كيف يستيطع جيران العراق, وفيهم مَن لا يريد له إستقرارا أو أمنا أو
خيرا, حلّ مشاكل هذا البلد المنكوب بالاحتلال الأمريكي وبحكّام فاشلين
عملاء لا همّ ولا غمّ لهم غير الوصول الى كرسي الحكم, ولو تنازلوا عن
ثلاثلة أرباع العراق أرضا وإستقلالا وسيادة وثروات. ناهيك عن أنهم
عجزوا تماما, رغم كلّ ما توفّر لهم من إمكانيات مادية وتقنية وعسكرية
ودعم لا محدود من أسيادهم الأمريكان والايرانيين, في إدارة شؤون البلاد
والعباد ولو بالحد الأدنى من المصداقية والنزاهة, على مدى سبع سنوات.
كيف يمكنهم الآن في ظرف عدة أسابيع أو أشهر تشكيل حكومة "شراكة وطنية"
قابلة للحياة وقادرة, كما يزعمون ويروّجون, لتمثيل كل أطياف الشعب
العراقي, التي مزّقوها إربا إربا, وإيجاد حلول سحرية لمشاكله
المستعصية, مثل نقص الخدمات وفقدان الأمن والبطالة والفساد المالي
والاداري والأخلاقي. وهي مشاكل وآزمات صنعوها بأنفسهم وساهوا في
تغذيتها وإطالة أمدهاأيضا. وقد يظنّ البعض, بسبب كثرة الكلام المعسول
الذي يطلقه هنا وهناك "قادة" العراق الجديد, إن هؤلاء العملاء
والمأجورين تحوّلوا بين ليلة"إنتخابية" وضحاها الى وطنيين مخلصين ورجال
شرفاء تهمّهم بالدرجة الأولى مصلحة الشعب والوطن. وإنهم عازمون فعلا لا
قولا على تجاوز المرحلة السابقة التي إعترفوا, رغم أنهم كانوا أبطالها
الحقيين, بأنها مرحلة فاشلة من الألف الى الياء.
كما إن التملّق والغزل المبالغ فيه لجارة السوء إيران لا يخلُ من رائحة
الفشل والعجز والشعور بالدونية لدى ساسة المنطقة الخضراء. فتراهم في
ذهاب وإياب نحو جمهورية الملالي بغية أن تتكرّم عليهم بحلول ما, ولو
على حساب الشعب والوطن, ينقذ ماء وجوههم التي تبخرت منها, منذ سنوال
طويلة, كل قطرات الحياء والشهامة. بيد أن البؤس واليأس يبلغان أعلى
درجاتهما عند"قادة" العراق المحتل عندما يتوجّه ثلاثة من العملاء
المرموقين, وهم على التوالي, جلال الطلباني ومسعود البرزاني وأحد قادة
ما يُّسمى بالائتلاف الوطني العراقي, الى المملكة العربية السعودية.
والظريف أن هؤلاء سيزورون السعودية بشكل منفرد وكل حسب جدول أعماله
وأجندته الخاصة. ولا تستغربوا أن عمد الواحد منهم على التحريض والتهجم
على الآخر في لقاءه مع قادة وحكام المملكة. والاّ ما الذي يفعله العميل
مسعود البرزاني في مملكة آل سعود؟ هل ذهب يا ترى للعمرة أم ليلقى
محاضرة في جامعاتها حول الفديرالية وتفكيك الأوطان وشرذمة الشعوب وزرع
الفتن والشقاق بين أبناء الوطن الواحد, كما فعل على مدى عقود طويلة.
ناهيك عن إن مسعود البرزاني, سليل أعرق عائلة كردية صهيونية في شمال
العراق, لا يشغل منصبا أو وظيفة كبيرة في الدولة أو الحكومة العراقية
يخوّلانه للقاء قادة أو رؤساء دول أخرى. لكن, كما تعلمون هذا هو عراقهم
الجديد !
ومن الغريب إن "قادة" العراق المحتل تناسوا ضمن جولاتهم ورحلاتهم لدول
الجوار مشيخة آل الصباح أو إمارة "آكلي المرار". فهذه الدويلة, التي
تحوّلت الى بؤرة للشر والعدوان على العراق وشعبه, لم تكن بريئة أبدا
مما حصل وما زال يحصل في العراق من قتل وسلب وإختطاف وتفجيرات ونهب
لثروات وخيرات البلد. وخلافا لجارة السوء إيران, التي تتمتع بنفوذ واسع
وسيطرة مطلقة على الأحزاب الحاكمة في العراق, تتميّز مشيخة آل الصباح
بالعمل في الظل والتآمر والتنفيذ في الخفاء. أي كما يُقال, مثل الحيّة
تقرص وتضم راسها.
لا شك إن حكومة شركة أو شراكة وطنية سوف ترى النور حتى وإن إستنغرق
المخاض, كما هو متوقّع, عدّة أشهر. لكن لا أحد يعلم لحد هذه اللحظة ما
هو عدد وقيمة "الأسهم" التي ستشارك بها دول الجوار العراقي. وهل ستبقى
حصّة إيران هي الأعلى كما حصل منذ غزو وإحتلال العراق أم إن هناك
مساهمين جدد سوف يدخلون على الخط, ربما يدفعهم ويشجّعهم على المغامرة
وجود كتلة "العراقية" التي يقودها "الشيعي العلماني" أياد علاوي, الذي
أعرب عن أمله, في تصريح له قبل يومين, بأن تنال الحكومة المقبلة رضا
ومباركة دول الجوار. وفي كل الأحوال, إن حصّة العراق, وطنا وشعبا
وسيادة وإستقلالا, في حكومة"الشراكة الوطنية" القادمة سوف تكون منخفضة
جدا وقد لا يشعر بوجودها حتى سكنة المنطقة الخضراء أنفسهم, طالما بقيَ
أمرهم بيد الالآخرين.
|