود تحول بينه وبين نيل ذلك الشرف الرفيع . أما النظام السياسي
العربي فيقينا أنه فهم الدرس جيدا ، وأيقن أن العرب جميعا في دولهم
وانظمتهم السياسية مستهدفون بعد العراق ، ولكن لم يقدم العرب لحد الان
عونا ولا دعما للمقاومة الوطنية العراقية وهي تقاتل المشروع الامريكي
الصهيوني الفارسي نيابة عنهم ، فتركوا البعث والبعثيين والوطنيين
العراقيين يواجهون الة الحرب الكونية بمفردهم ولا نجد مايفسر أو يبرر
ذلك سوى الإمعان في التخاذل والخنوع وهو ماتعود عليه المواطن العربي
ولم يأت الإ بمزيد من الهزائم والانكسارات . وعليه فالعرب مطالبون
اليوم لتصحيح الموقف وتغيير المعادلة والمشاركة بجدية في معركة العراق
التحررية الى جانب شعب العراق ومقاومته الوطنية سيما وأن فرسان
المقاومة قد قطعوا شوطا كبيرا فيها على طريق النصر المبين ولم يبقى سوى
جني ثمار ذلك النصر فلا يحرموا أنفسهم من هذه الفرصة التاريخية التي
تقدم اليهم على طبق من ذهب .
في ذكرى ميلاده يزف البعث العربي الاشتراكي الى جماهير الأمة العربية
والى الخيرين في العالم أكثر من 180 ألف شهيد بعثي من خيرة قيادات
وكوادر وأعضاء تنظيمات قطر العراق ، وضعف هذا العدد من الجرحى ، ومئات
الإلوف من المعتقلين والمسجونين بسبب انتماءهم لحزب البعث ومشاركتهم في
العمل الوطني الرافض للإحتلال ، ومئات الإلوف من المفصولين سياسيا من
وظائفهم على خلفية انتماءهم للبعث ، ومئات الإلوف من المطاردين ومئات
الإلوف من المهجرين قسرا من ديارهم داخل وخارج العراق ، وعندما توضع
هذه الارقام أمام الرأي العام فمن الحق أن نتسائل اليست مثل هذه
التضحيات تتجاوز حدود الاحزاب بل لا تستطيع كثير من الدول تحملها ؟ وما
هو سر تمسك البعثيين بحزبهم وعقيدتهم مع استمرار مثل هذه التضحيات ؟
وما سر استمرار البعث بالمطاولة والمعركة مع كل هذه التضحيات ؟ وما سر
الإنتصارات التي يحققها البعث في المعركة فيلحق الهزيمة بأعتى تحالف
شرير على وجه الارض ؟ والاجابة على هذه التساؤلات وغيرها تكمن في مقدمة
هذا المقال حيث الولادة الصحيحة ، والبيئة الصحيحة ، والفكر الصحيح ،
والنشأة الصحيحة ، ونكران الذات والايمان المطلق بقضايا الامة ورسالتها
الخالدة . وفي كل يوم يعاهد البعث شعبه في العراق وأمته العربية
المجيدة على الاستمرار في المقاومة وقتال العدو الغاشم مهما غلت
التضحيات وما زال فيه عرق ينبض .
|