السمو والخلود
خلد التأريخ بسـفره قلة هم أولئك الذين يتسـنمون قمم الخلود والسـمو
والعظمة وقلة هم أولئك الذين ينفصلون عن آخر الزمان والمكان ليكونوا
ملكاً للحياة والإنسان ، أولئك القلة هم عظماء الحياة ، وأبطال
الإنسانية ، ولذلك تبقى مسيرة الحياة ، ومسيرة الإنسان مشدودة الخطى
نحوهم ، وما أروع الشموخ والسمو والعظمة ، إذا كان شموخاً وسمواً وعظمة
، صنعه إلايمان بالله ، وصاغته عقيدة السماء ، من هنا كان الخلود حقيقة
حية لرسالات السماء ، ولرسـل السماء والأنبياء والأولياء والصالحين ،
ورجالات المبدأ والعقيدة وفي دنيا الإسلام والإنسانية ، تاريخ مشرق
نابض بالخلود وفي دنيا الإسلام ، قمم من رجال صنعوا العظمة في تاريخ
الإنسانية ، وأضاءوا دروب البشرية بضياء الهداية والإيمان ونور الحق
واليقين
وإذا كان للتاريخ أن يقف وقفة إجلال أمام أروع أمثولة للشموخ ، وإذا
كان للدنيا أن تكبر لأروع تضحية سجلها تاريخ الفداء ، وإذا كان
للإنسانية أن تنحني في خشوع أمام أروع أمثولة للبطولة والتضحية ، فشموخ
الإمام الحسين وتضحيته لم تحصل من قبل وان سجل التاريخ لواقعة ما
فإنها أيضا تقف أمام تضحية أبا الأحرار بإجلال وخشــوع معمق بإقرار
الفوز الأبدي والعلو والسـمو السـرمدي بطولة الإمام الحسين وجهاده
يعطي أروع ألأمثلة شهدها تاريخ الشموخ والتضحيات والبطولات ، الحسين بن
علي عليه السلام قمة من قمم الإنسانية الشامخة ، فالفكر يتعثر وينهزم ،
واليراع يتلكأ بمد أحرفه ورسم الأشياء وتوثيق الأحداث أمام إنسان فذّ
كبير كالإمام الحسين عليه السلام ، وأمام وجود هائل من التألق والإشراق
كوجود الإمام الحسين ، وأمام إيمان حي نابض وارث سنة النبي العربي
مدينة العلم اللاهي وعلم علي باب مدينة العلم ، كإيمان الإمام الحسين ،
وأمام سمو شامخ عملاق كسمو الإمام الحسين بعمقه العربي القرشي وأمام
حياة زاهرة بالفيض والعطاء كحياة الحسين الإمام إن قام أو قعد وسيد
شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله
مهما كتب الباحثون والموثقون وحقق المحققون لا يمكن أن يلجوا إلى
آفاق العظمة الإنسانية الرسالية عند الإمام الحسين لأنه المتتم لطريق
البناء ألقيمي الإسلامي في المجتمع العربي الإسلامي والإنسانية عامه
كونه إمام زمانه ومرحلته التي هي امتداد للزمن الرسالي الذي جاهد
وضحى فيه المسلمون الأوائل الذين عاشهم وتلمس من خلالهم معنى صحبة الحق
اليقين والفداء من اجل المبدأ وصولا إلى تحقيق المجتمع الإســلامي
المدني المتمكن من تحقيق الرسالة بمعانيها الحقة ، إلا بمقدار ما نملك
من بعد في القصور أمام الطود الشــامخ والجبل العالي ، وانكشاف في
الرؤية ، وسمو في الروح والذات ، فكلما تصاعدت هذه الأبعاد ، واتسعت
هذه الأطر ، كلما كان الانفتاح على آفاق العظمة في حياة الإمام الحسين
أكثر وضوحاً وأبعد عمقاً فلا يمكن أن نعيش العطاء الحي لفيوضات الحسين
الإمام المجاهد والأب الوارث والسفينة التي من ركب فيها نجى من الدنيا
ومفاتنها وغرورها وغدرها وإغرائها ، ولا يمكن أن تغمرنا العبقات
النديّة والأشياء الرويّة مالم تؤطرنا نسمات الحياة التي تنساب من أفق
الحسين ، ولا يمكن أن تجللنا إشراقات الطهر مالم تنسكب علينا مياه من
أقباس الإمام الحسين وهنا وصفنا بمخيلته الإيمانية لان الإمام
اســتشهد عطشــانا" وهو على مقربه من نهر الفرات ، إلا إذا حطمت عقولنا
أسوار الانفلاق على النفس الأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ، وانفلتت من
أسر الرؤى الضيقة لما يحيط بها من غرور وشرور الدنيا الفانية والبعد
عن ما أراد الله لان الهث وراء الجاه المجرد سيجعل الفرد أسيرها
والممتطي لمطيتها التي توصل سالكي طريق ألذات إلى التقوقع والتفرد
القاصر بفهم المعاني السامية لدور الفرد في الأمة والمجتمع ، وتسامت
أرواحنا إلى عوالم النبل والفضيلة ، وتعالت على الحياة المثقلة بأوضار
الفهم المادي الزائف المنتهي للنسيان ، فيا من يريد فهم الحسين ، ويا
من يريد عطاء الحسين ، ويا من يتعشق نور الحسين ، ويا من يهيم بعلياء
الحسين ، افتحوا أمام عقولكم مسارب الانطلاق إلى دنيا الحسين ، أكسحوا
من حياتكم أركمة العفن والزيف والدجل والخداع والتضليل الذي أريد له أن
يكون اللون السائد في حياتنا من الذين اتخذوا من ثورة الحسين عبرة
للثراء والغنى والكسب دون تقويم وبناء ، حرّروا أرواحكم من ثقل التيه
في الدروب المعتمة التي لاتعرف غير عقاب الضمير وكأنم الفاعلين انتم
والعقاب يطور من لايعرف شيء غير ما كتب ومن هم الذين كتبوا وكيف
كتبوا ولمن أرادوا أن يكتبون ، عند ذلك تنفتح دنيا الحسين ، وعند ذلك
تتجلى الرؤية وتسمو النظرة ، ويفيض العطاء ، فأعظم بإنسان جدّه محمد
سيد المرسلين وخاتم النبيين ، وأبوه علي بطل الإسلام الخالد الفتى الذي
لاغيره فتى ولا سيف غير سيفه ذو الفقار الذي حصد رؤوس المشركين وقطع
رقاب أهل الجهل والضلالة ، وسيد الأوصياء وقائد الغر المحجلين ، وأمه
فاطمة الزهراء البتول سيدة نساء العالمين أجمعين ، وأخوه السبط الحسن
ريحانة الرسول ، نسب مشرق وضّاء ، ببيت زكي طهور ، في أفياء هذا البيت
العابق بالطهر والقداسة ولد سبط النبي العربي ألمضري القرشي محمد صلى
الله عليه وآله وسلم ، وفي ظلاله إشراقة الطهر من مقبس الوحي ، وتمازجت
في نفسه روافد الفيض والإشراق ، تلك هي بداية حياة السبط الحسين ، أعظم
بها من بداية صنعتها يد بيت الرحمة محمد وعلي وفاطمة صلى الله عليهم
وسلم أجمعين ، وأعظم به من وليد ، غذاه فيض الرسول الأعظم محمد صلى
الله عليه وآله وسلم وروي نفسه إيمان أمير المؤمنين علي عليه السلام
وصاغ روحه حنو فاطمة الزهراء البتول عليها السلام ، وهكذا كانت بواكير
العظمة تجد طريقها إلى حياة الوليد الطاهر، وهكذا ترتسم درب الخلود في
حياة السبط الحسين ، فكانت حياته عليه السلام زاخرة بالفيض والعطاء
والعلم والحرص على رسالة الإسلام المحمدي ورمزية الأب الصديق الفاروق
المكرم وجهه من الخالق البارئ ، وكانت حياته شعلة فرشت النور في درب
الحياة ، وشحنة غرست الدفق في قلب الوجود
يتبع رجاء" |