تتمتع الولايات المتحدة
بخبرة واسعة في التعاطي مع الأنظمة العربية سواء من خلال المنظمات
الدولية (التهديد بالعقوبات والحصار والمحاكمات) أو من خلال
الدبلوماسية (رسائل التهديد والترغيب) أو من خلال القوة العسكرية
(العدوان أو التهديد بالعدوان عبر مؤسستها العسكرية إسرائيل أو قوتها
الخاصة المنتشرة في أرجاء المعمورة) أو من خلال العملاء ( عبر قطعان
معارضة تتلقى منها التمويل والتدريب والتخطيط...). ولئن اختارت أغلبية
أنظمتنا الدخول تحت مظلتها على خلاف ما ترغب فيه شعوبها وعلى خلاف
مصالحها فان النظام السوري اختار الاعتدال في الخضوع والتوازن في
الاستجابة ولم يشأ أن يكون مواليا للامبريالية الأمريكية على النموذج
الرسمي السائد.
هذه الأيام نشهد أن أمريكا تدق طبول الحرب على سوريا عبر اتهامها بدعم
حزب الله عسكريا، موهمة النظام السوري والرأي العام أن العقاب آت وربما
جاهز ، وأنها تنتظر تغييرا في تحالفاته وهذا من شانه أن يحقق أهدافا
بعضها حقيقي وبعضها تمويهي.ويمكن تتبعها على النحو التالي:
1/ عزل النظام الإيراني إقليميا. وهو هدف مزعوم. ولا يكون إلا مزعوما.
باعتبار أن إيران لم تحتل مكانتها الإقليمية الحالية إلا بفضلها من
خلال تدمير العراق وتخريب بداوة أفغانستان وتحقيق ما يمكن تسميته
بالعمى الإستراتيجي للمملكة السعودية بحيث يستحيل عليها أن تكون وريثة
القدرة العراقية على المواجهة وما تقتضيه هذه القدرة من رؤية ومن
روحية. وقد تعاونت إيران وأمريكا على خلط الأوراق في المنطقة وعلى
الانفراد مع إسرائيل في لعبة تقاسم النفوذ ، أو لعبة تقاسم تركة الشهيد
صدام حسين.
2/ إقصاء الطرف العربي نهائيا وبشكل قطعي من التمتع بأي تأثير سياسي
إستراتيجي في المنطقة. فإذا كانت سوريا توصف بحاضنة المقاومة
الفلسطينية أساسا وإذا كانت تبقي بحكم العلائق الاجتماعية على حد أدنى
من التعاطف مع شعب العراق المقاوم، فان ذلك له رمزية خطيرة يجب فسخها
وتبديد شروط إمكانها. والمطلوب بالطبع أن تستدعي سوريا رئيس أمريكا
(لايهم اسمه)، تمكنه من سيف عربي، وان تدق له الطبول وتراقصه ...دليلا
على عمق الصداقة مع مؤسسته وفولاذه!!!
3/ الضغط يرمي أيضا إلى حذف الجولان من النضالية الافتراضية للنظام
السوري ومن الوعي السياسي المقاوم للشعب السوري وتحقيق مناخ يسمح
بتفاهمات مع العدو الصهيوني تصير من خلالها الجولان تابعة لسوريا
اقتصاديا وتابعة لإسرائيل امنيا وسياسيا، وتتخذ إجراءات تطبيعية تسوّق
هذا الحل.
4/ وهو هدف في غاية الأهمية : محاصرة المقاومة العراقية ،منعها من
الامتداد في عمق هو بحكم التاريخ والجغرافيا والقيم عمقها. رغم أن
مقاومة شعب العراق تعمل في ضل حصار لايمكن تخيّل احترافيّته وصرامته،
وما حكاية العمق العربي إلا تصورا افتراضيا رغم مبدئيته ومشروعيته.
فإيران تعلب اللعبة ذاتها التي تلعبها أمريكا وهي معنية مثلها أو أكثر
بملاحقة المقاومين واكتشاف خطوط دعم افتراضية أو أطر إسناد. وللإشارة
فان إيران قادرة على إجادة هذه اللعبة في القطر السوري على نحو أفضل
وأجدى.
5/خدمة العدو الصهيوني على حساب العدو الفارسي في لعبة تقاسم تركة
الشهيد صدام. أمريكا لاتريد أن يكون عدو العرب الثاني اقدر وأقوى من
عدوهم الأول. ولكونهما خدماها بخدمات بالغة الأهمية بالمقاييس
الإستراتيجية فأنهما حلفاء لها. بلغة المصالح طبعا وعلى أساس العداء
للعرب. إلا انه لايجب أن يكون الفرس أقوى ولا يجب أن تكون إسرائيل
اضعف. وصحبة إسرائيل أولى واهم.
6/وهو هدف في علاقة بالأهداف السابقة : تحويل سوريا من طرف في الصراع
إلى ميدان له. مثلما تحول الخليج العربي والوطن العربي كله. وهذا هدف
نوعي وخطير كما تلاحظون.
ماذا يمكن أن نقول لسوريا والحالة هذه ؟!! بماذا يمكن أن نطالبها ؟؟!!
على أي أساس وعلى أي نحو يجب أن تتصرف..؟!..ولكن قبل أن أجيب..دعوني
أوضح التالي :
● يتردد في الأوساط الشعبية أحيانا إدانة
للتوريث. أنا أيضا أدينه بصفة مبدئية. لكنني اقبله في سوريا ، وهذا بعد
أن تابعت كلام بشار الأسد في اجتماعات الجامعة وأسلوب تعاطيه مع بعض
الملفات. فالرجل بصراحة مثقف وله رؤية وملتزم قوميا وفق الحد الأدنى
المطلوب على الأقل ولا يضاهيه في ذلك أي حاكم عربي حاليا. وبالتالي فهو
حتما أفضل من أن يتسرب إلى دوائر الحكم ساداتي جديد أو أي من الكوارث
التي ترتبط بأمريكا أو بعملائها في المنطقة ارتباطا خفيا ومخفيا. وكل
منصف حين يسمع بشار يتحدث ينسى انه تربى في دوائر مؤسسة الحكم العربية.
وانتم تلاحظون أبناء الحكام وطيشهم وميوعتهم ومغامراتهم وحجم التهديد
الذي يمثلونه على المستقبل العربي.
● الشعب العربي يجب أن يكون حذرا وواعيا
بمخاطر ظاهرة كارازاي واحمد الجلبي والدببة والكتاكيت والحالكيين ،
وبان لايسمح لها بان تتكرر في سوريا أو في أي بلد عربي آخر. واقول ان
عبد الحليم خدام ورقة يبست فسقطت. وكذا حال كل العملاء. ملعونون في
الدنيا والآخرة. إن المواطن العربي النضيف في عقيدته والمتوازن لايسلّم
حاكمه لأمريكا وللصهيونية أيا كانت جرائمه. وحين يكون أمام خيار العيش
تحت بطشه أو العيش تحت الاحتلال عليه أن يتخندق معه ضد المحتلين.
وعلينا النظر إلى النموذج العراقي على انه شاذ. والشاذ لايتخذ مرجعا أو
أساسا للقياس.
بعد هذا التوضيح الذي تلاحظون انطوائه على قدر من الشجاعة إذ يتربص
بصاحبه اتهام جاهز بالعمالة للنظام السوري، ويتربص به في ضوء هكذا
اتهام ممكن، سوء الفهم، أمر للإجابة عن الاستفهامات المطروحة أعلاه.
هل أن التهديدات الأمريكية لإشعال حرب على سوريا عنوانها التمويهي حزب
الله أو الإرهاب هي تهديدات جدية أم تريد أن تكسب من وارئها دون طلق
رصاصة واحدة..؟! أرشيف علاقة أمريكا بالعرب اسود قاتم. وهي معتدية في
حروب عسكرية كثيرة ن مباشرة أو بالوكالة. وكنا حين كانت تعد الوضع
العالمي لحذف العراق من الخارطة السياسية نظن أنها لن تفعلها. لان
مشكلتنا العرب هي التفكير الأخلاقي والحقوقي وتحكيم الواعز الإنساني
والمثل الإنسانية العليا في حين تفكر أمريكا بعقلية راعي البقر وعقلية
السكير الذي يقتحم الملهى فيقتل من يشاء ويشرب مجانا ماشاء ثم يضع
مسدسه في خاصرته ويغادر. النظرة المنصفة هي أن تعتبرها ثورا هائجا
ومجنونا أيا كان صاحبه : يميني أو يميني ، ديمقراطي أو جمهوري.
فالحزبين واحد أمام العرب وأمام إسرائيل وسياستهما بالوراثة.
قد يكذب البعض هذه التهديدات بدعوى أن المرحلة تشهد تراجع في النفوذ
الأمريكي وضمورا في شهوة الثور التدميرية وقد يكون هذا التكذيب، في ضوء
هكذا تبرير، مقنع لنا وللكثيرين. لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار بان
الصهيونية هي من يمسك بمقود الآلة السياسية والعسكرية الأمريكية. وهي
تريد استغلال حالة الهوان العربي إلى أقصى مدى.
على افتراض أن التهديدات حقيقية، فماهو المطلوب من سوريا ضمن
إستراتيجية المواجهة..؟!!
1/فتح ساحات المقاومة على بعضها وحماية جريانها بين الساحات. وان تعمل
على أن تكون المعركة معركة وجود وليست معركة مكاسب. معركة تدار بالنار
ولا شيء غير النار وليس بأوراق الضغط من هذا الطرف أو ذاك. فحين تتحسب
سوريا للاسوا على الإطلاق تربح والشعب العربي الأفضل على الإطلاق.
ولتدرك سوريا أن الشعب العربي حين تتوفر له البنادق والخنادق لاتستطيع
قوة في الكون هزمه. ومثال العراق ساطع كالشمس، رغم أن المقاومة
العراقية محرومة من البنادق ومكشوفة الخنادق.
2/ أن تسير الدبلوماسية السورية بحسب المبادئ وليس بحسب الأحداث وردود
الأفعال. أن تتحرك في اتجاه حقوق العرب وليس في اتجاه المطالب
الأمريكية والصهيونية. ومن أهم مايجب انجازه هنا: القطع السياسي
والإعلامي مع أعوان أمريكا في العراق ومع عمليتها المخابراتية المسماة
زورا وبهتانا عملية سياسية. وهذا يتطلب إعادة رسم للعلاقة مع طهران على
أساس الحقوق العربية الكاملة كما يحدسها الضمير الشعبي ويدركها العرب
البسطاء على السجيّة.
3/ أن تبدأ في تهيئة الميدان فورا. فحين تأخذ بعين الاعتبار النقطة
الأولى والثانية تكون قد وفرت الحماية والدعم للجيش السوري البطل ووفرت
ضمانة النصر الساحق والماحق. ولتعلم القيادة السورية علم اليقين، بان
الشعب العربي معها ولن يتخلى عنها حين تكون في مواجهة مع الأمريكان
والصهاينة وان توفر له سبل وإمكانات المشاركة في المعركة.
عاشت المقاومة العربية في فلسطين والعراق
المجد للشهداء
المجد للأمة العربية
وإنّا لمنتصرون كما وعد الرحمن الرحيم
|