من دير ياسين إلى بحر البقر .. من كفر قاسم إلى قانا .. من شاتيلا
وصبرا إلى الخليل .. من بيت لاهيا إلى القدس .. من العامرية إلى
الفاخورة ...
دماء .. أشلاء .. قتل .. ذبح .. قصف .. رجال .. نساء .. أطفال .. شباب
.. شيوخ ..
الحقد واحد .. الآلة واحدة .. والعدو يلبس أقنعة متعددة ...
في 13 فبراير عام 1991 قصفت الطائرات الأمريكية ملجأ العامرية في
العراق .. وفي 6 يناير 2009 قصفت المدفعية الإسرائيلية مدرسة الفاخورة
في غزة .. ثمانية عشر عاما بين قصف وقصف ..
ما الفرق ؟
أطفال ونساء وشيوخ هربوا من جحيم الموت بثياب النوم، إلى ملجأ يحتمون
فيه من رعد الطائرات، علهم يجدون آمانا وأمنا من موت يطاردهم على أرض
العراق .. على أرض فلسطين.
أطفال يلتصقون بأمهاتهم، والخوف كامن في العيون من هدير الدبابات، شيوخ
يرفعون أكفهم إلى السماء لعلها ترحمهم من بطش الطائرات، وأمهات ينتحبن
خوفا على أطفالهن وأزواجهن وأنفسهن.
وماذا بعد ؟
جاءت الطائرات / الدبابات .. وصبت حممها .. حقدها .. وفي لمح البصر ..
كان ثمة بشر ..
صراخ .. عويل .. أشلاء متناثرة .. أجساد متفحمة .. سماء بيضاء / سوداء
.. رجال ينتحبون ..
وماذا قبل ؟
في العدوان الثلاثيني على شعب العراق في عام 1991, أغارت الطائرات
الحربية الأمريكية على ملجأ في منطقة العامرية غرب بغداد، وألقت
صاروخين على ساكنيه عن قصد وتعمد، عند آذان الفجر .. فتحول المكان إلى
فرن لحرق الأطفال والنساء والشيوخ .. لا يعرف أحد كم بلغت حرارة
المكان، لكنها صهرت الحديد والإنسان .. جثث الأطفال امتزجت بقطع الحديد
ونثار الاسمنت وأسلاك الكهرباء .. جثث محروقة ملتصقة بجدران الملجأ ..
جثث أحالها القصف إلى غبار .. لحم النساء امتزج بتراب الأرض ليعيد
تكوينه الأول.
وشاعر احترقت عيناه من هول المنظر فصرخ:
ملجأ العامرية
ما انطفأ نوره
إلا من ضحاياه
ومقلتاه، اسودت
من أسئلة الدماء النافرة
وحنين اللحم الملتهب
وكانت حصيلة المذبحة ما يزيد عن أربعمائة شهيد مدني عراقي بينهم
فلسطينيون.
وبعد ثمانية عشر عاما, تفجرت الدماء .. وتناثرت الأشلاء .. وانهارت
الجدران على الأجساد .. في مدرسة الفاخورة في شمال غزة.
ثلاث قذائف حارقة وقنابل فسفورية أطلقتها القوات الصهيونية, خلال الحرب
على غزة, على الذين حملوا ملابسهم .. فراشهم .. وتركوا بيوتهم هربا من
الموت .. وافترشوا صفوف وساحات مدرسة تحمل علم الأمم المتحدة .. بحثا
عن الأمان في ظل العلم ..
وعند المساء، كان اللحم يمتزج بتراب الأرض .. رؤوس مقطوعة .. أيادي
فصلت عن الجسد .. طفلة يبرز رأسها من بين الركام .. طفل بثياب ممزقة
ينتشل من تحت الأنقاض .. عيون فقدت الحياة تصرخ بأي ذنب قتلت ..
وشاعرنا تمرغ بالتراب وأنشد:
ما أجمل الصمت الطفولي البريء
مزقت أجسادهم حمم اللظى
يومان تولد طفلة
يومان تقتل بالصواريخ الثقيلة
النار تعلو المنازل والبيوت
تتفحم الجثث الصغيرة
تتناثر الأشلاء في وجه الثرى
والرمل يحمل وجه أحباب
وكانت حصيلة المذبحة ما يزيد عن أربعين شهيدا من نساء وأطفال وشيوخ
وشباب.
ولم ينته القصف .. مازال لدى الأقنعة مزيد من الأشلاء والدماء.
من العامرية إلى الفاخورة .. توحدنا بالدم .. وتفرقنا باللغة.
|