اعتاد الطرف القوي أو
المنتصر في أي صراع أن يفرض شروطه بغض النظر عن مدى مشروعيتها
القانونية أو الأخلاقية أو الشرعية أو غيرها من المرجعيات التي يتبناها
هذا الطرف أو ذاك وبغض النظر عن الحقبة الزمنية التي تغلف ذلك الصراع
,فهل المقاومة العراقية هي الآن في الموقع القوي أو المنتصر الذي
تستطيع من خلاله فرض الشروط على المحتل الأمريكي أي هل يمكن أن يعترف
المحتل بهزيمته أولا وانتصار المقاومة العراقية ثانيا؟ وهل يمكن أن
يقبل بكل شروطها المعلنة ؟
أم إن هذه الشروط هي شروط مبدئية تصلح كأساس للتفاوض ليس إلا ؟
الآن وبعد نشوء حركات سياسية وظهور تيارات جديدة لها من يؤيدها نتيجة
تنفيذ سياسة المحتل بخلق عملية سياسية وخلق الأدوات التي ساهمت بإنجاح
هذه العملية ظاهريا ,إضافة إلى المعطيات الجديدة التي ظهرت على الساحة
العراقية والتي أصبح لها تأثير واضح في الحياة اليومية للإنسان العراقي
وللدولة العراقية ابتداء بالطائفية ,إضافة إلى حضور إقليمي قوي ومؤثر
في ظل هذه الأوضاع وخاصة الحضور الإيراني الذي تغلغل إلى الكثير من
المفاصل الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية والاقتصادية حتى أصبح
من الصعب تجاهل تأثيره الحقيقي عند أي قراءة أو تحليل, أي إن السؤال
المباشر هو هل إن الاحتلال ما زال اللاعب الوحيد في الساحة العراقية أم
إن هناك لاعبين آخرين يشاركونه القرار أي حتى لو رضخ المحتل للمقاومة
ووافق على شروط المقاومة, أيمكن أن تستجيب تلك القوى لهذا الاتفاق أو
ذاك وهل بإمكان المحتل إجبار هذه القوى على تنفيذ أي اتفاق يوافق عليه
وما هو رأي القوى الخارجية وتحديدا إيران بأي اتفاق أي ما هو موقفها
على الأرض الذي ستتبناه من خلال أدواتها الموجودة على الأرض العراقية
وما هو موقف بقية الجوقة السياسية ولو استمرينا في طرح تساؤلاتنا على
هذا النهج فلن نصل إلى نتيجة وسنصعب الموضوع علينا وعلى القارئ ,ومن
اجل الإجابة على تساؤلاتنا التي بدئنا مقالنا بها دون تشعب قدر الإمكان
سنعود إلى عنوان مقالنا للبدء, وسنحاول الإجابة أو طرح الموضوع على شكل
أسئلة ومناقشتها بموضوعية قدر الإمكان وسنبدأ بالسؤال الأول _ما هي
شروط المقاومة ؟
يمكن إجمال شروط المقاومة بما يلي :
1_ الانسحاب من العراق دون قيد أو شرط .
2_ الاعتراف بالمقاومة باعتبارها الممثل الحقيقي للشعب العراقي .
3_ عدم التفاوض مع المحتل إلا بعد الإقرار بالانسحاب الكامل من الوطن .
4_ إلغاء كل ما جاء به الاحتلال ابتداء بالعملية السياسية وكافة
القوانين التي نتجت عنها كونها باطلة لبطلان الاحتلال الذي صنعها .
5_إطلاق سراح كافة السجناء والمحكومين الذين قاوموا الاحتلال وعملائه .
6_ إعادة الجيش العراقي وكافة المؤسسات الأمنية السابقة إلى الخدمة
وإعادة بناء هذه المؤسسات .
7_ الاعتذار للشعب العراقي والإقرار بجريمة الاحتلال والجرائم الملحقة
بها.
8_ تعويض العراق والعراقيين عن كل الجرائم المرتكبة بحقهم .
9_ تسليم العملاء الذين ارتكبوا جرائم بحق الشعب والمقاومة والعراق
لمحاكمتهم .
وربما يضيف البعض شرط
الإقرار بوحدة الأراضي والشعب العراقي وبعروبته وغيرها والتي لا تخرج
عن هذا الإطار ,وبعد مرور عدة سنوات على طرح هذه الشروط وبعد التغييرات
التي حدثت على الساحة العراقية وعلى المجتمع العراقي وكذلك على الساحة
الأمريكية والعالمية والإقليمية بدئنا نسمع بان هنالك من يطرح بان لا
بد من إعادة تقييم المرحلة وتحديد الشروط بصيغ تتلاءم مع طبيعة المرحلة
والتغيرات التي حدثت مع عدم المساس بالثوابت الأساسية والتي تعتبر
الركيزة الأساسية للشروط ,وهذا منطق جديد بدأ من يتحدث به وبالتأكيد من
يؤمن به , ومبرر ذلك هو الواقعية السياسية التي فرضت نفسها وعلينا
التعامل معها شئنا أم أبينا لأنها تمثل واقعا اجتماعيا وسياسيا
واقتصاديا ونفسيا .
واعتقد إن هذا ما يريده
الاحتلال وما خطط له ويبدو انه قد نجح لحد ما في إقناع البعض من أفراد
الشعب المؤيد للمقاومة وبدأ بإقناع الآخرين فهل إن تأثير الواقع
السياسي الحالي يمكن أن يصل للحد الذي يجعل المقاومة تتخلى عن بعض
شروطها, بسبب تعب البعض واستسهال الطريق الذي رسمه المحتل للخروج من
المأزق ومن المستنقع العراقي بأقل الخسائر الممكنة بعد أن اقتنع
بهزيمته من جانب وبانتصار المقاومة من جانب آخر هو الذي جعل هؤلاء
المتعبون من التسويق لمثل هذه الأطروحات عسى أن يسترجعوا بعضا من ما
فاتهم ,وهنا لا بد من الإجابة عن سؤال مهم وهو هل اقتنع المحتل بانتصار
المقاومة وبهزيمته ,وهذا ليس مستبعد بل هو الواقع, ولكن المستبعد هو
الاعتراف علنا بذلك على الأقل في الوقت الحاضر ,حيث وبالرغم من أن كل
دول العالم وأي متبصر بالسياسة ومنصف لا بد أن يرى النصر الكبير الذي
حققته المقاومة العراقية والتي لم يكن انتصارها عسكريا على قواته فقط
بل تعداها إلى تحطيم اقتصاده مما فرض عليه التفتيش عن طريقة للخروج من
هذا المستنقع على أن يحفظ ماء وجه قدر الإمكان ,أي إن المحتل لا يمكن
أن يجلس مع خاسر بأي حال أي انه يعترف بانتصار المقاومة ولكنه لا يريد
أن يعلن هذا الاعتراف, لان إعلانه هذا سيؤدي إلى تبعات كبيرة جدا وهو
غير مستعد لتقديمها في الوقت الحاضر فما زالت لديه بعض الأوراق التي
يلعب بها عسى أن يستطيع من خلالها قلب الطاولة من خلال الحيل والألاعيب
التي يبرع بها وتساعده في ذلك جوقة كاملة من العملاء المنظورين وغير
المنظورين إضافة إلى وجبة جديدة من مهرجي العملية السياسية متمثلة
بالانتخابات الأخيرة والتي استطاع من خلالها أن يجر الكثير لأسباب
منطقية وأخرى واقعية وثالثة تتمثل بضعف الإيمان واستنزاف قدرات البعض
الآخر وعدم تمكنهم من استمرارية المطاولة وغيرها من الأسباب الذاتية
لمن كان محسوبا على المقاومة أو على مناصريها ,وهنا نصل إلى نقطة مهمة
وهي هل استطاع المحتل أن يسرق النصر من المقاومة من خلال إقناع البعض
أو على الأقل يجد من يجلس معه أو مع عملائه ليرتبوا الأوضاع الحالية
وليس ليتم الإعلان عن نصر المقاومة؟
ولكن لماذا الإصرار على الإعلان عن نصر المقاومة وإهمال الشعب والمجتمع
العراقي وما تحقق من ديمقراطية وغيرها من الأمور المرتبطة بالديمقراطية
والتي تفرض على الجميع إعادة النظر بموقفها ليس من المحتل بل من
العملية المستقبلية ومستقبل المقاومة وخاصة بعد خروج أو التهيئة للخروج
ولسان حاله يقول بان قواتنا تتهيأ للخروج وهذا ما تريده المقاومة
فلماذا الإصرار على استمرارية الجهاد وضد من حسب قول البعض ؟
فالموجودون في السلطة انتخبهم الشعب وبالتالي على قوى المقاومة الرضوخ
لمطالب الشعب وان أرادوا فبإمكانهم الدخول في العملية السياسية أو
تتصرف بما تريد بمعزل عن الاحتلال لان خروجه من العراق ينهي مبرر
الجهاد والمقاومة ومن الملاحظ إن المحتل رغم ادعائه هذا إلا انه لا
يجاهر به بل إن من يجاهر به هم عملائه في العملية السياسية وبعض
المواطنين البسطاء الجهلة وكل ذلك مفهوم, أما ما هو غير مفهوم فهو
مناداة البعض ممن يتصور نفسه محسوب على المجاهدين بهذا الطرح أو بما
يماثله وكان سبع سنوات من الاحتلال قد ولت وعفا الله عن ما سلف وعلينا
أن نبدأ من جديد ونحن أولاد اليوم ؟
وننسى عشرات بل مئات الألوف من الشهداء ؟
وننسى مئات الألوف من اليتامى والثكالى والأرامل ؟
وننسى الشرف الذي دنسه الأوغاد وآلاف الشباب الذي قضوا احلي أيام
حياتهم في غياهب السجون والمعتقلات وملايين المهاجرين والمهجرين وننسى
الألوف من أبطال العراق والأمة من الضباط والطيارين والعلماء وأساتذة
الجامعات الذين قتلوا أو غيبوا عن الحياة أو عن المجتمع ليطفوا على
السطح أرذل من خلق الله من جبناء ولصوص و مزورين وقتلة .
وننسى تراثنا الذي سرق وتاريخنا الذي حاولوا حرقه عندما حرقوا مكتبتنا
الوطنية ونهبوا آثارنا.
وفوق هذا وذاك بل وفي الدرجة الأولى ,يريدون سرقة مستقبلنا ومستقبل
أجيالنا من خلال فرض عملية سياسية مفصلة حسب الأسلوب والإرادة والمصالح
الغربية ,عملية سياسية تتضمن دستور عبارة عن ألغام انفصالية للأرض
وللشعب طولا وعرضا ,ومسح كامل للهوية العربية لهذا البلد ولتراثه,
وتركيز للطائفية الدينية وتطويرها لتكون طائفية سياسية مع بناء مؤسسات
تضمن استمرارية هذا النهج ليشكل واقعا لا بديل له إلا الانفصال وتقسيم
العراق أو الرضوخ لهذا الواقع والتعايش معه والالتزام بقوانينه
وبألاعيبه .
إذا فأي تفاهم مع المحتل مع الاعتراف بالأوضاع الحالية كما هي من جانب
وعدم اعتراف المحتل علنا بهزيمته وانتصار المقاومة من جانب آخر ما هو
إلا استسلام كامل, أي التخلي عن أهم سلاح دون تحقيق أي مطلب حقيقي ,لان
بقية مطالب أو شروط المقاومة ستنفذ كتحصيل حاصل في حالة اعتراف المحتل
بهزيمته وانتصار المقاومة ,وأما عدم الاعتراف بانتصار المقاومة فان
جميع الشروط التي يعد المحتل بتنفيذها ما هي إلا سراب .
لماذا سراب ؟ لان بقية شروط المقاومة ما هي إلا تحصيل حاصل لن تنفذ إلا
بالطريقة والأسلوب الذي يتماشى مع رغبات المحتل وعملائه ومصالحه وهي في
كل الأحوال لن تتعدى عن بعض الترتيبات المالية أو التعويضية وإعادة بعض
الضباط المتعاونين أصلا مع الاحتلال وعملائه إلى الخدمة وإطلاق سراح
بعض السجناء والذين تم اعتقالهم عشوائيا وربما تخفيف الضغط على
البعثيين وعلى أفراد فصائل المقاومة الذين تركوا العمل الجهادي ,وكل
هذه الأمور لابد أن تنفذ من قبل الحكومات العميلة من اجل تمرير ما يسمى
بالمصالحة اليوم أو غدا .
من ذلك يتضح إن المقاومة في حالة قبولها بالتخلي عن شرط الاعتراف بها
كممثل وحيد للشعب العراقي وبشرعيتها وبنصرها فسوف يعني تخليها عن كل
الشروط كنتيجة لذلك .
علما بأننا نتحدث وكان هذه الفتات التي سيمنحنا إياها المحتل تقع ضمن
إمكانياته ,أي إن موافقته ستكون مرهونة بموافقة اللاعبين الآخرين
ابتداء من إيران وانتهاء بالصفو يين الجدد مرورا بعملاء المحتل
المتمثلين بالحزبين الكرديين والحزب الإسلامي وبقية الجوقة ,وخاصة بعد
أن بدأت هذه القوى تدك لها ركائز على الأرض,لا يمكن إهمال قوتها أو
تأثيرها بأي حال وكل ذلك سيعيدنا إلى البداية التي تفرض نفسها ونعيدها
وهي لا يمكن التنازل عن شرط الاعتراف بالمقاومة كممثل وحيد للشعب
العراقي , وعند ذاك سيكون على المقاومة إكمال تنظيف ارض العراق ومجتمعه
من العملية السياسية ومن اردانها ,وكل هذا لن يتم إلا في حالة الانسحاب
الكامل للقوات الغازية ورفع الغطاء الدولي الذي تقيمه الولايات المتحدة
للعملية السياسية ولحكومة الاحتلال سواء بصورة مباشرة أو من خلال الأمم
المتحدة والذي يعطي الحكومات العميلة والعملية السياسية الشرعية
الدولية ,بمعنى آخر إن الولايات المتحدة لا تتحكم بالوضع العراقي
وبالتالي فلن تستطيع أن تعطي ما لا تملك ونقصد شروط إلغاء العملية
السياسية ودستورها العار وقوانينها السخيفة وإطلاق سراح السجناء وإعادة
الجيش السابق وبقية المؤسسات ,ولم يبقى ما تتحكم به سوى الاعتراف
بالمقاومة علنا والباقي على مجاهدي المقاومة تنفيذه ولن يتم ذلك بسهولة
.
أما من يتصور بان أي مشترك بالعملية السياسية يمكن أن يلبي الحد الأدنى
للمقاومة في ظل الأوضاع الحالية فهو واهم .
وقبل أن اختم لا بد أن أصرح برأيي بشان ضن البعض بان خروج المحتل يعني
انتهاء مبرر الجهاد ؟
فأقول بان الجهاد ضد الجواسيس والأنذال الذين باعوا وطنهم وارتضوا
احتلاله لهو أحق علينا حتى من جهاد المحتل ,لان المحتل لديه مصالح ربما
تكون بنظره مشروعة لكي يقوم بما قام به ولكن ما هو مبرر هؤلاء العملاء
الذين يسمون أنفسهم ظلما بالعراقيين أو المسلمين لكي يتعاونوا مع
المحتل على غزو بلاد العرب والمسلمين والله ناصرنا .
|