أن الحقيقة التي لا يمكن أن يشك بها أي مراقب أو محلل سياسي أن سلوك
النظام الإيراني في المنطقة يخدم الستراتيجية الامبريالية الصهيونية
بصورة مباشرة أو غير مباشرة, ولذلك سيبقى ملف هذا النظام مفتوحاً على
المستوى الدولي لانه يُبْقِي الحاجة العربية للتواجد الاجنبي في
المنطقة لحماية أمنهم وأمن نظامهم السياسي وثرواتهم من الغول المتنامي
الإيراني (أن إحتلال الفكة العراقية وكما ذكرنا سابقاً يحمل الكثير من
المدلولات والابعاد وواحد منها أن يفهم العرب أن مجاورة إيران لهم يعني
أن كل ثروتهم النفطية مهددة بل في متناول يد حرس ما يسمى بحرس الثورة
,وحتى أن كان الامريكيون موجودون ,اليس الامريكيون يحتلون كل العراق
وهم مسؤولون مباشرة عن أمنه وأمن ثروته.فأين هي الاتفاقية الأمنية
اللعينة وأين مسؤولية الُمحْتْلْ تجاه الدولة المُحْتَلة ووفق القوانين
الدولية,فما بال إذا كان التواجد الامريكي بصيغة ضيوف كما هو الحال في
بعض دول الخليج العربي ! الا يحتاج هذا الأمر إلى وقفة لتفحص حجم
ونوعية الثقة بالاجانب في حماية الأنظمة والثروات العربية؟ إنها سياسة
المصالح المبنية على ستراتيجيات خدمة الاجنبي مهما كانت طينته أو كان
فكره ومن السذاجة السياسية أن ينظر إلى هذا الالتقاء أوالتكامل بأنه
جزء من المساحات التكتيكية للسياسة الإيرانية والامريكية لهما, إنه
تكامل في بعض مفاصله متفق عليه وقائم على قاعدة تبادل المصالح
بينهم.وفي بعض ُمن المفاصل التقاء تكمل بعضها البعض بل تصب المصالح
بإتجاه واحد في بعض المواقف وبدون أن يحتاج الامر للتنسيق بينهما فأن
برمجة خدمة مصالحهما تتلاقى وحتى أن كان الزمن الافتراضي للعلاقات
بينهما يشهد تصادماً وهذا ما يشهده العقد الأول من هذا القرن والذي
يكشف توتراً بين الطرفين فيما يخص التطلعات الإيرانية النووية وتصعيداً
في كل جوانب العلاقات بينهما ولكنه شهد ويشهد تنسيقاً قويا بل تحالفاً
غير معلن ضد الحركة الوطنية القومية في العراق والذي كان من نتائجه غزو
العراق وتحطيمه لصالحهما ولصالح الكيان الصهيوني. وإذا أردنا أن نتبين
هذا التكامل و الالتقاء لابد أن نبدأ من التعرف على ركائز هذا التكامل
وكذلك نقاط الالتقاء وهي في تقديري وعلى النحو الاتي:
اولاً- الأهمية الجغرافية و الديموغرافية والاقتصادية في المنطقة,حيث
أن إيران تشرف على الساحل الغربي من الخليج العربي وهواكبر ساحل تطل به
دولة واحدة على خليجنا العربي,وأيضا تحد أفغانستان من الغرب وتشرف من
الشمال على جنوب بحر قزوين الذي يفصلها عن دول الاتحاد السوفيتي
السابق, وبالاضافة للاهمية النفطية لبحر قزوين ,وفي كل هذه البقع
الجغرافية تكون للولايات المتحدة مصالح ترتقي إلى مستوى مصالحها
الإستراتيجية, وإيران دولة تضم قوميات متعددة ولكل واحدة منها طموحات
في الاستقلال وترتبط بروابط مع أمتداتهم القوميةبالدول المجاورة. وهذا
يتيح لإيران أن تلعب في عوامل إستقرار المنطقة بقدر إمكانيتها بتحريكها
لهذه القوميات وتقديم الدعم لحركات التمرد فيها في البلدان المجاورة
لها ,وليس بدوافع الايمان بحقوق هذه القوميات و تطلعاتها الانفصالية بل
بالقدر الذي تسخر وتستغل إيران لهذه التمردات لفرض شروطها في إقامة
العلاقات مع دول الجوار, وكما فعل شاه إيران في العقد السابع من القرن
الماضي مع العراق وعلى نفس النهج يسيرعليه اليوم الملالي في طهران.وأما
من الناحية الاقتصادية فإيران دولة نفطية مهمة ولها تأثيرات في صياغة
قرارات الاوبك (الدول المصدرة للنفط), وتزايدت أهميتها خاصةً بعد
التزايد الملحوظ للنفط في بحر قزوين. وأيضا تمتلك إيران ثاني أكبر
إحتياطي للغاز الطبيعي في العالم.
ثانياً-أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك تماماً أن إستراتيجيتها
للسيطرة على مناطق الطاقة في منطقة الخليج العربي و منطقة أسيا الوسطى
لا يمكن أن تنجح بدون التنسيق مع إيران وإذا ما نجحت في أية واحدة
فإنها أيضا ستظل تفتقر إلى الاستقرار و ديمومة لنجاحها في ظل غياب
التفاهم مع إيران ,وأن الاعتراف بالمقابل لدورها الاقليمي في الطرف
الشرقي منها في أسيا الوسطى و الطرف الغربي منها المطل على الخليج
العربي يكونان شبه ملزم للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة وهذا
الالزام ينسحب ايظاًعلى التنسبق معها. وقد ظهر هذا التنسق الأمريكي
الإيراني وبشكل واضح في الموقف من العراق و أفغانستان ففي العراق ظهر
في الحلقات التنسيقية الاتية :
(1) كان نسج والتخطيط و تنفيذ المؤمرات على العراق و منذ قيام ثورة
17تموز المجيدة في عام 1968ومروراً بالعدوان على العراق في عام 1980
ومحاولة إستنزاف العراق في حرب دامت 8 سنوات و بهدف أساسي هو تعويق
خططه التنموية الشاملة وأيقاف تقدمه في كل المجالات لمنعه من جني ثمار
إنجاز التأميم الخالد في 1 حزيران 1972 الذي شكل في حينه ضربة موجعة
للامبريالية و الصهيونية وخسارة أقتصادية وسياسية كبيرة لهذا الحلف.
(2) التنسيق العالي بينهما في العدوان الثلاثيني على العراق في عام
1991. وتحريك إيران لعملائها في طعن العراق من الخلف أثناء تقدم قوات
العدوان وإعاقة إنسحابه المنظم من قبل المليشيات التابعة لإيران والتي
اليوم كافئها المحتل بتسليمها السلطة في العراق.
(3) المساهمة و بفعالية في محاصرة العراق حصاراً شاملاًو لمدة 13 سنة و
الذي أدى لقتل الملايين من الشعب العراقي.فالمعروف وبشكل أكيد أن قرار
الحصار كان أمريكياً,ولكن نظام الملالي ساهم وبشكل كبير في إحكام
الحصار على العراق,وهنا وقفة للتذكيرفقط,لم تتحرك الغيرة الطائفية
الإيرانية في حينهابما أصاب العراق بكل أطيافه ومذاهبه وذو ألاكثرية
المسلمة , ولاحتى تجاه الطائفة التي يدعي كذباً بأنه المدافع عنها!!
(4) من ثم تنسيق جهودهما في الاعداد لازاحة النظام الوطني في العراق
وعبر تنسيق جهودهما ومن خلال توزيع الادوار بين عملائهم.وأيظا في توحيد
جهودهما العسكرية و الاعلامية في غزو العراق في عام 2003 وتفاصيل هذه
المؤامرة معروفة وواضحة ..
و أما في أفغانستان فقد كان التنسيق الأمريكي الإيراني في إسقاط حكم
طالبان هو الخطوة الأولى لتؤكيد نجاحهما وبذات التنسيق هذا تم برمجة
مؤامرة إزاحة النظام الوطني في العراق.ولغاية اليوم يجري التنسيق بين
هاتين الستراتيجيتين سواء في العراق المحتل أو أفغانستان أوفي المنطقة
العربية,والابماذا تفسر زيارة أحمد نجاد إلى أفغانستان واللقاء بكرزاي
وهوالذي في حمايةو مساندة الأمريكيون وفي ظرف تحتدم المعارك حول معاقل
طالبان والفشل الاطلسي في الحاق الهزيمة بطالبان والاعلان الأمريكي عن
الاعداد لهجوم كاسح في الصيف المقبل!الا يمكن أن يفسر هذا الاعلان
وسيلة من وسائل الضغط الأمريكي على طالبان للقبول بصفقة جزء منها
يحملها هذا النجاد في حقيبته؟! هذا من جانب و من جانب أخرأن إيران باتت
القوة الإقليمية الابرز و من دون منافس لها بعد غياب القوة الرادعة لها
في عراق قبل الاحتلال بل الوضع في العراق أصبح اليوم جزء من العمق
الأمني الإيراني في ظل تسلط الاحزاب الموالية لها على السلطة في
العراق,وأن إحراج المحتل الإيراني بالهجمات التي تشنها الميليشيات
الموالية لهاوبالتنسيق العلني مع فيلق القدس الإيراني كجزء من
إستراتيجية إيران في الضغط على الولايات المتحدة لانتزاع إعترافاً
أمريكياً بالقوة الإقليمية لإيران وهي خطوة رئيسية لانتزاع الاعتراف
العالمي بها. ومن ناحية أخرى تدرك إيران أن الولايات المتحدة هي القوة
العظمى في العالم وبالتالي فإن موقعها الدولي والإقليمي سيواجه صعوبات
كبيرة في ظل القطيعة الأمريكية المعلنة سواء بسبب برنامجها النووي أو
مع أي تقاطعاً للسياسة الأمريكية في المنطقة و إلا سيواجه نظام الملالي
نفس مصير نظام الشاه الذي خرج في بعض سياساته عن طوع الولايات
المتحدة,فتخلت الولايات المتحدة عنه وتحالفت مع الحكام الجدد من رجال
الدين و أتباعهم .
ثالثاً_إن جزءاً من توجهات الإستراتيجية الإيرانية تخدم المشروع
الستراتيجي الأمريكي الصهيوني في المنطقة و ذلك من خلال مواجهة قوى
التطرف الإسلامي السلفي وفي المقدمة عدو الولايات المتحدة الأول تنظيم
القاعدة ولكنها تتغير و بأنتهازية متلونة في مواقف أُخرى ففي إفغانستان
تصطف الستراتيجية الإيرانية في معاداتها لتنظيمات القاعدة وذلك لمصلحة
حلفائها من الافغان والذين يرتبطون بها طائفياً,في حين في العراق تدعم
إيران تنظيمات القاعدة وتساهم في تدريبهم و تزويدهم بالسلاح أيضا مع
تقديم لهم القاعدة الامينة في هجوماتهم.
|