ليس جديدا على العراقيين انهم ينتجون أحزابا أكثر مما تنتج الظلمات
الفطر. سيقال، طبعا، انها "الديمقراطية".
ولكن، لحظة من فضلك.
الأحزاب، في سالف الأيام والأزمان، كانت تعني فكرا؛ مشروعا فلسفيا؛
رؤيا أيديولوجية؛ وبرنامجا سياسيا، ثم تنظيما.
بديمقراطية أم بدونها، فان مقومات الحزب الأساسية لا تتغير، ولا تتبخر.
وهو ما يجعل الربط بين "الديمقراطية" وتفريخ الأحزاب مبررا لا مبرر له.
هناك شيء آخر، هو الذي يجعلنا ننتج أحزابا ومنظمات وحركات وتجمعات، بلا
فكر، ولا فلسفة ولا برنامج ولا تنظيم. وهذا الشيء له علاقة بالتفسخ
أكثر بكثير مما له علاقة بالديمقراطية.
والتفسخ، هو الذي يجعل كل فرد يبدو كافيا لنفسه ليؤلف حزبا أو تنظيما
أو "مجتمعا مدنيا". وبطبيعة الحال، فكل واحد منهم يعتبر نفسه ممثلا
للشعب برمته.
سألني صديق، ذات يوم، إن كنتُ أمثل شيئا من الشعب العراقي، فقلت لا
والله. لا أحسب نفسي ممثلا لأحد. فأنا، مثل العشب الضار، قائم بذاتي.
أما ممثلو الشعب العراقي، فهم مهمين ومثقفين الى درجة انه أستر لك ألا
تظهر بينهم. وهم من الكثرة بحيث انك لا ترمي وردة في الهواء حتى تقع
على واحد منهم.
ويمتلك هؤلاء الممثلون مواهب استثنائية لم يسعفني بها الحظ. وعلى تعدد
أحزابهم ومنظماتهم ومشاربهم، فمعظمهم، في آخر المطاف، أعضاء في حزب
واحد.
فقال: كيف حزب واحد، وهم بالمئات؟
قلت: نعم، معظم ما تراه من أحزاب وتنظيمات هي فروع لحزب واحد هو "حزب
6×6 العراقي". (أو 6 ضرب 6... العراقي).
ولست أزمع الانضمام الى عضوية هذا الحزب. الوقت فات، من ناحية، ومن
ناحية أخرى، فأن تمضي حياتك معارضا لـ"حزب 6×6 العراقي" لن يعود مناسبا
"للشيبات" التي ظهرت في لحيتك أن تعود لتندم على الشيء الوحيد الصحيح
الذي فعلته في حياتك.
والحق يقال، فان "حزب 6×6 العراقي" هو أكبر وأعرق حزب في تاريخ العراق.
وقواعده منتشرة في الحكم والمعارضة على حد سواء. وله انصار داخل العراق
وخارجه. ومنهم من يؤيد "العملية السياسية" وينخرط فيها بحماس، ومنهم من
يعارضها ويندد بها بحماس. وتمتد مشاربهم ونوازعهم الأيديولوجية من
تأييد الاحتلال الاميركي الى تأييد المقاومة الوطنية العراقية، وكل ما
بينهما من تنوعات.
وهذا هو الحزب الوحيد الذي يحكم عمليا على طول الخط، منذ رحيل السلطان
العثماني، حتى يومنا هذا. وهو حزب من الأهمية بمكان بحيث ان كل الاحزاب
الفرعية تحتاج الى مواهب أعضائه وكفاءاتهم الثقافية.
وهو حزب مفتوح النوافذ الأيديولوجية. حتى انك تستطيع أن تكون شيوعيا أو
إسلاميا، إشتراكيا أو رأسماليا، وتكون في الوقت نفسه عضوا فاعلا فيه.
ولئن كان أكثر أعضائه يأتون من طرف السلطة، أو من طرف الساعين الى
السلطة، فان فيه أعضاء يقولون انهم مضطهدون من جانب السلطة، بل ومن طرف
معارضيها معا.
وكأي حزب عريض فان أعضاءه يضطهدون بعضهم بعضا ويستنكرون اعمالهم
ويبحثون لهم عن الأخطاء والزلات ويتهمونهم بكل الاتهامات، بل واحيانا
يعتقلون بعضهم، ويمارسون ضدهم كل الأعمال الشنيعة أيضا.
فهذا الحزب لا يحاسب أعضاءه على مواقفهم، ولا على خياراتهم. والقاعدة
الذهبية فيه هي القدرة على النجاة، و"الطواف" على سطح الماء بالاستعانة
بالمواهب إياها، حتى ولو كانت ضد أعضاء آخرين.
بكلمة واحدة: انه حزب عظيم، عريض وليبرالي. وكل شيء فيه مقبول،
واعضاؤه، سواء أكانت لديهم ضمائر أو لا، فانهم قد يستعملوها أو لا،
ولكنهم لا يتعثرون بها.
وتأسس هذا الحزب بالصدفة. ومؤسسه دكتور عراقي عاش عمره فقيرا ولكنه
اغتنى فجأة، حتى أثار الشبهات حوله. ومن مثقف مُعدم، تحوّل بقدرة قادر
الى مثقف مهم، يقلب العواصم كما يقلب أوراق الملفات، وتدعوه المنتديات
وكأنه يزيدها شرفا، واعتلى الكثير من المناصب المهمة فزادها زهوا.
وفي أحد الأيام سأله صديق قائلا: ألا تصارحني كيف حصل هذا الانقلاب في
أحوالك؟
فقال الدكتور: بسيطة، دخلت مسابقة وفزت.
ـ معقول؟
ـ نعم معقول. وأزيدك علما، فانها مسابقة بسيطة ويستطيع أي أحد أن يفوز
بها.
ـ بالله عليك، دلني، انت تعرف احنا اخوة.
ـ ولا يهمك. ما حصل هو اني دخلت الى مسابقة شارك فيها أكثر من مليون
شخص ولم يعرفوا الاجابة الصحيحة، ولكني فزت.
ـ كيف؟
ـ سألوني: 6×6 يساوي كم؟ فقلت 42.
ـ ولكن يا دكتور 6×6 يساوي 36 وليس 42!
ـ شفت؟ ليس لك في الطيّب نصيب. خليك بهالعقلية. انت واحد من المليون
الخاسرين.
***
والحال، فان باب العضوية مفتوح. وكلما تبدلت الظروف، ظهرت حاجة للمزيد
من ممثلي الشعب العراقي.
والطريقة بسيطة: تذلل لهذا، وتودد لذاك، وإبق ناعما حتى يصير براسك خير
وتعمل حزبا أو، في الأقل، منظمة "مجتمع مدني".
كل ما تحتاجه عندما يسألوك: 6×6 يساوي كم، أن تقول 42، وسترى كيف تُفتح
أمامك الأبواب وتنهال عليك الدعوات وتُصبح واحدا من ممثلي الشعب
العراقي ومثقفا مهما لا مُعدما. ولا تقلق، فانت تستطيع أن تكون في
الحكم وتربح، وأن تكون في المعارضة وتربح أيضا. المهم الجواب، لا
الموقف. فهذا حزب مفتوح النوافذ، وعريض القاعدة، وليبرالي.
وسواء أكان عندك ضمير أو ما عندك، فهذا ليس مهما. المهم: خليك انتهازي.
|